( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
إن من أشد الامراض التي فتكت بجسد بعض العراقيين المهزومين نفسياً هو شعورهم بالدونية جراء السياسات التي مورست ضدهم من قبل الانظمة الدكتاتورية التي حكمت العراق طيلة أكثر من ثمانية عقود وسحقت آمالهم وأمانيهم في العيش الكريم كما سلبتهم هويتهم الوطنية والانسانية فأذعنوا استكانوا للحاكم المستبد الذي حولهم الى عبيد بل مواطنين من الدرجة الثالثة او العاشرة. هذا الشعور بالنقص والدونية والركون اليها هو من اخطر الامراض التي ادت الى التخلف والانحطاط والخوف من القادم(المستقبل) فوقعوا في اسر هذا المرض القاتل ولم يتمكنوا من تحرير أنفسهم منه متغافلين عن قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
هؤلاء الضعفاء لم يمسكوا قلماً في يوم ما كما فعل غيرهم من المجاهدين والمناضلين طيلة الحكم الاستبدادي الاسود –ولا اقول أن يمسكوا بندقية فهم أضعف من ذلك-وأصبحوا من اصحاب التل تفرجوا على ابناء جلدتهم كيف يساقون الى الموت والتشريد والسجن وكم الافواه وتحطيم الانسانية في داخلهم فلم يحركوا ساكناً ورضوا بالذل والقهر والاقصاء طالما حصلوا على لقمة غير سائغة تسد رمقهم ورمق عوائلهم فماتت عندهم القيم والمبادئ الانسانية.
اليوم وبعد سقوط حكومة الاستبداد والظلم وانبثاق فسحة من حرية الرأي والفكر وحرية العمل السياسي ساقهم ذات المرض الخطير للوقوف بوجه التغيير وبوجه الانعتاق من العبودية المدمرة وتحرير الذات الخائفة الراكنة للظالم تحت وطأة الخوف من المجهول!!
فراحوا يداهنون ويصانعون بقايا جلاديهم من خلال سباحتهم عكس التيار الجماهيري العراقي الهادر مستغلين فسحة الحرية لينفثوا سمومهم لتعطيل ما يمكن تعطيله من الانجازات الكبيرة التي حققها العراقيون الشرفاء بثوراتهم البنفسجية الثلاث والتي حولت المستلب فكراً وتأريخاً وعقيدة وانسانية الى قائد فذ يحرس بكل ما يملك من القيم والمبادئ هذه الانجازات ويصر عليها ويدافع عنها مع جسامة الخسائر في الارواح والاموال.هذا البعض الوجل يريد ان يعمم شعوره ذاك على من حطموا قيود العبودية انطلقوا بمواكب النور نحو الغد المشرق الذي سيبني العراق الجديد، العراق الموحد أرضاً وشعباً، الموحد ثقافة وإرثاً وتأريخاً ومعتقداً في ظل نظام دستوري تعددي ديمقراطي اتحادي فيدرالي يحافظ على مكتسباته وأهدافه المقدسة التي حققها بأغلى الانفس والدماء. إن عقدة الخوف هذه قد أبقت هذا البعض أسير دونيته فراح يتحدث بسوداوية عن مستقبل العراق والعراقيين وعن خياراتهم في إقامة أقاليمهم التي سوف تعيد لهم حقوقهم المغتصبة في ثرواتهم الوطنية ومشاركتهم في صنع القرارات السياسية وإدارة الدولة على أساس من العدل والانصاف والمساواة بين العراقيين وتكافؤ الفرص، فليس لاحد بعد اليوم ان يستأثر بالثروة الوطنية وبالسلطة معاً وتسخيرها لمصلحة فئوية أو عنصرية او طائفية، فالذي يريد من قادة العراق الجديد أن يتريثوا في تطبيق بنود المواد الدستورية عليه هو أن يتريث في اطلاق الاتهامات الباطلة ريثما ترسو سفينة الخلاص على شاطئ السلام وعند تراجعها عن مسارها أو تحولها عن اهدافها ومبادئها له كل الحق في ان يقول، ما يريد وأن يتهم من يشاء.
إن الذين يقودون المسيرة والعملية السياسية بعد سقوط صنم بغداد هم من اكثر العراقيين ثقة بأنفسهم وبشعبهم وبجماهيرهم وإن الطريق الذي اختاروه هو من اوضح الطرق وأسلكها نحو التغيير الجذري المنشود فضلاً عن كونهم من الذين قارعوا الدكتاتورية وقاتلوها ولم يركنوا للظلمة والمستبدين، فمن ينكر على هؤلاء حقهم في ممارسة العمل السياسي والارتقاء به الى اعلى درجات التكامل والتلاحم المصيري ما هو إلا ساذج يدفعه شعوره بالدونية الى هذه الاراجيف الخاوية والخالية من اية وطنية او عقائدية او مبدئية ولو لا اننا نعيش هذه الايام شهراً مباركاً هو شهر الله سبحانه وتعالى لسمينا هؤلاء بأسمائهم ولوضعنا النقاط على الحروف ولعرينا هذا النفر الذي لا زالت قيود العبودية تصدأ في معصميه ولله في خلقه شؤون.
https://telegram.me/buratha
