الصفحة الاقتصادية

 القاتل الاقتصادي كل شيء مباح من أجل الرِّبح

2157 2021-02-24

 

 ضحى الخالدي ||

  

 يضمن الدستور العراقي -بصورة فضفاضة- عملية التحول نحو اقتصاد السوق المفتوح، لكن هناك ضوابط تحدد هذا التحول، وهي ليست أمراً اعتباطيا. حين تسمع باجتذاب الاستثمارات الأجنبية والخصخصة وبيع ممتلكات الدولة وأصولها، والاقتراض من صندوق النقد الدولي عليك البحث والتنقيب والتدقيق والتفكير ألف مرة قبل الإقدام على أي خطوة، أو اتخاذ أي موقف حين تقرأ اقتراحاً لبيع محطتي كهرباء الرميلة وشط العرب لشركة (يفترض أنها كردية)، وحين ترحب بالاستثمارات السعودية في الصحراء العراقية على حافات المحافظات الفراتية والجنوبية.

    فبدل أن يصدر مجلس النواب قانون (جاستا) عراقيًا يطالب الجانب السعودي بالاعتذار الرسمي للشعب العراقي سواءً أكان من النظام الحاكم أم من المؤسسة الدينية على المواقف المتشنجة والفتاوى التكفيرية لغالبية الشعب العراقي والدعم اللامحدود لإرهاب القاعدة وداعش ومثيلاتهما، وتقديم التعويضات الملائمة لضحايا الإرهاب السعودي، وتقنين السفر ودخول حملة الجنسية السعودية للعراق؛ تهرول الحكومة العراقية والأحزاب المستفيدة لفتح حدود العراق أمام الشركات السعودية، وآلياتها، وموظفيها، وعمالتها المصرية والأردنية والفلسطينية المقدرة بالآلاف؛ لاستنزاف آخر قطرة من المياه الجوفية العراقية بحجة استصلاح أرض البادية الغربية، ودخول البضائع السعودية بكميات كبيرة على حساب اندثار المنتج المحلي، وكما هو معلوم فإنّ مردودات هذه التجارة قد موَّلت وغذَّت الإرهاب لسنين عديدة، مما يخلق فجوةً في الأمن المائي باستنزاف مخزون المياه الجوفية الضئيل، وتعريض التربة إلى التخسفات والانهيار بفعل تخلخل الضغط، ويخلق كذلك فجوةً في الأمن الاقتصادي (من ناحية المنتَج والبطالة)، وفجوةً في الأمن المجتمعي على المستوى الأمني والاستخباري بإمكانية تسلل مئات بل آلاف الإرهابيين والانتحاريين تحت غطاء هذه الشركات؛ وهنا لا يفوتنا التذكير بأنّ الشركات الاستثمارية السعودية الضخمة يوضع ألف خط تحت نشاطها وفاعليتها، مثلاً: في منتصف التسعينيات كان أسامة بن لادن بعد عودته من أفغانستان لاستثمار الأرض السودانية لزراعة محصول زهرة الشمس، ويسكن هناك في مزارعه -ويمكن الرجوع في هذه المعلومة لكتاب زوجة بن لادن للمؤلفة جين ساسون الذي صدر في حياته متحدثاً عن مذكرات زوجته السورية نجوى- ولا تزال شركات بن لادن متنفذة في السعودية، ويعود تأريخها إلى ما قبل ظهور أسامة بن لادن بصفته إرهابيًا، وتضطلع هذه الشركة في مجال الإعمار والإنشاءات بأعمال التوسعة في الحرم المكي الشريف. ولا تزال شركة المراعي للمنتجات الحيوانية تزرع أعلافها في الأرض الأرجنتينية على حساب طبيعة التربة الجغرافية، والمحاصيل المحلية، كما هو الحال عندما الشركات السعودية استثمرت الأرض الزراعية على ضفتي نهر النيل في السودان؛ لزراعة البرسيم مهملةً محاصيل الفواكه والخضر التي تقع في صميم الحاجة اليومية للمواطن السوداني!، مما يدفع بالمنتج المحلي إلى الاندثار، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة الاستيراد على حساب مصلحة الوطن والمواطن، ما دامت الأبقار السعودية الحلوب بخير، وما دامت الرشا في جيوب المسؤولين الفاسدين بأمان.

    مشروع البادية الغربية الذي يبدو متماهياً جداً مع مشروع الإقليم السني، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وربطه بمشروع نيوم سيئ الصيت جزءًا من الانخراط في عجلة التطبيع المتسارعة!.

·        الصندوق

    سمع وقرأ مواطنون كثيرون عن البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والقروض التي يقدمها الصندوق للدول النامية، لكنهم لم يتبحروا كثيراً في الشروط التي كان ينقلها سماسرة تحت عنوان (المستشارين الاقتصاديين)؛ لأن كشف هوياتهم الحقيقية كونهم وكلاء عند (وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية - CIA) يُعَدُّ ورطة لأميركا هي في غنى عنها؛ بما لها من عواقب ومضاعفات خطيرة، كذلك لا يهتمون كثيراً بمتابعة عواقب هذه القروض، ومن لم يمت بالسيف مات بالديون. هكذا تُقتَل اقتصادياً.

    إنَّ عائلات كورليوني وجامبينو ولوسيانو التي عرفناها في سلسلة أفلام (العرّاب) ليست هي عائلات المافيا الحقيقية التي صورتها لنا هوليوود؛ عائلات المافيا الحقيقية التي تحكم العالم هي عائلات بوش وشولتز وروكفيللر، وطبعاً لن نتطرق هنا إلى عائلة روتشيلد لأن أفراد العائلات الأخرى كلها بالنسبة لها ليسوا أكثر من هُواة.

    يجب أن تعرف ونعرف جميعاً أنّ البنك الدولي هو بنك أميركي يحقق أهداف أميركا ومصالحها، وما دامت تقدم له رأس المال الأكبر فهي من تملك حق النقض لقراراته. كيف حصلت أميركا على هذه الثروة كلها لتتحكم بالبنك الدولي؟

    من أصل 51 شركة من كبريات الشركات العالمية؛ تجد أنّ مقر 47 شركة منها يقع في أميركا. حتى أنّ شركات: جنرال موتورز، إكسون، والمرت هي أقوى اقتصادياً من اقتصاد: السعودية، النرويج، بولندا، فنلندا، جنوب إفريقيا، إندونيسيا، ودول أخرى... تخيَّل!!

    في كتاب (عقيدة الصدمة) تتحدث المؤلفة (نعومي كلاين) عن الصدمات الجماعية الموجهة للشعوب؛ لحملها على تقبُّل واقع مرفوض، فتُستَخدَم الحروب والكوارث الاقتصادية والطبيعية لتدجين الشعوب وتركيعها لتقبّل أوضاع لا تتقبلها حينما تكون الدول متعافية، وعلى سبيل المثال لا الحصر استطاعت الحروب المتلاحقة التي ورَّط بها النظام المقبور ومن ورائه أميركا؛ العراق، والآلة البعثية القمعية تجاه الشعب، والحصار الخانق لثلاث عشرة سنة مِن جعْل العراقيين يتشبثون بأي حل للخلاص من الكابوس الجاثم على صدورهم. المفاجأة كانت في أنّ هذا الشعب الذي رقص فرحاً بزوال حكم الطاغية على يد قوات الغزو الأميركية، هو ذاته من رفع السلاح مقاوماً للاحتلال الأميركي حتى خروج آخر جندي أميركي من أرض العراق.

    لماذا تريد أميركا وأذنابها توريط العراق في دوامة الديون والقروض والأزمات المالية المفتعلة؟ ببساطة متناهية فإنه لا مسوِّغ قانوني لفرض عقوبات اقتصادية على العراق حالياً كما هو الحال في إيران وسورية، إذاً لا بد من انهيار اقتصادي يعجّل بعملية الإذلال والتركيع تمهيداً للقبول بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، والذي يسير بخطى حثيثة لجرّ العراق نحو هذه الهاوية بحجة الخلاص من التعثر الاقتصادي لا سيما وأنّ معظم العراقيين ذاقوا شيئاً من حلاوة الانتعاش الاقتصادي بعد زوال الطاغية، وبحجة الخلاص من التهديدات الأمنية التي اختزنتها ذاكرة العراقيين عبر سنوات الإرهاب.

    حين تكون الدولة غنية بالموارد التي يسيل لها لعاب الشركات الأميركية الحاكمة تُرشي الرؤساء، فعلى سبيل المثال يتحدث جون بركنز (القاتل الاقتصادي) السابق عن أنّ نصف دخل الدولة يذهب إلى العائلة الحاكمة! في قبالة الحلب المتواصل وإفراغ خزائن المملكة التي لوحدها تشتري قرابة 12% مما تنتجه مصانع الأسلحة الأمريكية.

    تعرض الشركات الأميركية العظمى تطوير البنى التحتية مقابل مبالغ باهظة لكن ما يحدث هو تطوير البنى التحتية في الأحياء الغنية، فيما تظل الأحياء الفقيرة ترزح تحت وطأة الإهمال، وخير مثال هو حين اضطلعت شركة بكتل الأميركية (شركة كبرى مختصة بمشاريع البنى التحتية من مياه ومجارٍ وشق القنوات) بمشروع البنى التحتية في مدينة الإسكندرية المصرية.

    نقف هنا أمام تطور وهمي حيث تزداد ثروات الحكام، وتئن الشعوب تحت وطأة تراكم أعباء الديون التي تقتَص من مدخولاتها تارةً بالضرائب، وتارةً أخرى بالاستقطاعات.

    يأتي استثمار الطرق السريعة ضمن أحد أخطر المشاريع الأميركية للسيطرة على خطوط النقل، وعادةً ما تكون الطرق المستثمَرَة تحت رحمة الشركات الأمنية المأجورة التي يمتد عملها إلى ما بعد صناعة الشهداء الوهميين في أحداث مثل (الربيع العربي)، بل إلى عمليات اغتيال تستهدف رؤساء الدول العنيدة من قبل ما يسمى (الجاكل JACKAL) وتعني ابن آوى -الواوي باللهجة العراقية الدارجة- وهي تُتَرجَم خطأً: (الضباع). حين يفشل أبناء آوى في مهمتهم؛ ترسل أميركا جيوشها لغزو هذه البلدان.

·        قواعد اللعبة

    حين تريد أميركا تدمير بلد ما، فإنها تُدمِّر أو تسرق أرشيفه، وتكررت هذه الحالة في عام 1991 عند دخول الحرس الجمهوري للمحافظات المنتفضة، وإحراق دوائر النفوس والعقاري، وعام 2003 حين سُرق الأرشيف العراقي وأتلِفَت منه أجزاءٌ كثيرة.

    تنصّب أميركا طغاتها، وحين يحاولون التفرّد بالقرار قليلاً تبدأ اللعبة: تعترف وكالة المخابرات المركزية الأميركية بأن صدام المقبور كان أحد المتعاقدين معها، كُلِّف في فترة الخمسينيات باغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، إلا أنّ محاولته باءت بالفشل. هذه الخبرة  لدى الطاغية مكنته من الإفلات من عدة محاولات لاغتياله حين بدأ يخرج عن قواعد اللعبة.

    أميركا دفعت صدام إلى احتلال الكويت عام 1990 ثم دمرت العراق عام 1991 بحجة تحرير الكويت، لكنها لم تتخلص من صدام حسين؛ لأنه ببساطة رجلها القادر على قمع الشعب العراقي في الوسط والجنوب، والقادر على كبح جماح الكرد في الشمال، وهو الضد النوعي لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران شرقا.

    وجاء عام 2003 لتغزو به أميركا العراق، وتطيح بصدام حسين رجلها في العراق، وتسيطر شركات مثل هاليبرتون وإكسون موبيل على نفط العراق. لم يكن صدام الحالة الوحيدة لرئيس يُصنَع ويُنَصَّب مِن قِبَل CIA على سدّة الحكم وتطيح به فيما بعد. فقد نصّبت رجلها مانويل نورييغا في بنما؛ لتطيح به فيما بعد عبر غزو تسبب بقتل 2000 مواطن بنمي عام 1989.

    كانت جزيرة كونتودورا البنمية منتجعاً مفضلاً لكبار الساسة والاقتصاد الأميركيين، فما كان من نورييغا إلا أن نصب الكاميرات في أرجاء الجزيرة، وحصل على صور فاضحة لهذه الشخصيات، وكان أبرزها الرئيس جورج بوش الأب، وابنه جورج بوش الابن. حرص الغزو الأميركي لبنما على إحراق الأرشيف وعدم بقاء أي أدّلة تدين عائلة بوش، وتؤثر على مستقبلها السياسي.

كل من يرفض الانصياع التام لرغبات الشركات الأميركية من الرؤساء يُغتال أو يُفاجأ بالانقلاب عليه.

    تخيّل أن رئيس وزراء مثل محمد مصدَّق في إيران يُعَرَّض للانقلاب عام 1953 لأنه حاول تأميم الثروة النفطية الإيرانية من هيمنة الشركات الغربية، ويطاح به عبر رشوة بملايين الدولارات للطبقتين السياسية والعسكرية الفاسدتين حملها عميل CIA (كيرمت روزفلت).

    ولك أن تتخيل أن الرؤساء المطيعين يصبحون رموزاً للديموقراطية في الإعلام الأميركي ولو كانوا طغاة، ومنهم: أنور السادات، حسني مبارك.

    تستورد أميركا معظم وارداتها النفطية من فنزويلا، حتى أنّ مصافيها مهيَّأة لاستقبال نفط فنزويلا، ولأن الرئيس الراحل هوغو تشافيز لم يكن الاختيار الأمثل للمصالح الأميركية؛ فقد أججت التظاهرات المناهضة له عام 2002، وكذلك فعلت مع الرئيس مادورو.

    الانقلاب في إيران على مصدق، والغزو في بنما، وغزو أفغانستان والعراق... لم تكن الحالات الوحيدة؛ فاغتيال الرئيس ريبنز في غواتيمالا، والرئيس عمر توريخوس في بنما، والأب مكاريوس في قبرص، والرئيس رالدوس في الإكوادور، والرئيس سلفادور ألليندي في تشيلي... كلها تكرارات لسياسة واحدة، ربما غيّرت جلدها في الربيع العربي الذي مَثَّلت فيه دوراً أساسياً مؤسسات سيئة الصيت منها: الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، صندوق دعم الديموقراطية.

·        حكم الشركات

    إنّ قرضاً من البنك الدولي لبلد يمتلك موارد طبيعية هائلة؛ يفترض أن يخصص لتطوير ذلك البلد، لكن ما يحصل هو أن هذا القرض يذهب إلى خزائن الشركات العالمية الكبرى التي يفترض أن تُطوِّر البنى التحتية في ذلك البلد، في حين يبقى هذا البلد يسدد ديوناً لم تعد عليه بالفائدة. ومن جملة هذه المشاريع المفترضة هي محطات الطاقة الكهربائية والمجمعات الصناعية والموانئ، التي يفترض أن تعود بالنفع على الشعب، إلا أنها تجيَّر لمصلحة هذه الشركات، وطبقة الأغنياء التي تمثل أقلية حاكمة (أوليغارشيا) في هذه الدولة أو تلك، لا سيما النفطية منها.

    تكون الديون هائلة ومتعاظمة الفوائد، بحيث لا تتمكن الدول من سدادها حتى تجبر على بيع نفطها بالأثمان البخسة لهذه الشركات، والقبول بإنشاء القواعد العسكرية الأميركية والأوروبية فيها، ومشاركة أبنائها في حروب أميركا حول العالم ومغامراتها هنا وهناك، والتصويت في الأمم المتحدة لصالح القرارات التي تصب في مصلحة أميركا. أما ذلك أو الانهيار.

    لذلك تدفع هذه الدول إلى خصخصة قطاع الكهرباء والماء والمجاري، والمشتري هو الشركات الأميركية التي تتدخل حتى في النظام المدرسي لتلك الدول.

    هذه باختصار شديد هي مهمة البنك الدولي وصندوق [النهب] الدولي والمؤسسات المثيلة، التي يطلق جون بركنز على سياساتها (حكم الشركات CORPORATOCRACY) إذ يعمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على تحطيم البلدان ووضعها تحت طائلة التقسيم إن لم يحصلا على مبتغاهما. ومن أهم الخطوات التي تتَّخَذ هو ما يعرف بالتكييف الهيكلي للوضع الجديد من خلال تخفيض قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي؛ فتصبح ثروات البلد لا قيمة لها أمام أطماع الشركات الأجنبية، ويتبع ذلك تخفيض كبير لتمويل البرامج الصحية والمدرسية، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة. ولا يتحقق كل هذا إلا بشرط واحد هو إفساد الحكّام.

    وعلى مستوى التعاون الدولي فإنّ إزالة حواجز التجارة -تحرير التجارة والانفتاح الاقتصادي- واختلاط العملات والأسواق العائمة كلها مشاريع هادفة لزيادة أرباح هذه الإمبراطوريات المالية.

    وحين يتعاظم الاستيراد للمنتجات قليلة الكلفة بكميات كبيرة جداً تغزو السوق؛ تندثر الصناعة والزراعة المحليتان بالمقابل، فتبرز الحاجة إلى إنشاء معامل صغيرة تعود في الحقيقة للشركات الكبرى، تحت شعار إحياء الصناعة الوطنية، وتمتاز بافتقارها إلى ضوابط التشغيل والمنتوجات البشرية والبيئية، إذ يكون العاملون فيها أشبه بالرقيق في بلدهم، ولا تلتزم هذه المصانع الصغيرة بالضوابط البيئية، وتلوِّث البيئةَ المحليةَ لا سيما الموار المائية بصورة متعمدة تقف وراءها الجهات المالكة.

    كانت فجوة الدخل لخُمس سكان العالم عام 1960 بنسبة 30:1، اتسعت عام 1998 لتصل إلى نسبة 74:1،

 ومع ازدياد الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 40% بين عامي 1970-1985 ازدادت نسبة الفقر بنسبة 17%،

وازدادت نسبة من يعتاشون على أقل من دولار واحد في اليوم بنسبة 18% بين عامي 1985-2000،

يذكر أن الدخل الشهري للمواطن العراقي عام 2003 عند غزو العراق كان يعادل دولارًا واحدا.

·        أمثلة:

    من الأمثلة على سياسات البنك الدولي في تدمير البلدان؛ أنه في عام 1999 أصرَّ على الحكومة البوليفية أن تبيع منظومة المياه في ثالث أكبر مدينة فيها لشركة بكتل الأميركية؛ فارتفعت فواتير المياه إلى مبالغ خيالية أمام القدرة الشرائية والإمكانية الاقتصادية الضئيلة لمعظم السكان.

    وإذا انتقلنا إلى الإكوادور وتساءلنا ما الذي دفع بلداً نفطياً كبيراً إلى الإفلاس وبيع غابات الأمازون الغنية بالنفط للشركات الأميركية؟ فعلينا أن نعود إلى عام 1960 حين أقرض البنك الدولي الإكوادور قروضاً ضخمة كانت نتيجتها أن خلال ثلاثين سنة فقط حصل التالي:

قفز الفقر من نسبة 50% الى 70%.

نمت البطالة من نسبة 15% الى 70%.

ارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار .

انخفضت حصة الموارد المخصصة للفقراء من 20% الى 6%.

ما حلَّ عام 2000 إلا وكان لا بد من تخصيص 50% من ميزانية الإكوادور لتسديد الديون.

    فهل يتحمل العراق الذي تؤلف رواتب الموظفين والمتقاعدين غالبية موازنته، أن يخصَّص نصفها لتسديد الديون وفوائدها؟!

·        الحروب الدينية والاقتصادية

    قادت أميركا غزو أفغانستان والعراق تحت شعار مكافحة الإرهاب، والقضاء على أسلحة الدمار الشامل، على خلفية آيديولوجية لا يمكن إنكارها؛ إذ طفحت على لسان جورج بوش الابن الذي قاد حربه (بأمر الرب!) على حد زعمه.

    وقد نبدو متطرفين بعض الشيء إن قلنا إنِّ كل الحروب من (معركة قادش) وحتى تصريح قائد جيش العدو الصهيوني أفيف كوخافي بتنظيم حلف إسرائيلي- خليجي- عربي ضد محور الشيعة؛ هي حروب آيديولوجية قامت ضد الدين أو دفاعاً عنه، باسم الرب أو باسم الآلهة، هادفةً إلى سيطرة فئة بعينها على مقدرات هذه الأمة أو تلك، لتكون في خدمة مشروعها الآيديولوجي. لذلك فإن مسمى (حكومة العالم الخفية) هو ليس ضرباً من الخيال، وعلينا أن لا نغالط أنفسنا حول المرجعية الماسونية لهذه العوائل الحاكمة خلف الكواليس، وشركاتها المتنفذة بمقدرات العالم ومصائر الشعوب.

·        لنأخذ أفغانستان مثالا:

قبل عام 1980 كان منتوج أفغانستان من الأفيون يساوي (0%) من المنتوج العالمي.

    بعد سيطرة المجاهدين الأفغان والعرب المدعومين أميركياً على أفغانستان، وانتصارهم على الاحتلال السوفييتي؛ أصبحت أفغانستان تنتج ما نسبته 40% من الهيروين في العالم بحلول العام 1986.

حلَّ العام 1988 لتنتج أفغانستان نسبة 80% من الإجمالي العالمي

    حسب بعض التقارير يُحسَب لحركة طالبان تدميرها لمعظم مزارع الأفيون فانخفض الانتاج بنسبة 84% عام 2000.

    ووفق التقارير ذاتها فإنّ من الغريب وجود مخطط غزو أفغانستان على مكتب الرئيس بوش يوم التاسع من  أيلول/ سبتمبر 2001

    ثم تأتي الذريعة لهذا الغزو بتفجير برجي التجارة العالميين بعد يومين فقط في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001.

تنتج أفغانستان اليوم وهي تحت الاحتلال الأميركي أكثر من 90% من المنتوج العالمي للهيروين.

·        حساسية

    في تقرير أُصدِرَ عام 2004 ذُكِرَ أنّ  سبعين أميركياً قتلوا ذلك العام من مجموع 2000 شخص حول العالم نتيجة الإرهاب.

    فهل كان هذا دافعاً كافياً لتنفق وزارة الدفاع الأميركية مليارات الدولارات سنوياً لمكافحة الإرهاب حول العالم؛ إذا ما علمنا أن أكثر من 140 شخصاً يموتون سنوياً في أميركا بسبب حساسية الفول السوداني؟

    وهل هذا سبب كافٍ لتضع أميركا أكثر من مليون شخص حول العالم على لائحة الإرهاب منذ عام 2008؟!

    يعيب الأميركيون على إداراتهم المتعاقبة أنها أنفقت عام 2007 مبلغ 3 مليارات دولار سنوياً لأبحاث علاج  أمراض شرايين القلب التاجية -السبب الرئيس للوفاة في أميركا- الذي يموت بسببه سنوياً 450000 أربعمئة وخمسون ألف أميركي -نصف مليون نسمة تقريباُ- في حين خصصت عام 2007 أكثر من 161 مليار دولار لمكافحة الإرهاب الذي لم يقتل أكثر من سبعين شخصاً عام 2004!!

    بمعنى أن الحكومة الأميركية كانت تنفق على حروبها المزعومة ضد الإرهاب 54 ضعف ما تنفقه على مكافحة مرض يقتل (6600) ضعف من يموتون بسبب الإرهاب من الأميركيين!!

نظن أنّ النفط العراقي، وثغر الخليج، والأفيون الأفغاني، ومرتفعات أفغانستان المطلة على الصين تستحق ذلك.

    فهل فكرنا للحظة بعائدية الشركات التي تشتري أصول الدولة وإمكانية كونها إسرائيلية؟ هل يمكن لدولة ما أن تبيع ممتلكاتها بهذه السهولة دون عرض في المزاد العلني، وتقديم أفضل العطاءات؟ حتى في بيع (السكراب) كانت الشروط والقوانين أكثر تشدداً! تبرز هنا سيادة الدولة على أصولها، ومنشآتها، وبناها التحتية؛ لتقف أمام التساؤل المشروع التالي: هل سنشهد بيعاً للبنى التحتية العراقية الأخرى بما فيها المطارات والموانئ والجسور والطرق السريعة؟

    هل تتبعنا الخط البياني لعملية شراء العقارات والأرض في بغداد وسهل نينوى وتهجير السكان الأصليين بطريقة أو بأخرى من قبل يهود حاملين لجوازات سفر أوروبية؟!

    هل لنا أن نتصور شكل الخارطة مع سيطرة هذه العوائل الباحثة عن قبر ناحوم في نينوى وهي تسيطر على حوض دجلة وروافده الغنية بالمياه، وعمليات التخريب المتواصلة لأنابيب النفط العراقي الممتد نحو الموانئ التركية؟ فتكون أداة ضغط لإعادة تفعيل خط أنابيب نفط كركوك - حيفا جنباً إلى جنب مع أنابيب المياه الممتدة لتغذية الكيان الصهيوني الذي يعتمد على تحلية مياه البحر بصفتها موردًا رئيسًا للمياه؟!

    هل نتصور شراء الأرض والعقارات في بغداد وبابل  بأسماء وهمية متزامناً مع المطالبة بعودة اليهود إلى العراق، والحصول على ممتلكاتهم المصادَرة قانونياً؛ لنجد علم الكيان الصهيوني منصوباً على بناياتنا وسط العاصمة والمحافظات العراقية؟!

    هل نعلم أنّ تقنية ري المزروعات بالتنقيط هي تقنية إسرائيلية أوجدتها شحة المياه للاستخدامات الزراعية، واستُخدِمَت في العراق زمن النظام البائد في بلد النهرين، وحظي أهل المناطق الغربية بالنسبة الأعظم منها؟ واستُخدِمَت في الأرض السعودية في مشاريع الاستفادة من المياه الجوفية التي أدَّت إلى انهيارات أرضية هناك، وأدَت المشروع في مهده، ويراد لهذا المشروع تقويض الأمن المائي والبيئي والاقتصادي والمجتمعي في العراق، خدمةً لمن؟!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك