بهاء الخزعلي||
ذكرنا في مقال سابق الجزء الأول من المخططات الصيني للوصول إلى قيادة العالم إقتصاديا، أما في هذا المقال سنوضح المخطط الثاني للصين لأكمال برنامجها التقدمي.
في عام 2018 قامت الحكومة الهولندية بأعطاء ترخيص لشركة (ASML) الهولندية، تلك الشركة العملاقة التي تصنع معدات أشباه الموصلات، لبيع أحد أجهزتها المتطورة لعميل صيني وهو شركة (SMIC)، وهي أكبر شركة صينية متخصصة في صناعة الرقائق أو أشباه الموصلات، مما دفع الأدارة الأميركية حينها لأرسال بومبيو وزير الخارجية الأمريكية وعدد من مستشارين وزارة الدفاع الى هولندا، وقيام أمريكا بممارسة الضغط على هولندا ولقائات وأتصالات مكثفة، حتى تم أيقاف تلك الصفقة في منتصف عام 2019 ولم يتم بيع تلك الآلة التي تبلغ قيمتها 150 مليون دولار، وأوقفت الحكومة الهولندية الترخيص وحرمت الصين منها.
· المخطط الثاني:
الصين ترغب بالحصول على زعامة الأقتصاد العالمي، من خلال برنامج (صنع في الصين 2025) والذي أعلنت عنه عام 2015 وهو عبارة عن خطة لنقل الصناعة الصينية لمستوى أعلى، من خلال تركيزها على أنواع معينة من الصناعات أنواع تحتاج لتكنولوجيا عالية ودقة في التنفيذ، مثل صناعة الطائرات والسفن والصواريخ والذكاء الصناعي والروبوتس وصناعة سيارات الكهرباء والأدوية والأمصال المضادة للفايروسات، وكذلك صناعة (semicon ductors) أو أشباه الموصلات وذلك هو المكون الأساسي لجميع الأجهزة الإلكترونية التي يستخدمها العالم، وأشباه الموصلات تلك في وقتنا الحالي خاضعة للسيطرة الأميركية.
ويعتبر ذلك عقبة في وجه الصين وكذلك لأن الصين تستخدم ما يقارب 60% من أجمالي الأنتاج العالمي لأشباه الموصلات، في حين أنها تصنع 13% فقط من أحتياجاتها، لذلك تضطر للأستيراد من معظم أحتياجاتها من أشباه الموصلات تلك من أميركا، ولو نجحت الصين بأستمرار تلك الخطة من دون عوائق قد نجد أن الصين في عام 2025 تصنع 70% من أحتياجاتها لأشباه الموصلات، وتعتبر تلك الخطوة الأولى التي أذا ما نحت بها الصين قد نشهدها تصل الى المرتبة الأولى عالميا لتصدير أشباه الموصلات، ولو نجحت في الوصول للأكتفاء الذاتي ذلك سيؤدي ليس فقط الى تقليل التكلفة بل سيقلل الضغط عليها، في حال رفضت الشركات الأميركية تحت ضروف معينة للتعامل معها.
في عام 2015 أعلنت الصين أنها ستصرف 300 مليار دولار بشكل مبدئي على تنفيذ ذلك البرنامج، وفي عام 2020 تم الأعلان على أستثمارات أضافية بقيمة 1.4 تريليون دولار، ولأن الأنواع المتطورة من تلك الصناعات تحتاج الى كفائات عالية، فعمدت الصين مناهج تعليمية لتلك الصناعات بل وعملت على أرسال طلابها للتعلم في دول أخرى متطورة في ذلك المجال، ولو نجحت الصين في ذلك البرنامج ستتحول من دولة الشركات تبني فيها المصانع لرخص التكلفة لديهم، الى دولة يحتاجها العالم كمطور أساسي لأنواع متطورة جدا من الصناعات.
ذلك البرنامج المقلق للدول الغربية وعلى رأسها أميركا، دفع تلك الدول الى تهديد الصين في أزمة 2020 بنقل أستثماراتها ومصانعها لدول أخرى، وذلك قد يؤثر على الصين لو طبق في الوقت الحالي، لكن لو نجحت الصين بالتحول الى دولة متحكمة بأنواع خاصة من الصناعات، ستجهض كل تلك المحاولات الغربية والأميركية بالضغط عليها.
لو أخذنا مثال على ذلك شركة هواوي (HUAWEI)، سنجد أن دول كثيرة في العالم متخوفة من التعامل مع شركة هواوي بسبب أتهامها بالتجسس، لكن كثير من تلك الدول تجد نفسها مضطرة للتعامل مع هواوي لأنها الأن أكبر شركة أتصالات وتركيب شبكات في العالم، وبالذات بعد دورها في تطوير تكنولوجيا (G5).
ويعد برنامج صنع في الصين 2025 عامل رئيسي في الحرب التجارية بين الصين واميركا في عام 2018، ومثلما تأثرت شركات صينية كبيرة نتيجة تلك الحرب التجارية، نجد ان الشركات الأمريكية تضررت بشكل ملحوظ كذلك، حيث أن شركة آبل التي تصل مبيعاتها في الصين قبل 2018 الى 20% وكذلك شركة بوينغ التي تصل مبيعاتها الى 22% من أجمالي مبيعاتها، أنخفضت مبيعاتها في 2019 الى 50% من نسبة مبيعاتها السابقة، ولأن السوق في الصين حاليا واحد من أكبر الأسواق للشركات العالمية، وخسارة ذلك السوق أمر لا يمكن تحمله من الشركات الأميركية، نجد أن شركة تيسلا المطور الأساسي لصناعة السيارات الكهربائية في العالم، تصل نسبة مبيعاتها في الصين 23% من أجمالي المبيعات، عندما فكرة أن تفتح مصنع خارج أميركا فتحت في الصين.
وبما أن حجم السوق الصيني كمستهلك يكبر بشكل سريع وملحوظ، ذلك يضع ضغوط كبيرة على الشركات العالمية للحفاظ على علاقتها بالأدارة الصينية لأستمرار بقاء السوق الصيني مفتوح لمنتجاتها، ومع التطور الأقتصادي المتسارع للصين و قوة السوق الصيني عالميا وأستمرار الشركات العالمية بالتوجه الى الصين، ومن مبدأ (المكانة الأقتصادية تخلق مكانة أجتماعية) قد نرى الصين تصبح الدولة الأولى أقتصاديا في العالم قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
https://telegram.me/buratha
