عقيل جبر علي المحمداوي* ||
ترددت كثيراً في ابداء الرأي؛ الذي نفترضه موضوعياً ومنطقيا، الموشح بالحرص والانتماء الوطني، ووجود مساحة مرونة ادبية متاحة.
بإفتراض تقبل النقد البناء والموضوعي، والتماس سمو اخلاق الكاتب، لا اعتقد هناك امييون جدد، وآن وجدوا فأنه باعتقادنا؛ يعود لطبيعة ظروف الحياة القسرية، بل هناك بعض الاميين المتشددين في عقليتهم وطريقة تفكيرهم، المبني على ثقافة الماضي، وعدم تطويعه وتكييفه عملياً، لمتغيرات وتطورات الحاضر والمستقبل، حيث كانوا احد الاسباب الرئيسة؛ في احداث وخلق الفجوات المعرفية والذهنية، ابتداعاً لعدم قدرة بعض منهم؛ على مجاراة الجيل الجديد، المتسلح بالعلم والمعرفة، وعزيمة التحدي المواكب للتكنولوجيا والتقنيات الحديثة ،والطموح في تحدياته،وانعدام ثقافة الاعتزال والتنازلـ والاستقالة للاميين المتجددين، وتقديم مصلحة البلد في اتاحة الفرص والادوار للاجيال الجديدة، ضمن معادلة الإزاحة الجيليةـ والتنافس الحضاري المشروع.
بتعبير اميرتو ايكو؛"غزو البلهاء "تصعب على العقلاء مقاومته، إن نظام التفاهة mediocrity؛ هو المصطلح؛ الذي يشير إلى النظام التافه، الذي يتم نصبه كنموذج..إن التافه هو من ينجو وللتفاهة فرصة أفضل للنجاح",
الميديوكراسيا médiocratie؛ هو في ذات الوقت أفضل توصيف؛ من طرف الفيلسوف الكندي آلان دونو، للإستراتيجية الخبيثة التي اعتمدتها العولمة المتوحشة، بواسطة أساليبها الناعمة، بغية ابتذال الواقع الراهن، ولكنه أخطر الكتب المسجلة لمبيعات قياسية، وترجمات متعددة الألسن وتعليقات جانبية وانتقادات مبرمة.
الغريب أن ما يقوله هو في نفس الوقت، ترجمة للوقائع ونقل للمعطيات والأحكام، جاءت مطابقة للموجودات ،ولكنه يدعوك إلى عدم قبول هذه الوقائع، وتكذيبها ورفضها جملة وتفصيلا، والمرافعة على المنشود والدفاع عن ما تم انتهاكه؛ من قيم وعن ما وقع تدنيسه، من رموز ومقدسات، وإعادة الاعتبار لأشياء طمست معالمها.
تبدأ الحكاية بالانتقال من المشاركة في المؤامرة، إلى الانخراط في اللعبة، ويترتب عنها تدحرج المعرفة؛ إلى مجرد خبرة وفقدان العاقل لمعقوليته، والحكيم لحكمته، والإصابة بالملل من التأليف العلمي، واقتراف التخريب عن طريق الكتابة؛ وتشكل شريحة من المثقفين ليسوا ناضجين، أو مستقرين فكرياً واجتماعيا، هي التي تشرف على صناعة الرأي العام العلمي، والمحددة للذوق الفني والحكم المعرفي، وتتكون من "كتبة" ليسوا مستقرين في العمل، ومعلمين وعفواً يؤمنون بثقافة تفاهة الاميين .
في هذا المقطع هجوم عنيف على الجامعة، وترذيل للأكاديمية وتعويم للثقافة، واستبدال رجل العلم بالخبير، والاكتفاء بالتبسيط على ما فيه من مخاطر، والابتعاد عن التجريد والتعقيد، على ما فيه من منافع ومكاسب، وكذلك دعوة لترك اللغة الخشبية، واعتماد الكلام المباشر والإشارة الواضحة ،والخطاب التافه والمبتذل.
الحكي المباشر والإشارة الواضحة والخطاب التافه والمبتذل.
"إن اللعب باتباع القواعد لا يكون إلا للضعفاء فقط، أما لأولئك الذين يفكرون بشكل أوسع، فإن اللعبة تعني؛ مسحا للموقف بأكمله، من الأعلى، بهدف السيطرة عليه عبر التحديد الاعتباطي لقواعده" .
ومن وجهة نظر اخرى؛ تشير المترجمة الاختصاصية في القانون؛ مشاعل عبد العزيز الهاجري؛ في مقال آلان دونو ن،ظام التفاهة اميركا ترامب انموذجاً الى:
ان "نظام التفاهة" ليس سباً وقذفاً، لكنه توصيف أكاديمي للباحث آلان دونو ـ أستاذ الفلسفة في «جامعة كيبيك» الكندية ـ الذي قدمه عام 2015، ضمن كتابه La médiocratie ، الذي صدرت أخيراً ترجمته العربية؛ بعنوان «نظام التفاهة» (ترجمة الاختصاصية في القانون مشاعل عبد العزيز الهاجري ــــ دار سؤال ـ بيروت).
تشير المترجمة في مطلع كتابها إلى مُصطلحين، قد يُساعداننا في فهم حالة ترامب الشخصية، وطبيعة إدراته السياسية لأميركا.
تفرّق مشاعل بين كلمة Mediocrity؛ التي تصف حالة الفرد، من حيث التفاهة والسخافة المراهقة، وتواضع المستوى الفكري، وكلمة Mediocracy؛التي تعني نظاماً اجتماعياً؛ تسيطر عليه طبقة حاكمة من التافهين.، كمصطلح جديد نوعاً، ما انضمّ إلى القاموس عام 1825 ، ولا يوجد له مُرادف عربي أفضل من «التفاهة»؛ لوصف هذه الحقبة الأميركية الرديئة.
منذ لحظة وصول دونالد ترامب إلى سُدة الحكم، تم إعلان انتصار «نظام التفاهة»، إعلامياً على ما عداه من أوصاف أخرى، كـ «الشعبوية» التي كثر استخدامها، فالرداءة والانحطاط صارا معيارَي الإدارة الأميركية الجديدة.
من وجهة نظرنا التفاؤلية، مقابلة يمتلك العراق شباب متعلمين ومثقفين، خصوصا الدارسين خارج وداخل العراق، وهم ذخيرة وامل العراق، ويحتاج الى من يوظف قدراتهم وطاقاتهم بالشكل الصحيح، لا ان يزرع فكر الوهن والتفاهة بينهم وعفواً اتحفظ على مقالات "نظام التفاهة "، التي تبعث اليأس والذل وكسر الارادة العراقية، بينما هناك تجارب وقصص نجاح داخل وخارج العراق، ينبغي وطنياً ان نلتفت لها ونسلط الضوء عليها، والتأطير لها لابتعاث واحياء بواعث الامل؛ وديمومة الحياة من جديد.
دعوة مخلصة ومن معتنقي الجيل الجديد؛ لتجديد النموذج المتجدد، والحلول الفضلى ومواجهة تحديات الأسوأ، والعقد الاجتماعي والاستجابة المجتمعية، بقصص نجاح تفاؤلية نحو غدٍ مشرق ،لعراق متعافي يزهي بالطاقات والكفاءات العراقية العلمية، والمهنية الوطنية المتميزة، والذين لحد الان لم ينظم لهم العقد الاجتماعي، بشكله العقدي والاصولي.
لذا ينبغي إعلامياً وثقافياً واجتماعياً، مغادرة نظام التفاهة؛ واعادة انتاج الشراكة الاجتماعية والمجتمعية، وسمو الاخلاق الثقافية، ومبادئ الشفافية الاعلامية، والعقد الاجتماعي الدستوري، الذي يضمن الحقوق والمساواة، بين المنفعة الشخصية للمواطن، والمنفعة العامة للدولة .
ــــــ
*باحث مالي
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha