( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
أيام قلائل تفصلنا في هذا الشهر الفضيل عن ذكرى حادثة اجرامية استهدفت ركناً اساسياً من اركان الهدى، شخصية عاشت حياتها الدينية والعملية مع شخص الرسول الاكرم(ص)وهو يحمل رسالة الاسلام العزيز مبلغاً الناس الى عبادة الله تبارك وتعالى انها شخصية مولى الموحدين امير المؤمنين الإمام علي(ع) الذي نشأ ونمى في حجر الرسول الاكرم(ص)يغذيه ويربيه ونيهله مناهل الهدى والحق والعدل فينمو وجوده المبارك قرآناً ناطقاً وإيماناً ويقيناً كاملاً.
ولعلنا في هذه العجالة قد لا نستطيع ان نسلط الضوء على كل الجوانب لهذه الشخصية الفذة التي قل نظيرها في المجتمع الاسلامي لكن يمكننا ان نتعرف على ما بناه هذا الرجل العظيم فقد قام الامام علي(ع) بتربية فئة واعية من الاصحاب ومنحها مؤهلات الزخم التربوي والاخلاقي والعملي والجهادي لتواصل تطورات الاحداث السياسية ولايجاد قاعدة جماهيرية تستطيع ان تنطلق في الاصلاح ضمن خط الاسلام المحمدي الاصيل ولتبني تحت نظره وإشرافه مجتمعاً اسلامياً قائماً على اساس المحبة والحوار وإبداء الرأي في منظومة من مفاهيم العدالة والزهد والتقوى والتعامل مع الامة اجتماعياً وسياسياً وأخلاقياً وثقافياً لخلق ساحة واسعة تعتمد عصارة الثقافة التوحيدية القائمة على حاكمية العدل والزهد والمساواة لاعادة الحياة الى جسد الكيان الاسلامي الذي ارسى قواعده الرسول الاكرم محمد(ص)
الإمام علي (ع)لم يكن يرغب ان يقال له حاكم تدين لحاكميته الشعوب والامم التي دخلت الاسلام وإنما كان يريد ان يثبّت اركان الاسلام ويدافع عن بيضته وحمايته من الانحراف تحت وطأة هوى النفس التي اسرت العديد من النفوس التي دخلت الاسلام لتحقيق مصالح ذاتية شخصية لاعلاقة لها بمصالح الامة وتقويمها وتسديدها والانطلاق بها الى رحب وآفاق التكامل، هذا الزهد الواضح الذي تميز به الإمام علي(ع)يجعل القارئ المتتبع لآثار هذا الرجل العظيم يجد علياً (ع) بعد أن صودر إرثه في سقيفة بني ساعدة وأبعد عن الخلافة التي هي حقه الشرعي بنص رسول الله(ص) في غدير خم(من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وأنصر من نصره وأخذل من خذله)وهو القائل(ع)(إن محلي منها-أي الخلافة-محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى الي الطير) كان زاهداً فيها ولم يطلبها بل هي التي طلبته بعد مقتل الخليفة الثالث، ولعلها أول تجربة ديمقراطية حدثت في التأريخ اذ اختار المسلمون وبايعوا علياً(ع) وهو جالس في المسجد في اختيار حر دون اكراه او شراء ذمم
هذه التجربة الفريدة في التأريخ الانساني مع ما إعتورها من ظلم وإحن ودخائل إلا انها تبقى من اعظم التجارب المنهجية التي يسلكها القائد الفذ الذي نذر نفسه في سبيل اعلاء كلمة الله اكبر في الارض وتبقى شعلة تضيء درب السالكين الى الساحة القدسية كما تبقى منهجاً مضيئاً واضحاً لكل المؤمنين الذين يسعون لنشر منظومة القيم والمبادئ الاسلامية والانسانية من خلال الصبر على الاذى والتحمل الشاق للمصاعب والمكاره مهما عظمت وهو القائل(ع) (فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً فصبرت وفي العين قذىً وفي الحلق شجاً) فهذا الصبر وهذا التحمل وهو يرى حقه قد أغتصب وتراثه نهب من قبل أناس ليسوا له بنظائر لا في سابقته ولا في علمه ولا في المنصوص عليه من الله سبحانه وتعالى فلا يمكن لاي انسان في هذا الزمن ان يتحمل ما تحمله علي(ع) لا لضعف وإنما للحفاظ على الدين والقيم والمبادئ التي جاءت بها الرسالة المحمدية الاصيلة ولترسيخ وتجذير المفاهيم التي ساعدت على نشر الاسلام في شبه الجزيرة العربية وفي العالم
حري بنا نحن المسلمون ان نتأسى بهذه الشخصية الفذة في تعاملنا اليومي سياسياً وثقافياً وإجتماعياً فطريقنا هو الايثار والمحبة والتسامح والاخوة في الله سبحانه وتعالى وأن يبقى ملاك تحركنا وحركتنا هي التقوى لكي لا تزال بنا قدم-لاسمح الله-فنأخذ العبر والدروس من هذه المدرسة العلوية الشريفة المباركة ونصلح ما في انفسنا لنكسب الدنيا ونربح الآخرة إن شاء الله.
https://telegram.me/buratha
