المقالات

الواقع البيئي في العراق مشكلة من العيار الثقيل

1042 11:55:00 2010-01-13

علي غالب بابان - وزير التخطيط العراقي

• لدينا إنسان عراقي سقيم لأنه يعيش في بيئة سقيمة.. واقتصاد ينحسر ويذوي لأن عوامل ثرائه البيئي من ماء وتربة تنحسر ويذوي...

• من كان يصدق قبل ثلاثين أو أربعين سنة أن مدينة الأنهار.. والترع.. البصرة سوف تشرب ماءً مالحاً... وأن جنات النخيل فيها ستموت في صمت دون أن ينتحب عليها أحد...

عندما تزدحم المصاعب والتحديات وتتفاقم المشاكل والهموم لا يبق لبعضها متسع من الاهتمام أو حيز من التركيز يتناسب مع حجمها وخطورتها وهذا هو حالنا في العراق اليوم حيث تختلط المعضلات الاجتماعية بالمعاشية ويحار المخطط أو متخذ القرار مع أيها يتعامل وأيها يؤجل...الأمم حالها كحال الإفراد عندما تواجه مشكلة عويصة أو تحدٍ يفوق قدراتها فأنها تلجأ في حالة العجز إلى إلقاءه في منطقة (اللاوعي) وتتعمد نسيانه أو تجاهله, يحدث هذا عندما يتعرض الإنسان إلى مرض عضال كما يقع مع المجتمعات التي تجد نفسها غير قادرة على التعاطي الجدي مع مشاكلها...هذا التوصيف الذي سقناه ينطبق تمام الانطباق على الواقع البيئي في العراق والذي بات واقعاً معتلاً بكل ماتعنيه الكلمة فنحن عندما نتحدث عن مشكلات بيئية في بلادنا لا نقصد بها تلك المشكلات التي تعنى بها الدول المتقدمة ولكن نعني تحديات خطيرة باتت تهدد حياة الإنسان ومعيشته في هذا الوطن بالفعل... فصحة المواطن العراقي ومصادر رزقه وإنتاجه كلها اليوم في دائرة الخطر المباشر بفعل عوامل بيئية صرفة... فلدينا مواطن يعطش.. وقرى تذبل.. وحياة تندثر.. ونخيل يذوي.. ومدن مهددة بالزوال.. وكل هذا بسبب الجفاف والتلوث وبفعل الإهمال والتقصير.. لدينا إنسان عراقي سقيم لأنه يعيش في بيئة سقيمة.. واقتصاد ينحسر ويذوي لأن عوامل ثرائه البيئي من ماء وتربة تنحسر ويذوي... عندنا صحاري تزحف وتفترس مساحات الخضرة إمامها.. وتربة تفقد خصوبتها وعذريتها.. وأنهار يشحب لونها ويشتد هزالها وتنحسر على الضفاف.. لم تعد القضية البيئية في بلادنا مرتبطة بانقراض أصناف من الطيور.. أو تراجع أصناف من الزراعات بل غدت اكبر من ذلك بكثير فقد صارت باقتصاد حياة الإنسان العراقي ورخائه في خطر حقيقي ليس متوهماً ولا مضخماً بسبب تلك المشكلات البيئية المتفاقمة والتي قرر متخذو القرار في العراق إلقائها في (منطقة اللاوعي) بسبب العجز عن مواجهتها فيما هي تكبر.. وتتضخم.. وتتعفن كل يوم..بلاد الرافدين.. أو ارض السواد.. مهددة بأن تصبح أرضاً يرحل عنها مواطنوها بسبب المشاكل البيئية المتفاقمة... من كان يصدق قبل ثلاثين أو أربعين سنة أن مدينة الأنهار.. والترع.. البصرة سوف تشرب ماءً مالحاً... وأن جنات النخيل فيها ستموت في صمت دون أن ينتحب عليها أحد... من كان يتوقع أن يصبح الفرات في بعض مدن الجنوب ساقية شاحبة اللون.. أو أن مدناً عراقية بأكملها صارت تقبع فوق بحار من المياه الجوفية التي يرتفع منسوبها كل يوم... ولماذا غابت الصباحات الجميلة عن بغداد وغيرها من المدن ليكسو الغبار هامتها كل يوم في الصيف والربيع... من كان يظن أن تربة العراق المعطاء صارت تضن على زارعيها بعد أن فتكت بها الأدغال وكستها الأملاح.لم يعد الشأن البيئي عندنا اتساعا في ثقب الأوزون.. أو انقراضا لطير الحباري... ولكنه صار أخطر من هذا بمرات وصار يعني باختصار.. مستقبل الاقتصاد والصحة في هذا الوطن.. فلا يمكن أن نتوقع ازدهارا اقتصاديا في ظل بيئة فقدت عناصر ثرائها.. ومع مواطن معتل تضربه الأمراض والبيئة التي تترعرع في بيئة غابت عنها النظافة والعذرية..البيئة ومسائلها صارت اليوم جزءاً ملتحماً في علم الاقتصاد منذ أن ظهر مصطلح التنمية المستدامة، تلك التنمية التي لديها القدرة على الاستمرار والعطاء دون ضغط أو استنزاف لمصادر الثورة الطبيعية، واليوم لا يمكن لأحد أن يتحدث في الاقتصاد دون أن يستخدم تعريف الناتج الإجمالي الأخضر الذي يعتمد على دمج المفاهيم الاقتصادية والبيئية معا ًالشأن البيئي ذا بعدين.. أولهما بعد عالمي يتعلق بالمشاكل التي تهدد الكوكب برمته من احتباس حراري وارتفاع مياه المحيطات وغيرها ونحن بالطبع جزء من هذا العالم ولابد أن نشعر بنفس القلق الذي تشعر به الدول المتقدمة وباقي دول العالم تجاه تلك الظواهر والمهددات.. وثانيها البعد المحلي أو الوطني وهنا لدينا قائمة طويلة قد لا نجد لها نظيراً في كثير من الدول... فلدينا انحسار المياه وشحتها.. ثم تلوثها.. وتلوث التربة وفقدان خصوبتها.. والتصحر الزاحف... وتلوث المياه الجوفية وإرتفاع منسوبها.. وإنقراض كثير من اصناف الحيوانات.. والزراعات.. الخ... هذه المعضلات لم يعد لدينا خيار في مواجهتها بما تستحق لأن ثمن معالجتها اليوم وبالقطع ارخص ثمناً.. واقل كلفة من الناحية الإجتماعية والصحية من مواجهتها في الغد... وأي تأخير في التصدي الجدي لهذه الظواهر يعني المجازفة بحياة الإنسان... ومستقل الإقتصاد في آن واحد..العالم اليوم وضع الملف البيئي على رأس قائمة إهتماماته ولم يعد هناك بلد واحد في العالم يمكن له أن ينفصل عن هذا الإلتزام.. ونحن في العراق لدينا أسباب أضافية لنفعل ذلك لانه لدينا مشاكلنا البيئية الخطيرة التي تدفعنا لبذل إهتمام مضاعف..العالم اليوم يضع يده على قلبه خوفاً على الكوكب وما يتعرض له من اخطار بيئية.. ونحن جديرون بما هو أكثر من ذلك وأن نذرف دموعاً سخية على ما فرطنا في جنب هذا الوطن.. ارضاً وماءً وهواءً.. وبالتأكيد فأن اجيال العراقيين القادمة التي سوف يقدر لها أن تعيش على هذه الأرض لن تغفر لمن تسبب بهذا الإهمال.. وذلك التفريط...

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
عبدالرزاق النصراوي
2010-01-14
ليس جديدا على معالي السيد وزير التخطيط ان يطرح ويهتم بهذا الموضوع الخطير (الواقع البيئي في العراق) فهو من المسؤولين القلائل الذين يمتلكون الرؤى العلمية الثاقبة التي يجب اتباعها لتطوير البلد في مختلف القطاعات واتمنى على وزارة البيئة ان تلتفت الى هذا الامر وتستفيد مما ورد في هذا المقال القيم وتقوم بعقد مؤتمر علمي خاص بهذا الشأن بالتعاون مع الجامعات العراقية وان يعاد نشر هذا المقال في المجلات العلمية كما يمكن للفضائيات العراقية ان تعقد ندوات متتابعة مع المتخصصين في هذا الشأن .
البئية
2010-01-13
الدول المتقدمة تقاس على احترامها الى البيئة وتشاهد وانت تمشي القطع على جانب الطرق نحن نحترم الارض والماء والهواء! او نحن نهتم بالنبات والحيوان! او نحن محمية انتبة !
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك