خيري عودة
لنتفق قبل كل شيء على حقيقة تلامس كل القوانين الوضعية، وهي أنها قوانين ليست كاملة، فالكمال التشريعي يصطدم بحقيقة ثابتة أن كل قانون يعتمد على التجربة الإنسانية والتصورات التي تفرزها لأجل تقنين سلوك أو علاقة أو وضع بعينه.
من هذا المنطلق فإن قانون الشركة الوطنية هو من القوانين التي يمكن أن تخضع بعض موادها للمناقشة، وتعدد وجهات النظر التي تحاول تفسير تلك المواد وبنودها. والموقف تجاه هذا القانون حاليا ينقسم بين ثلاثة هم: مؤيدون عن وعي في قراءة القانون، رافضون عن وعي في قراءة القانون، رافضون ومؤيدون لا يعرفون تفاصيل بنوده أصلا. وقبل التطرق لصلب الموضوع فلا بد من التأكيد أن هذا القانون ليس فيه منفعة حزبية أو شخصية لأحد بعينه، ولذا فدفاعنا عنه يأتي من حرص على المصلحة العراقية بالدرجة الأولى والأخيرة، وقد نكون مصيبين في ذلك وقد نكون مخطئين..
إن قانون شركة النفط الوطنية ليس جديدا، فهذا القانون يعود إلى ما قبل تسلم حزب البعث للسلطة، إذ أن قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم ١٢٣ لسنة ١٩٦٧ من القوانين التي تم تشريعها في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف، ثم أجريت تعديلات عليها خلال الحكم السابق.. ولكن لماذا يرفض المعترضون الآن هذا القانون الذي ينتظر نشره في الوقائع العراقية قريبا؟
تصدرت بعض المواقع مؤخرا، ومنها موقع (أخبار) الموقر دعوة للمشاركة في حملة جمع توقيعات ضد القانون تضمنت سردا للاعتراضات المتصورة ضده، والتي بنيت على جملة من النقاط التي سنشير إليها ونناقشها في أدناه:
الاعتراض الأول القانون يعطي للشركة صلاحيات فوق الدولة والحكومة فيما يخص الموارد المالية المستحصل عليها من بيع النفط الخام.
ينص البند أولا من المادة الثانية من قانون شركة النفط الوطنية على ما يلي:
تؤسس بموجب هذا القانون شركة عامة تسمى ( شركة النفط الوطنية العراقية)، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، ويمثلها رئيسها او من يخوله، وترتبط بمجلس الوزراء.
وهذا يعني أن الشركة تتمتع بالاستقلال من الناحيتين الإدارية والمالية، ولكنها ترتبط بمجلس الوزراء، هذا الارتباط ولكون مجلس الوزراء هو سلطة تنفيذية وليس تشريعية يوجب حكما أن يكون هو بمثابة المرجعية المشرفة والراعية للشركة، ولا يقدح ذلك بكونها مستقلة ماليا وإداريا، وهذه الصياغة تكررت في قوانين مجلس النواب لاسيما الهيئات المستقلة، ولم يقل أحد أن أيا من هذه الهيئات هي فوق الدولة العراقية، بل هي جزء من منظومتها الإدارية والتنفيذية العامة.
إن الكثير من العراقيين اليوم يرددون أن مصادر الدخل الوطني تتعرض للهدر والتبديد وهناك من يتهم الأحزاب السياسية بل الطبقة السياسية ككل بذلك، تأسيس هذه الشركة يعد جزءا من الحل الممكن اتخاذه لضمان ثروة الشعب فلماذا يقع بعض الأخوة في التناقض الذي لا يسعنا فهمه؟
الاعتراض الثاني إن القانون الجديد كرس بوضوح السمة الريعية المتحكمة التي يتميز بها الاقتصاد العراقي بدلاً من معالجتها، بتوجيه المزيد من موارد النفط المالية صوب التنمية الإنتاجية، ولاسيما صوب الصناعة والزراعة.
في الحقيقة أن العكس هو الصحيح، فبنظرة متأنية نرى أن تخصيص جزء من الثروة النفطية لملكية الفرد العراقي سيدفع الحكومة للتفكير في سد نفقاتها من خلال عدم الاعتماد على العائدات النفطية فقط، يمكن تبسيط الموضوع على النحو التالي، إن شخصا يملك موردا ماليا ثابتا يعتمد عليه في تغطية نفقاته المختلفة، ولكن ماذا لو تم استقطاع جزء من مورده ذاك لغرض خارج تغطية إنفاقه؟ حينها لا حل أمامه لسد العجز الحاصل سوى البحث عن مورد آخر للتغطية ولاستقرار معادلة الوارد- النفقات، الأمر المتوخى من القانون يكمن في جعل خيارات التنمية واستغلال موارد إضافية هو الخيار الوحيد أمام الحكومة العراقية. وبعكس ذلك ستبقى كل الخطط المالية والموازنات العامة معتمدة بدرجة أساس على عوائد النفط المتذبذبة. توجيه جزء من الإيرادات للتنمية الزراعية والصناعية له مردودات إيجابية حيث يتم من خلال هذا التوجيه لجزء من الموارد تجاوز الوضع الحالي الذي لا تنال فيه التنمية الزراعية والصناعية نصيبا معقولا في الموازنات العامة للدولة، وبهذا القانون يكون الاهتمام بالتنمية الزراعية و الصناعية أمرا واجبا وملزما قانونيا.
الاعتراض الثالث إن قانون الشركة الجديد يعتبر خطوة خطيرة وصارخة صوب خصخصة اقتصاد النفط الخام، والذي، يراد منه إنهاء حقيقة إن النفط هو ملك الشعب كله.
إن خصخصة النفط سياسة متبعة فعليا، والشركات العاملة الآن هي جزء من هذه السياسة، كما أن الحكومة لديها خطط ليست بالجديدة ولا الخفية فهي معلومة ومعروفة لتخصيص حتى محطات الوقود، ولا يختلف عاقلان على أن هذه الخصخصة ستسهم إسهاما كبيرا في تطوير هذا القطاع، ولا نفهم تاليا كيف أن إعادة ملكية الثروة للشعب بصورة فعلية عبر تملكي أسهم الشركة للعراقيين هي التفاف على ملكية الشعب لثروته وإنهاء ملكيته لها؟!
الاعتراض الرابع إن القانون الجديد يخلق مشاكل جديدة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والمحافظات في مسائل الإنتاج والتصدير وتسلم الموارد المالية وتوزيعها. إن الموقف السليم يتلخص في جعل الشركة وهذه العمليات كلها تحت إشراف الحكومة الاتحادية، مع منح الإقليم والمحافظات الحق في استخدام حصصها من الدخل القومي.
لقد كلفت العراق التوافقات السياسية الشيء الكثير، وجرت تحت شعار حل المشاكل وحقوق الإقليم صفقات مشبوهة أهدرت أموال البلاد، وفي النتيجة لم تحل تلك المشاكل ولم تسهم في حفظ حقوق الشعب الكردي على سبيل المثال، إن وضع مقدرات العراق النفطية وتنظيم هذا القطاع ضمن شركة عامة واحدة لهو خير علاج لضمان الوصول إلى توزيع عادل للثروة وليس العكس، ويمكن إيجاد تفاهمات حول بعض المشكلات والإشكاليات التي سوف يفرزها التطبيق للقانون، وهي على كل حال ستكون أهون وحلولها أقرب للواقع وللتطبيق لأنها تقع ضمن سقف قانوني محدد.
الاعتراض الخامس إن القانون الجديد لا يقضي على الفقر، بسبب منح كل فرد سهماً واحداً في الشركة، بل يكرس التمايز ويوسع فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء. إذ إن السياسة الاقتصادية والاجتماعية هي وحدها القادرة على مكافحة البطالة والفقر وممارسة العدالة الاجتماعية في توزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي
لا يتعارض تطبيق قانون شركة النفط الوطنية مع أية سياسات اقتصادية واجتماعية لتحسين أحوال الشرائح الفقيرة والمتوسطة على الإطلاق، إن امتلاك كل فرد لحصة من ثروة البلاد يقع ضمن سقف التأمين الضروري والمنصف لمعيشة كل فرد عراقي، وبالتالي فلا يمنع القانون خطّ سياسات تنموية اقتصادية واجتماعية تسهم في توفير العيش الكريم وتحجيم التفاوت الطبقي، ذلك أنه ليس بديلا صرفا لهذه السياسات.
هذه هي الاعتراضات التي تم تسجيلها من قبل بعض الأخوة على قانون شركة النفط الوطنية، وكما رأينا آنفا أنها مبنية على سوء فهم وقراءة وأحيانا تأويل لبعض المواد والبنود.
https://telegram.me/buratha