المقالات

آثارنا هويتنا التي تقاسمها العارفون والجاهلون


( بقلم : نزار عبد الواحد الراضي )

أتذكر زيارتي الأولى للمتحف العراقي وأنا في المرحلة الأولى من دراسة البكالوريوس أواخر الثمانيات من القرن الماضي و استشعر لهذه اللحظة السكون الذي لف جميع زملائي الطلاب والطالبات ونحن نقف أمام شموخ ما تركه لنا أجدادنا من آثار وشواخص تبعث الفخر والاعتزاز حتى أننا توزعنا بين الطاولات والصناديق الزجاجية مشدودين بقوة جعلتنا لا نمل النظر والتحديق والتدقيق والتمحيص ولعلنا كنا نحاول ان نحصل على قوة تعصف أرواحنا وتدفعها نحو الأمام فلم يكن لدينا أمل في الحياة لان اتونا كبيرا كان مستعرا حولنا آنذاك.وبعد سنوات سأصفها بالطويلة والحق أقول إنها اكبر من هذا الوصف، يأخذني الشغف مرة أخرى إلى متحفنا الأثير وأنا محتاج ان أتزود شيئا من الجلد والصبر فلم أجد سواه ملاذا وهكذا قطعت المئات من الأميال صعودا من الجنوب المرهق إلى الشمال باتجاه العاصمة بغداد التي اعتبرها الأم والصدر الرؤوم لكل العراقيين ففي حناياها تشربنا بالعلم والمعرفة وساعات اللهو وفيها عوفينا من علل كثيرة ولهذا فلبغداد دين وأمانة كبرى في أعناق العراقيين جميعا .

بعد عناء سفر مرهق في يوم تموزي قائض تعبر خطاي بعد عشر من السنين بوابة المتحف العراقي وتشاء الصدفة ان أقابل واحد من زملائي وقد شغل وظيفة في قسم التنقيبات في هيئة الآثار العراقية وكم كان متحمسا لعمله وفرحا به رغم ان مردوده المالي ومرتبة لا يفي ما يلاقيه من عناء خاصة عندما يكون عملة في احد المواقع الأثرية المنتشرة في جميع جهات العراق وكانت لها حرمة ومهابة لايستطيع أي شخص ان يتجاسر عليها عبثا أو سرقة أو حتى فضولا ؟؟.

ومع إني غبطته على حماسته التي أراني وقتها لم أكن أتحلى بها جراء صعوبة المعيشة بكرامة وسط بؤس الملايين من أبناء الوطن فراح يعرفني على زملائه ويشرح لي على خريطة خاصة بالمواقع الأثرية أهم الأماكن التي عمل فيها وما تم الوصول إليه من معلومات تجعل منا حاملين لقصب السبق والريادة بين أمم الأرض وبعد ان سرنا باتجاه صالات العرض الكبرى المرتبة الأنيقة في المتحف حدثته عن هاجسي الذي حملني مشاق السفر وأوصلني إلى هنا ، لم يفاجأ زميلي وأشار إلى ان ما جعله يقبل العمل بالمرتب القليل الذي لا يفي بمتطلبات عائلته هو نفس الهاجس الذي قادني من البعيد .

هذه القيمة التي حفرتها فينا آثارنا العريقة جعلتنا لليوم أشداء، أجدها اليوم سلعة بيد العارفين والجهلاء ، تتخطفها العيون بلا رحمة فالجاهل همة ان يجني ربحا ماديا هو ابخس ثمنا من الماء في حارة السقاءين والعارف همة ان يتجنح جناحي ثور آشور نحو الثراء الفاحش السريع ولعل قسوة الأخير أكثر وشراهته اكبر على بقايا الأجداد ؟

وانتم أيها الأحفاد من سومريين وآشوريين وبابليين، يا أيها العراقيين تعرفون ان آثارنا هي الهوية التي نباهي بها الشقر والصفر والسمر من أبناء المعمورة فلتكن لكم غيرة وحرص على هويتكم واحموها من أيدي العابثين ولا أريد ان أعيد على مسامعكم قصة المتحف العراقي ومتاحف هيئة الآثار في المحافظات التي نهبت وأصبحت مخازن للغبار والعطش .

وأعيد صوتي إليكم احموا ما بقى وتسابقوا لحفظ الباقي من السراق واللصوص العابثين فالكثير من المواقع الأثرية ليس لها حام أو حسيب ، ولا يتصور البعض ان دعوتنا هذه من باب البعد عن الواقع صحيح أننا نعيش في ظل القتل والتشريد والدمار اليومي إلا ان هويتنا الباقية تحتاج منا التضحية وأحيانا القليل من اللامعقول وليس هذا الصوت ببعيد عن وزارة السياحة والآثار فهي الأخرى عليها إعادة النظر في الكثير من الأمور لعل في مقدمتها حماية الآثار من خلال الحراس الذين لازالوا يعانون الأمرين مرارة المعيشة ومرارة ان يشاهدوا لصوصا ينبشون المواقع وليس معهم سوى اضعف الإيمان فلا نريد منكم اليوم الأضعف بل نريد الأقوى للحفاظ على زهو الأجيال القادمة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك