( بقلم : علي حسين علي )
يجمع السياسيون والمراقبون والمواطنون العراقيون على ان وثيقة عهد لتطبيع الاوضاع والقضاء على الاحتقان الطائفي التي وقعها قادة الكتل السياسية الفاعلة والمنضوية تحت قبة البرلمان قد جاء في وقتها لتحد من الاحتقان الطائفي وتحول دون تردي الوضع الامني الى ما هو اكثر سوءاً مما عليه الان، ولتمنع استمرار نزف الدم العراقي الطهور، وبالتالي لترصن الوحدة الوطنية وتقوي دعاماتها الاساسية لاعادة بناء هذا الوطن العزيز الذي عاش اكثر من اربعين سنة تحت حكم الاستبداد والقهر والجور.. ولتضع -وثيقة العهد- اساساً متيناً لمواجهة اعتى خطر يتعرض له العراق الا وهو الخطر الارهابي التكفيري والبعثي الصدامي.
وثيقة العهد التي وقعها قادة الكتل السياسية الفاعلة تتضمن اربع نقاط:اولها: تشكيل لجان فرعية ميدانية مشتركة في مناطق بغداد المختلفة تتالف من ممثلي الكتل السياسية وعلماء الدين وشيوخ العشائر والوجهاء وممثلي القوات المسلحة لغرض التصدي لاعمال العنف (الارهاب) والعمل على تطويقها.وثانيها: تشكيل لجنة متابعة مركزية باسم(اللجنة المركزية للسلام والامن) مهنتها متابعة الموضوع الامني العام في بغداد مع اللجان المحلية والتنسيق مع القيادة العامة للقوات المسلحة.وثالثها تشكيل لجنة اعلامية مشتركة لمراقبة الاعلام .رابعها: مراجعة الخطة في اجتماع يعقد شهرياً من اجل تقييم الاداء واجراء التعديلات اللازمة على الخطة كلما نشأت حاجة الى ذلك.
ومن قراءة معمقة لبنود الخطة الاربعة نستطيع ان نجزم بانها عملية وموضوعية ولعل ما ورد في النقطة الاخيرة منها يشير الى الحراكية، وعدم الجمود والبعد عن الالتزام بالنصوص في حال ظهر من المراجعة الشهرية أي خلل او عثرات.. والى ذلك فان النقطة الاولى التي تدعو الى تشكيل لجان فرعية وميدانية في ممثلي جميع القوى الفاعلة في كل منطقة من مناطق بغداد، يؤكد بان اللجان الشعبية التي طرحت فكرتها قبل عدة شهور ستكون جزءاً من الحل للمشكلة الأمنية التي تعيشها بلادنا.. ومجمل ما يمكن قوله ان بنود وثيقة العهد الاربعة قد عالجت عبر آلياتها الكثير مما عجزت عنه اجهزة الدولة من اعلى مراتبها حتى الادنى منها.لكن ما يقتضي الاشارة اليه ان وثيقة العهد هذه رهينة بارادة الموقعين عليها ومرتبطة الى حد ما بنياتهم ايضاً ورغبتهم كذلك في فرض الامن والاستقرار وايقاف نهر الدم المتدفق منذ ان بدأت الجماعات الارهابية نشاطاتها الاجرامية في العراق.. وما يقتضي الاشارة اليه كذلك هو ان يكون هناك وحدة في الخطاب السياسي والاعلامي للكتل الموقعة على وثيقة العهد، ولربما ستعزز وتحقق اهدافها لو التزمت الاطراف الموقعة عليها بوحدة الخطاب السياسي والاعلامي الحكومي منه على وجه الخصوص.
ومع اننا مستبشرون خيراً بالوثيقة وما سينجزه تحت نصها ومضمونها الا اننا نعتقد بأن هذه الخطة ينبغي ان تؤسس على ثوابت اتفقت عليها الاطراف السياسية التي تقود البلاد اليوم، وهي نفسها في معظمها كانت تقود المعارضة ضد الحكم الدكتاتوري الاستبدادي الساقط منذ اربعين عاماً، الثوابت كانت في الماضي هي الديمقراطية والتعددية والحرية ومن ثم الفيدرالية.. اما اليوم وبعد سقوط النظام الاستبدادي، أضيفت ثوابت جديدة لعلها هي نفسها التي عملت القوى العراقية المعارضة على تضمينها كل بيانات مؤتمراتهم، وتزيد عليها بما استجد بعد سقوط النظام الفاشستي.
الفيدرالية التي كانت هدفاً نجدها اليوم على ارض الواقع في كردستان وعند ما يقر مشروع قانون تشكيل الاقاليم والمحافظات وعلاقتها بالمركز تكون الصيغة المنتظرة واحدة ما بين الثوابت.. فضلاً عن الثوابت التي ذكرناها فهناك الدستور الدائم، والذي صوت عليه الشعب العراقي بالايجاب باغلبيته التي زادت على السبعين بالمئة، فالدستور الدائم هذا لا يجوز المساس بجوهره ابداً.. وهناك امر يعد من الثوابت هو المشاركة في قيادة الدولة وصنع القرار، واخيراً هناك الاستحقاق، وهو واحد من الثوابت التي افرزتها عمليات الانتخابات الحرة والنزيهة.
كل هذه الثوابت مجمعة لا يجوز ان تزحف عليها آليات (وثيقة العهد) او تقصمها بعضاً او كلاً، فالفيدرالية والشراكة والتعددية وحتى تشكيل الاقاليم والاستحقاق الانتخابي انما هي خطوطاً حمراء لا يحق لأي كان وتحت أي ذريعة ان ينتقص منها او يؤجل استحقاقها زماناً ومكاناً تحت أي ذريعة.وكما قلنا فان وثيقة العهد ومن قبلها مشروع المصالحة الوطنية يعدان انجازين لوقف حالة الاحتقان الطائفي ونزيف الدم العراقي الطهور ولكنهما – المصالحة ووثيقة العهد – اقل اهمية اذا ما جنحت الياتيهما للقفز فوق الثوابت الاساسية الوطنية التي اشرنا اليها.
ولعل ما يطمئن العراقيين على استمرار الالتزام بثوابتهم هو ان بلدنا تمتلك عقليات قانونية واجتماعية وفقهية وتشريعية وهذه العقليات يمكنها في حال تم الرجوع اليها، وذلك امر في غاية الاهمية، ان تصوغ وتبتكر آليات متقدمة ضمن اختصاصاتها يمكن بواسطتها ان تبقى على ثوابتها وبنفس الوقت تستطيع بما تولد من عقول علمائنا وحسب اختصاصاتهم بما يؤمن نجاح وثيقة العهد ومن قبلها المصالحة الوطنية.واخيراً نعتقد بان من يتصدى لوقف نزف الدم والاحتقان الطائفي عليه ان لا يضحي بالثوابت ولا يفرط بها، لأنها الاساس وكل ما جاء بعدها اقل منها أهمية بالتأكيد.
https://telegram.me/buratha
