المقالات

لا عرس من دون انسحاب سياسي


علاء الموسوي

وصف دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، عملية الانسحاب الأمريكي من المدن العراقية إلى المنشآت العسكرية المخصصة لتلك القوات في الأراضي العراقية الأخرى المجاورة للمدن، بأنها عرس عراقي، وانجاز كبير يُسجل لحكومة الوحدة الوطنية.وعلى الرغم من ان المشهد العراقي يفتقر إلى الأعراس السياسية والأمنية الكبيرة فيه، على اعتبار ان الغالب الاعم هي (الفواتح) مجالس العزاء داخل أزقة المدن ونواحيها، أو داخل الأروقة السياسية المظلمة، يبقى وصف (العرس) بالمعنى الأدق، مبالغ فيه.. ذلك لان الوجود الأمريكي في العراق لا يقتصر على الثكنة العسكرية فقط، وإنما على الوجود السياسي المبطن داخل مفاصل العملية السياسية في العراق.. الحقيقية التي لا يريد ساستنا الاعتراف بها، هي حقيقة التدخل السياسي الأمريكي لمصادر القرار العراقي والإرادة الوطنية في حل جميع الاشكالات بين الفرقاء، والتي أساسها المكر الأمريكي في إبقاء تلك الملفات عالقة حتى بعد الخروج العسكري (الجزئي) من العراق.

 فالإشارات التي تعطيها الإدارة الأمريكية داخل المنظومة السياسية العراقية، ولاسيما لاجندتها الخاصة، ولحلفائها في الخارج، هي إحدى مصاديق ذلك الاحتلال السياسي للقرار الوطني في البلد، فهي - أي أمريكا- لا تعول على الخيار العسكري دائما، بقدر اهتمامها في توفير مقومات الهيمنة السياسية على شعوب المنطقة.. يقول المفكر السياسي الأمريكي بريجنسكي في وصاياه لقادة بلاده في العراق:( تحتاج السياسة الأمريكية في العراق إلى تقويم استراتيجي شامل.. فالعلاج ينبغي أن يكون دوليا في طبيعته، سياسيا أكثر مما هو عسكري في جوهره، وإقليمي أكثر من كونه مجرد عراقي في الإطار).. إذن، فالانسحاب الأمريكي إن لم يصاحبه انسحابا سياسيا من مقرات الأحزاب السياسية في البلد، وترك الملفات العراقية تحل من وجهة نظر عراقية مئة بالمئة، فضلا عن إجبار حلفاء أمريكا في المنطقة من مساعدة الحكومة العراقية، وغلق الأبواب وتضييق الممرات على الإرهاب المصدر من دول الجوار.. فلن يكون هناك عرس حقيقي في البلد، ويبقى الافصاح عن ذلك لا يتعدى المظاهر الإعلامية الخلابة ، التي تعد جزءا من التلميع الأمريكي لمشروعها في الشرق الأوسط. لقد لخص السفير الأمريكي في العراق كريستوفر هيل من خلال مقابلة له مع النيويورك تايمز، شروط نجاح مهمة انسحاب قوات بلاده في جملة واحدة وهي:( مفتاح القضية هو ضمان انسحاب ناجح من قبل الجيش بالنسبة للمدنيين والتأكد أن العراقيين ينظرون إلى ذلك ليس على انه تراجع في تأثير أو في مصلحة أميركا، وإنما مجرد تغيير بسيط في الطريقة التي نقدم بها أنفسنا في هذا البلد)..

بعض قد يجد أن بقاء أمريكا سياسيا في البلد هو ضمانة حقيقية لمنع اندلاع الحرب الأهلية مجددا، ناهيك عن المطالبة بتمديد الانسحاب إلى أجل غير معلوم، لحين إنهاء الأزمات الداخلية، والوصول إلى رؤية جامعة لطبيعة الحكم في البلد، وهذا بحده ما أعلن عنه الناطق الرسمي باسم جبهة التوافق النائب سليم الجبوري، حين سُئل عن رأي كتلته بالانسحاب الأمريكي، فقال:( الانسحاب سيولد أعباء كبيرة على الحكومة لن تستطيع حملها). ولعل إشارته تلك تتعلق بعمليات القتل التي ما زالت لم تتوقف، وان البلد لم يصل إلى حالة الاستقرار الأمني، وان العراقيين مازالوا غير متوحدين على شكل الحكومة الحالية وطبيعة الحكومة المقبلة. ولكن من وراء ترك تلك القضايا معلقة من دون حل..

هل بقاء الوجود الأمريكي سيحل تلك المعضلات أو ان التواجد السياسي وعملية الضغط الاحادي الذي تمارسه السفارة الأمريكية هي الحل الأمثل؟.. كل ما نعانيه وسنبقى نئن منه، هو ابقاء النزيف الداخلي بيننا، من دون أن نتفق على كيفية ايقافه، وتضميد الجراح، والاجماع على تحديد مكامن الخطر الذي يهدد الوحدة الوطنية للبلد، فحالة الانشطار السياسي والتفكك الداخلي لن تحقق لنا غير التشظي، وانصهار الهوية العراقية، وما شهدناه من سجال سياسي بخصوص إعادة البعث إلى العملية السياسية، والدفع باتجاه ان تكون الحكومة من خارج الائتلاف العراقي، وان يشترط على الحاكم المقبل ان لا يكون إسلاميا.. كل هذا وغيره الكثير هو ما تتجه الإدارة الأمريكية إلى فرضه من خلال مدة الانسحاب الجزئي من البلاد، وفي حالة عدم توافر ذلك أو تحققه على وفق النظرية الأمريكية، فإن التحكم بمقاليد العنف، وإشعال فتيل الحرب الأهلية لهو أسهل بكثير على الأمريكيين من استخدام مدفعية (ابرامز) في تحقيق الاهداف والنيل منها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
الشهاب الثاقب - الدنمارك
2009-06-30
نعم العرس الحقيقي هو خلو البلد ليس فقط من القوات الامريكية المحتلة وسفارتها الضخمة ذات ال 3000 (موظف)والمستشارين والشركات المشبوهة ووووو غير ذلك,بل أهم من ذلك كله خلوه من جواسيس أمريكا كذلك وعملائها بأصنافهم المعروفة الذين يمكن أن يشعلوا حربا أهلية وهؤلاء أخطر من جنودهم الرسميين حيث أنهم يعملون بسرية وخبث ! فاذا كانت الحكومة الوطنية قادرة على كشف هؤلاء ومعاقبتهم بشدة وبدون تردد أو خوف كما يحصل الان للمجرمين الهاربين كالضاري ومشعان والدايني الجنابي وووووو..حينئذ يحتفل العراق بالعرس الحقيقي!!!
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك