د بلال الخليفة ||
ان العراق بعد تغيير النظام السابق وهو نظام شمولي دموي كرس كل موارده المالية والاقتصادية باتجاه الحروب خصوصا بعد استلام السلطة من قبل صدام ، حيث دخل ثلاث حروب وتعلمون إن الحرب تستنزف الموارد الاقتصادية لأنها عالية الكلفة، شهد بعد ذلك دخوله للأنظمة الديمقراطية البرلمانية العالمية وتأسس نظام قائم على الانتخابات، لكن المطب الرئيسي الذي وقع فيه هو المحاصصة العرقية والطائفية وهو لا يتماشى وروح الديمقراطية لأنه يشرط الجميع بالحكومة وبالتالي تخلو الطبقة السياسية من المعارضة التي تبين للناس الإخفاقات والفساد الذي يقترفه المسؤولين.
في هذا المقال نتناول التجربة الماليزية التي تشابه ولحد كبير العراق في جوانب عديدة منها:
1 – ان ماليزيا كانت واقعه تحت الانتداب البريطاني. ورافقه أيضا احتلال ياباني.
2 – تتكون ماليزيا من (13) ولاية وهو مقارب إلى عدد محافظات العراق
3 – عدد سكان العراق عام 2014 هو مساوي تقريبا لعدد نفوس ماليزيا وهو بحدود 30 مليون نسمة.
4 – يتكون المجتمع الماليزي من ثلاث أعراق وهم (المالاي) المسلمين وذوي الأصول الصينية وذوي الأصول الهندية.
· المالاي = 50% ، (وفي الموسوعة العالمية ويكبيديا 61%) وهم الفلاحون والفقراء من المجتمع والغير متعلمين.
· الصينيون = 37 %، وهم التجار وأصحاب المال.
· الهنود = 12 %، وهم أصحاب المهن والحرف. الطبقة الوسطى، يعتنق الهندوسية معظم الماليزيين الهنود
· الأخرى = 1 %
حسب إحصاء السكان والمساكن في 2010، كان 61.3% من السكان مسلمين، و19.8% بوذيين، و9.2% مسيحيين، و6.3%
5 – عانت ماليزيا أيضا من الصراع العرقي وخصوصا بعد عام 1969 بين الأعراق الثلاث. وهو حدث أيضا بعد عام 2005 في العراق.
6 – كان النظام الحاكم تحت ظل الاحتلال هو إمبراطوري دكتاتوري، أما النظام في العراق فكان ملكي ثم نظام شمولي دكتاتوري.
7 – نسبة الفقر في المجتمع الماليزي عام 1970 هو 50% وهي نسبة تفوق نسبة الفقر في العراق لنفس العام.
من النقاط أعلاه نلاحظ كمية الشبة للظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الماليزي، وكمية التحدي الكبيرة التي يواجهها في حال اتخاذ أي خطة تنموية ناجحه لذلك.
كانت نقطة البداية لانطلاق الحلول الناجحة والتنموية هي الوحدة ووحدة القرار لكل عرق وبالتالي الوصول لوحدة القرار الماليزي، حيث تشكلت جمعية (امنو) (منظمة اتحاد المالاي الوطنية) عام 1946، برئاسة عون جعفر وهي ممثله للأغلبية المسلمة في ماليزيا.
ثم تلتها تشكيل حزب جمعية الصينيين عام 1949، الذي تشكل نتيجة تشكيل امنو والذي فتح قناة تواصل وتعاون مع المسلمين.
اما في عام 1955، تشكل حزب المؤتمر الهندي ليلتحق بركب توحيد العرق في ماليزيا بعد تصاعد حركة ونشاط المسلمين والصينيين ولكي يحافظ على مكتسبات العرق الهندي.
فرغم انتكاسة عام 1969، ألا أن بذرة الطريق باتجاه الحلول وضعت وهي تقليل دائرة اتخاذ القرار بثلاث شخصيات الممثلة لكبرى الأحزاب العرقية وكان الهدف الأول لتلك الأحزاب هو المطالبة بالاستقلال.
قاد تنكو عبد الرحمن وهو رئيس وزراء ماليزيا في عام 1957 مفاوضات جرت في لندن تم التوصل من خلالها إلى إعلان الاستقلال من الانتداب البريطاني، لكن المشاكل لم تنتهي هنا، برزت مشاكل أخرى أهمها:
1 – التبعية الداخلية: وهي التبعية العرقية، أي إن العمل فقط لصالح العرق لا الوطن وخصوصا إن المتحكم بالسلطة هم الصينيون الذي مكنتهم بريطانيا بعد مغادرتها ماليزيا. وبالتالي إن الصينيون كانوا تبع لبريطانيا.
2 – التبعية الخارجية: وهي إن القطاعات الإنتاجية كانت تابعة لدول خارجية، أي ان كل نشاط اقتصادي كانت الهيمنة علية من قبل دوله خارجية.
3 – الانقسام الحاصل بين المجتمع الماليزي حسب الأعراق والطبقات الاجتماعية المتفاوتة كبيرا.
4 – الفساد المتالي والاقتصادي الكبير الذي يعاني منه المجتمع الماليزي.
5- غياب التفكير الاستراتيجي لوضع حلول تنموية مستدامة في ماليزيا.
· الحلول التنموية المستدامة
استعرضنا في أعلاه لاهم نقاط التشابة بين العراق وماليزيا ثم عرجنا لاهم أسباب والمشاكل التي تقف بوجة التنمية الاقتصادية الماليزية والتي هي مشابهه الى حد كبير مع الظروف العراقية والمشاكل التي يعاني منها:
الان ناتي لذكر اهم الطرق التي يجب اتباعها لحل تلك المشاكل والتي تم اتخاذها في ماليزيا وكانت السبب في نهضتها:
1 – وحدة القرار السياسي، وكما قلنا سابقا ان الخطوة الأولى هي وحدة القرار المتمثل بوحدة القرار، ففي ماليزيا تشكلت بمرحلتين الأولى وحدة القرار الإسلامي والثانية هي وحدة القرار لبقية الأعراق. لذلك يجب ان يتخذ نفس الخطوة في العراق والخطوة الأولى هي وحدة الصف الشيعي، فيجب تأسيس منظمة او مجلس او بيت او تحالف يضم كل قوى البيت الشيعي الذي سيعطي الطائفة قوة كبيرة في اتخاذ القرار وفي التفاوض مع المكونات الأخرى الشريكة في الوطن. وان يكون ذلك التحالف ذو زعامة محددة وواضحة لتجنب الاختلاف ومكون من مجلس يضم بقية القوى الشيعية للتباحث في أمور تخص المكون. فان تمت هذه الخطوة، حتما انها ستنعكس على المكونات الأخرى كما حدث في ماليزيا وبالتالي ان القرار سينحصر بيد ثلاث أشخاص وهو ما يؤدي الى سهولة حل واتخاذ القرارات المصيرية بسهولة وسرعة كبيرة.
2 - وجود النية الحقيقية للإصلاح والتغيير نحو التنمية المستدامة، حيث يلاحظ القارئ ان الفترة الحالية نشاهد الكل او الكثير يرفع شعار التغيير والإصلاح لكن دون جدوى ونية حقيقة بالإصلاح بل هي مجرد شعارات انتخابية حزبية فارغة. ان المحرك الرئيسي والأوحد هو وجود نية بالإصلاح والتي هي بؤرة التغيير الحقيقي.
3 – سن القوانين والقرارات التي تعتبر الالة الحقيقية للإصلاح لكن مع تطبيقها الفعلي لا كما يحدث الان حيث لاحظنا ان الحكومة العراقية قدمت ورقة إصلاح وهي الورقة البيضاء لكن الخطوات الفعلية والتشريعية التي تلتها كانت عكس ما تضمنته الورقة البيضاء.
4 – تسهيل عملية الاستثمار الداخلي والخارجي، ان المتتبع لهذا الشأن يلاحظ ان المستثمر يقضي سنوات في المراجعات الإدارية حتى يتمكن إصدار رخصة الاستثمار مع ما يرافق تلك العملية من رشاوي كبيرة جدا، فيجب سن تشريعات وأنظمة تسهل تلك العملية بحيث لا تأخذ سوى أيام أو أشهر فقط عن طريق برنامج النافذة الواحدة، أي المستثمر يدخل بناية واحدة فقط وهي معنية بهذا الشأن وبالتالي تقليل البيروقراطية الإدارية التي تعني الفساد الإداري.
5 – حماية المستثمر من سطوة الهيئات الاقتصادية التابعة للأحزاب والتي هي المعرقل الأول والأخير لاي تقدم او تنمية اقتصادية في البلد.
6 – إعادة النظر في الإجازات الاستثمارية القديمة التي غبنت حق العراق من عملية إيجار بخسة الثمن لأموال وأراضي وعقارات الدولة
7 – الاستفادة من التجربة الماليزية بعملية الاستثمار وهي ان التقسيمات الزمنية في عملية التنمية على سبيل المثال، تخصص الاستثمار لكل خمس سنوات لقطاع معين، مثلا: الخمس سنوات القادمة تخصص للاستثمار في محال الكهرباء فقط وبالتالي حل كل مشاكل الكهرباء والتنقل الى قطاع اخر وليكن الصناعة وتخصص له أيضا خمس سنوات لأحياء وأنشاء مصانع مخصصة للأجهزة الكهربائية والأنسجة وغيرها.
8 – للقضاء على البطالة، ان المعامل الجديدة التي تم أنشاءها والتي هي ابتداءا ذات كادر اجنبي، يكون تغيير الكادر بنسبة عشرة بالمئة سنويا كي نظمن ان الكادر سيصبح عراقي مئة بالمئة بعد عشر سنوات وهو ذو خبرة وكفاءة تؤهله لإدارة المنشأة الصناعية.
9 – الاهتمام في الاستقرار الأمني والسياسي الذي يشجع راس المال الداخلي والخارجي للاستثمار في العراق.
10 – يجب مغادرة الفكر الاشتراكي الذي لازال مسيطرا على عقلية الفرد العراقي والسياسي على حد سواء.
11 – الاهتمام وبشكل فعلي في محاربة الفساد الإداري والمالي ويجب البدء بالمسؤولين الكبار وتفعيل قانون من اين لك هذا. فكل السياسيين هم كانوا فقراء ومن الطبقات البسيطة لكنهم الان يمتلكون المليارات والشركات والفلل في الداخل والخارج، قرات الليلة الماضية ان احد أعضاء مجلس النواب قد بنى بيت له في احد الدول المجاورة بمبلغ ستة مليون دولار، فلو جمعنا كل رواتبة والمنح التي تلقاها من الدولة لا تبلغ عشر سعر البيت، فيجب مساءلته عن ذلك المبلغ، وتوجد نقطة أخرى وهي تعيين أقارب المسؤولين في الدوائر الحساسة بالدولة ومنها الخارجية.
12 – العدالة في توزيع الأموال، فمثال ذلك ان المخصصات الاستثمارية للعراق كلة تقريبا عدا اقليم كردستان يساوي 12 مليار بينما المبلغ المخصص للإقليم والذي هو ثلاث محافظات فقط هو بمقدار المبلغ المذكور تقريباً.
13 – الاهتمام بكل القطاعات لا قطاع دون قطاع وهو الذي يحدث الان، الاهتمام بالاستثمار في القطاع النفطي واهمال الصناعة والزراعة وبقية القطاعات.
14 – التوقيتات الزمنية مهمه جدا، أي وضع سقف زمني لاي خطة او هدف ومراجعتها باستمرار للوقوف على المعوقات وبالتالي حلها.
· الاهداف
النقاط أعلاه هي للوصول للاتي:
1. اقتصاد متنوع ومتوازن وناضج
2. اقتصاد ذو روابط صناعية قوية ومترابطة
3. اقتصاد تحكمة القوى العقلية والمهارات والمعرفة
4. اقتصاد ذو كفاءة إنتاجية متصاعدة لكل عوامل الإنتاج
5. اقتصاد راسخ وقادر على التكيف السريع مع أنماط العرض والطلب والمنافسة
6. اقتصاد استثماري ذاتي الاعتماد وذو نظرة استثمارية
7. اقتصاد مدعوم بانموذج العمل الأخلاقي والضمير والسعي للتميز
8. اقتصاد يتميز بانخفاض التضخم وخفض تكلفة المعيشة
9. اقتصاد يخضع للنظام الكامل وقوى السوق
· الخلاصة
للحصول على التنمية الاقتصادية المستدامة ، يجب تطبيق المعادلة الاتية وهي (الإرادة والقدرة والفاعلية)×(الموارد البشرية + الطبيعيه + المالية + التكنلوجية + المؤسساتية + التاريخ والجغرافية)
https://telegram.me/buratha