( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
في جلسة خاصة ضمت العديد من الكفاءآت العلمية والصحفية دار الحديث حول مستقبل الثقافة في العراق بعد اتساع دائرة الحريات العامة وانتشار المطبوع العراقي من صحف ومجلات ودوريات متعددة بلغت اكثر من(600)مطبوع يومي وأسبوعي وشهري وفصلي وقد شكل هذا الانفتاح الواسع مناسبة لطرح التصورات والمواقف السياسية والعلمية والثقافية دون رقيب رغم ما تحمله من غث وسمين ومع ذلك فإنها شكلت حالة صحية لتلاقح الافكار والتصورات المختلفة والمتخالفة طبقاً للانتماءآت الحزبية والمذاهبية والقومية وغيرها من المجالات الاخرى التي تعنى بالعمل السياسي والثقافي والعلمي والاعلامي.
الكل أجمع رغم التباين في الانتماءآت السياسية ان المصلحة الوطنية العليا تتطلب من الجميع الاستعداد الكامل للنهوض بالتركة الثقيلة التي تسبب بها النظام البائد والذي حرم شرائح واسعة من الشباب العراقي من اخذ حصتهم من العلم والثقافة بسبب العسكرة التي عممها النظام على كل شرائح المجتمع العراقي وأغلق جميع منافذ العلم والمعرفة مكتفياً بما ينتجه(أنصاف المثقفين)والمتزلفون من ثقافة هابطة ادت الى تراجع العلمية والثقافية بشكل خطير جداً بحيث اصبح هذا الامر يشكل واقعاً مؤلماً للكفاءآت العلمية والثقافية التي أنزوت وهمشت وأبعدت قسراً عن مواقعها المفترض ان تحتلها كما هو الحاصل في عالمنا اليوم خاصة بعد ثورة الاتصالات العارمة والانفتاح على العالم المتمدن والمتحضر الذي سبقنا بمئات السنين في الاستفادة من العلم التكنلوجي والبحوث العلمية في شتى نواحي المعرفة فارتقت هذه المجتمعات الى اعلى درجات سلم المعرفة وتأخرنا نحن العراقيون كثيراً عن مواكبة هذا التطور الهائل وهذا الانفجار الواسع في المعلومات .
الحديث تناول ايضاً مشكلة اخرى لا تقل ضرراً عن تبعات سياسة النظام البائد في تجهيل المجتمع وتسطيح الوعي العام للقضاء على أية نهضة قد تسبب له مشاكل تهدد كيانه وسلطته(الجاهلة)الا وهي هجرة العقول والكفاءآت العلمية والثقافية الى خارج الوطن هرباً من بطش الجماعات الارهابية التي تحاول افراغ الوطن من علمائه ومثقفيه وكفاءآته بكل قطاعاتهم واختصاصاتهم، هذه المعظلة هي الاخرى ادت الى التراجع العلمي والثقافي والعودة الى العصور المظلمة وإذا ما اشعلت شمعة في هذا المجال انطفأت شمعات اخرى وهكذا تستمر حالة التردي ولم تقف عند حد معين مما أثر ذلك سلباً على النهضة العلمية بعد التحرر من كابوس الظلم والاستبداد والتجهيل المتعمد.
في معرض مناقشة السبل الكفيلة للنهوض في معالجة هذا الواقع المتردي لا بد للحكومة العراقية أن تبدأ خطواتها السريعة في تحويل العلم النظري الى علم عملي وذلك بتوفير المختبرات العلمية وشبكات الحاسوب وعقد المؤتمرات والندوات وايجاد المراكز لها وتشجيع العلماء في نشر الوعي والمعرفة عن طريق زج العلماء بعد توفير الحماية اللازمة لهم في هذا المعترك ودعمهم لتشكيل المنتديات العلمية والثقافية دون الاعتماد فقط على الوزارات المعنية التي غالباً ما تكون محكومة بالروتين.
الحاجة الملحة اليوم للنهوض بهذا العبء الثقيل هو تسهيل احتكاك الكادر العلمي والمثقف بما تنتجه المؤسسات في الخارج والاستفادة من الخبرات من خلال الاطلاع على آليات البحث العلمي للدول المتقدمة اعتماداً على العقل العراقي المتفتح اذا ما توفرت له فرصة الاحتكاك بالعالم الخارجي لا كتساب الخبرات القادرة على تغيير هذا الوضع المأساوي الذي يمر به العراقيون وهم ينظرون الى التقدم العلمي للشعوب الاخرى.
https://telegram.me/buratha
