هناك قناعة إقتصادية قوامها أن انخفاض سعر صرف الدينار العراقي مع وجود فائض في ميزان المدفوعات يعكس حقيقة أن العملة الوطنية مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، لذا هناك حاجة ملحة للعمل على رفع قيمة الدينار في سوق الصرف من خلال التدخل المباشر والمستمر للبنك المركزي العراقي لخفض سعر بيع الدولار مقابل الدينار في مزاد العملة.
وقد شكل هذا المنحى نقطة الأساس في إتجاه تقوية القيمة التبادلية للدينار مقابل الدولار، عبر اتخاذ قرارات إدارية متتالية من جانب السلطة النقدية، هذه المقولة سليمة تماما من وجهة التحليل الأقتصادي.
ضمن هذا المنحى أكد الأكاديمي د. عوض فاضل وفقًا لـ(المركز الخبري للإعلام) أهمية هذه الطريق في إدارة سعر الصرف ليكون مرغوبًا بارتفاع معدل التضخم المحلي، كما أن رفع قيمة العملة الوطنية إزاء الدولار ابتداء من عام 2004 لغاية الربع الأول من عام 2010 جاء متوافقًا مع الهدف المراد تحقيقه وهو إيقاف الارتفاع في المستوى العام للأسعار، والسعي لخفض معدل التضخم عند مستويات مقبولة إقتصاديا، ولكن الذي حصل أن السلطة النقدية استمرت في نهجها برفع قيمة الدينار إزاء الدولار (أي خفض قيمة الدولار مقومًا بالدينار) بعد تراجع معدل التضخم والسيطرة عليه وتثبيت سعر الصرف الرسمي عند مستوى قد لا يعكس بالضرورة مستواه التوازني في السوق.
وعند الرجوع إلى المؤشرات الاقتصادية ندرك بسهولة بأن زيادة درجة التدخل في سوق الصرف والتمادي في التحرك إداريًا نحو تدني قيمة الدولار أو سعر بيعه رسميًا لم يكن متوافقًا مع أساسيات الاقتصاد الكلي.
وأوضح د. عوض عندما تكرس النسبة العظمى من الموارد في صالح الاستهلاك الجاري مع قدرة محدودة في الطاقة الأستيعابية الأستثمارية، وإنخفاض القدرة التنافسية للصناعات المنتجة للسلع المتاجر بها (عدا النفط)، وطغيان الأنشطة الخدمية وتسارع مستويات أسعارها وإرتفاع مستوى البطالة وتراجع الإنتاجية النسبية للقطاع الصناعي والزراعي وإرتفاع تكاليف الإنتاجية يؤدي كل ذلك إلى أثر كابح على تنمية الإقتصاد.
وتابع أن من المتعذر عمليًا أن تتمكن أداة نقدية واحدة تحقيق أكثر من هدف واحد ولم تتم الاستعانة بأدوات أخرى لتحقيق تعديلات ضرورية خاصة المالية منها والهيكلية بما تساعد في وضع الإقتصاد في مساره الصحيح فان الجرعات المتوالية في تعديل سعر الصرف إداريًا كانت في حد ذاتها غير متوافقة مع الإقتصاد ككل، إذ ترتب على هذا الوضع أن أمست القيمة السوقية الوطنية لذات العملة الوطنية تتقرر استجابة لقوى السوق التي بدورها تعكس الأوضاع الإقتصادية والسياسية غير المرغوبة في البلد.
ومن الطبيعي والحالة هذه أن يصبح سعر الصرف الأسمي للعملة المحلية مقومًا بأعلى من قيمته السوقية أي أعلى من قيمته التوازنية، مما يعكس إمكانية تحرك سعر صرف الدينار في السوق إلى مستوى أدنى من المستوى الذي استقر عليه بفعل التدخل الحكومي وفرض القرار الإداري.
وخلص إلى القول أن هذه الرؤية الإقتصادية تعزز من خلال الفارق الكبير بين سعر بيع الدولار المقرر في سوق مزاد البنك المركزي وسعره المتولد في السوق الحرة بفعل تفاعل قوى العرض والطلب، إذ لم يعد الفارق محصورًا بمرتبة عشرية بل تعداه ليصل إلى مرتبتين عشريتين، وبذلك لم يعد ضمن الحدود أو المديات المقبولة اقتصاديًا على المستوى الدولي والمحلي.
الأمر الآخر هو أن الطلب الخاص على العملة الوطنية بالسعر السوقي السائد أو الجاري هو أقل من العرض الخاص الكلي، وأن البنك المركزي يتدخل في سوق الصرف لشراء الفرق من أجل دعم قيمة العملة المحلية دوليًا.
وهذا يدل بوضوح على أن البنك المركزي العراقي يتدخل لخلق طلب مقصود أو مفتعل على العملة الوطنية مقابل عرض المزيد من العملة الأجنبية , بحيث أن الكمية المشتراة من العملة المحلية تفوق التي كانت يمكن شراؤها في الظروف الاعتيادية لإدامة سعر صرف مرتفع ومستقر.
https://telegram.me/buratha