ناجي الغزي كاتب سياسي
التنوع الاقتصادي يعتبر أحد علامات النظام الاقتصادي في العالم الحديث. ويقصد به تنويع وتوسيع الصادرات وتنويع مصادر الدخل. هو نوع من سياسة تقليل الاعتماد على مصدر واحد كالنفط الذي يتعرض الى تذبذب الاسعار نتيجة العرض والطلب والازمات والكوارث والحروب التي تطال العالم. ويقصد به تحديدا على انه مجموعة الاصناف المتزايدة التي تشارك في تكوين الناتج أو المخرجات للدخل القومي.
وهذا النوع يعتبر تحدي كبير للبلدان المنتجة للنفط ذات الفوائض في رأس المال. لانه يضمن لها الاستدامة الاقتصادية للاجيال, ويقلل الاضرار الناتجة عن الازمات والصدمات الخارجية, ويساعدها على خلق فرص متنوعة تستوعب الايدي العاملة والعاطلة وذلك من خلال تحريك الحركة الاقتصادية للاستثمار الاجنبي, لاجل رفع القدرة التنافسية مع الاقتصاد الوطني. وتشجيع دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي لقدرته على المساهمة الفعالة في توظيف الايدي العاملة, كما لديه قدرة على خلق قاعدة اقتصادية واسعة تساهم في تنوع مصادر الثروة الوطنية .
وسياسة التنوع الاقتصادي تخلق فرص لتنمية القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية باعتبارها موارد غير نفطية لاتخضع للصدمات الخارجية التي تساهم في تدهور الاوضاع الاقتصادية. وهذا ما أقدمت عليه الكثير من بلدان العالم والدول الاقليمية للعراق كالسعودية والامارات الذي تميز اقتصادها على الاستثمارات بصورة خاصة لذلك اصبحت الامارات من الدول الاقليمية الرائدة في المنطقة.
السؤال المهم هل يمكن للاقتصاد العراقي ان يعتمد سياسة التنوع الاقتصادي ومامدى نجاح هذه الاستراتيجية ؟
الاقتصاد العراقي من أكثر الاقتصادات العالمية الذي يعتمد على النفط كمصدر اساسي ورئيسي في موازنته العامة بنسبة تصل إلى 95%، وهو ما يجعله في التصنيفات الاقتصادية بـ (الاقتصاد الريعي). وفي ظل انهيار أسعار النفط نتيجة تفشي جائحة كورونا وإلاغلاق الذي تعرضت له معظم اقتصاديات دول العالم. اصبح الاقتصاد العراقي أمام تحدي كبير ورهينة السوق العالمية للنفط. ولذلك نفرط في التساؤلات الملحة: هل يمكن للسياسة الاقتصادية العراقية ان تنتهج مساراً اقتصادياً يقيها من الصدمات والازمات الخارجية؟؟ وذلك من خلال تبني سياسة الاقتصاد المتنوع باعتبار العراق يعتمد على الثروة النفطية, لكونه يحتل المركز الخامس عالمياً والثاني عربياً من ناحية احتياطي النفط الخام. حيث يبلغ احتياطي النفط العراقي حولي 148 ملياراً 800 ألف برميل. وهذا الكم يؤهله بالنهوض بالاقتصاد وتوظيف الفائض منه الى الاستثمارات في كافة القطاعات التي تمكنه من التحرر من الريعية الى مساحات آمنة بدلا من التبعية المطلقة لقطاع واحد فقط.
وهناك تجارب كثيرة سارت عليها بعض الدول الاقليمية والاسوية في تنوع اقتصادياتها وتعظيم مواردها وتعدد مصادر دخلها. ومن هنا نود طرح تلك التساؤلات التي تساهم في فتح آفاق جدديدة في الرؤية الاقتصادية العراقية والتقليل من الاعتماد على قطاع النفط كمصدر وحيد لتمويل الموازنة السنوية. والامارات أحد الدول التي بدأ القطاع النفطي يتراجع في دعم موازنته حيث يشكل 30% من موازنته السنوية مقياس بالقطاعات الاستثمارية الاخرى التي تشكل 70%.
والسياسة التقشفية التي اعتمدتها الحكومة العراقي في موازنة عام 2020 كأحد الخيارات وفق معطيات انهيار أسواق النفط العالمية عند 30 دولارًا للبرميل وانخفاض الايرادات اللازمة لتسديد النفقات التشغيلية, وتأمين الرواتب والاجور والغاء الموازنة الاستثمارية وضع الموازنة أمام عجز مالي كبير مما دفع الحكومة الى الدين الخارجي والداخلي.
وهذا يجعلنا امام تلك التساؤلات ويضعنا جميعا أمام مسؤولية تاريخية للبحث عن مخرجات جديدة وجادة من عنق الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المتنوع. والاقتصاد العراقي تاريخيا قبل اكتشاف النفط يعتمد على القطاع الزراعي بشكل رئيسي نظرا لطبيعته الجغرافي الطينية المنبسطة التي تحيط بنهري دجلة الفرات وهي مركز المناطق الزراعية والتي تقدر بـ 40 مليون دونم صالحة للزراعة والتي لم تستغل بصورة صحيحة سوى ربع المساحة. في حين يعتمد العراق في سلته الغذائية على الاستيراد من خضروات ودواجن ولحوم واجبان وغيرها.
وكذلك القطاع الصناعي كان له دور بسيط في وقت قريب كالصناعات التحويلية المرتبطة بالنفط والصناعات الكيمياوية والاسمدة وصناعة المواد الانشائية وبعض الصناعات الغذائية. ويمكن للعراق ان يطور تلك القطاعات بصورة صحيحة تواكب التطور الحديث لتكنلوجيا المكائن والانتاج وتطوير قطاع السياحة الذي يتميز به العراق بعمق تاريخه الحضاري ومكانته الدينية.
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha