بقلم : سامي جواد كاظم
الغرباء اربعة عن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم قال : الغرباء في الدنيا اربعة : قرآن في جوف ظالم ، ومسجد في نادي قوم لا يصلى فيه ، ومصحف في بيت لايقرأ فيه ، ورجل صالح مع قوم سوء . كلام رائع وفوق الرائع وكيف لا يكون كذلك وهو يخرج من فم من لا ينطق عن الهوى وسيد الكونين ، وتتجلى روعة الكلام عندما ندرك الافهام وبلوغ المرام مما يريده سيد الانام من خلق الله عز وجل ، والكلام يقع في اربعة محاور وساكرس حديثي في هذا المقال عن القران وابتعد عن الجوانب الكلاسيكية في الحديث عنه واتطرق الى ظاهرة نعيشها اليوم ولم نلتفت اليها .
بالاضافة الى الحديث اعلاه هنالك احاديث للائمة المعصومين عليهم السلام يحثون فيها على قراءة القران في البيوت ويحذرون من هجره حيث ان للقران لسان في يوم القيامة يشهد على من استخدمه للزينة على الرفوف حتى تراكم الغبار عليه ، واما ما في داخل القران من اعجاز ينفعنا الى قيام الساعة ويجنبنا الضلالة وينعمنا بالهداية فحدث ولا حرج ، القران علم ، القران تاريخ ، القران شفاء، القران تشريع ،القران ثقل لمن يتمسك به وبالثقل الاخر يكون دخل حصن منيع لا تمسه النار ، بعد هذا كيف يتم الحصول على القران ؟المكتبات هي المكان المخصص للحصول على القران يضاف الى ذلك توزيعه كهدايا من قبل بعض المؤسسات والشخصيات والحصول عليه بسهولة جدا ، ولكن الوقفة هنا هي ان المتاجرة بالقران لا يجوزها الشارع الاسلامي وهنا لابد من حيلة لذلك فكانت استخدام كلمة هدية فالمشتري يقول لصاحب المكتبة بكم هديته فيقول عشرة الاف فيجيبه تسعة ممكن وبعد التعامل يتفقا على رقم معين ، هذا التعامل هو تجارة ولكن اجلالا للقران استخدموا عبارة هدية ، وهذا ينطبق على المتعهد بطباعته حيث يتفنن في شكل ونوعية الطباعة فتكون كلفته باهضة ويحدد قيمة الهدية والتي هي واقعاً سعر البيع بالجملة وبالمفرد .
هل التجارة في هذا المجال لوجه الله ام للربح ؟ لنذكر حالات اخرى ومن نمط اخر لنعلم حجم الصرف على هذه الحالات مقارنة بما يكون عليه الحال مع القران ، اتذكر بعد السقوط بايام جاءت عدة شاحنات ضخمة جدا الى كربلاء وهي تحمل كتب والرسالة العملية لاحد الفقهاء ووقفت هذه الشاحنات وسط كربلاء توزع هذه الكتب مجانا حيث الكلفة العالية والصرف المغول والتوزيع مجانا ، كم من معرض يتم توزيع منشورات تكلفتها باهضة جدا مجانا؟ ، اما وسائل الاعلام وبشتى اشكالها ولنخص منها الفضائيات التي تصرف ملا يين الدولارات من غير كسب مادي يعود لاصحاب الفضائيات غايتهم ايصال افكار معينة الى مشاهديها ولا يمكن قياس هذه المبالغ والجهود لهولها ، بل ويرافقها الابداع في الانتاج من جميع نواحيه ، واما المطبوعات من الصحف والمجلات التي يطلق عليها اليوم انها مدعومة أي ان سعر بيعها اقل من ربع قيمتها ومقدار طباعتها ملايين النسخ منها بشكل يومي او اسبوعي او شهري وقد يرافق هذه المنشورات مطبوعات تمنح كهدية ، هل يستطيع احد ان يقارن ما يتم صرفه في هذه المجالات امام ما يحصل عليه من ارباح صاحب المطبعة او المكتبة عند هديته للقران ولا اقول المتاجرة ؟
هنالك هيئات دينية اهلية او حكومية تقوم بتوزيع المصاحف مجانا في بعض الاحيان ولأبتعد عن نوايا الموزع ولألتفت الى الطرف الاخر الذي يسعى للحصول على كتاب واحد او حتى اكثر طالما يوزع مجانا ، ماذا يستفاد من ذلك ؟ بل ان هنالك فائض رهيب من القران ناهيك عن طباعته كمادة دراسية في المدارس وبمختلف مراحلها ، والتي تهدى الى الجوامع والمزارات وبعضها تضطر ادارة هذه الجوامع والمزارات توزيعه مجانا ثانية على المصلين بعد ترخيص فقهي تجنبا لعدم قرائتها وتلفها ، هل هذه حالة سليمة ؟
الظاهرة الاخرى هي وسائل نشر القران بالاجهزة الحديثة من المذياع او جهاز التسجيل واخرها جهاز عرض الاقراص الليزرية ( الصوتية تسمى ام بي ثري والمرئية )حيث هنا نكون امام تشريع الاستماع والخشوع اذا ما قرئ القران ، هل نعيش هذه الحالة حقا ؟ وهل ما نسخ وطبع من اقراص اقل من الطلب ؟ والبعض منها بثمن فلماذا لا يقال عنه هدية عند التعامل ؟ والقليل منها يوزع مجانا .
لماذا نقحم انفسنا في متاهات لغايات تختلف باختلاف طبيعة اصحاب العلاقة ؟ المردودات السلبية كثيرة لكثرة العرض على حساب الطلب ، بشر الحافي صاحب الامام الكاظم عليه السلام راى رقعة في الاوساخ كتب عليها اية من القران الكريم رفعها وغسلها وعطرها واحتفظ بها فقال له الامام الكاظم عليه السلام ما معناه طيبك الله وعطرك طالما طيبت وعطرت كلامه ومن ذلك اليوم يشم عطر طيب من جسد بشر وعندما سُأل عن السبب ذكر لهم الحادثة ، واليوم نرى اوراق وكتب ـ وليس ورقة ـ عليها اسم الجلالة وايات قرانية على الارض وفي اماكن لا استطيع ان اتجرأ واذكرها ، وها هي السنة الدراسية انتهت وسترون الكثير من الكتب المخصصة للقران الكريم ترمى على الارض ، لماذا يوقع المكلف نفسه في اشكال وهو يجمع المصاحف التي توزع مجانا في بيته فيجعلها شاهدة عليه يوم القيامة ؟ لماذا تباع في المكتبات بحيل شرعية وانا اقف كثيرا عند الحيل الشرعية ؟
لو حاول كل مسلم ان يقرا اية صغيرة جدا في كتاب الله يوميا وليس عن ظهر قلب أي يفتح الكتاب ويقراها فانه يفتح النعيم على نفسه واهل بيته وعندما يلتزم بها الجميع فاقسم باسمه الواحد الاوحد سنضمن الخير ويدفع عنا الشرور حيث يقول سيد الانام اذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقران فانه شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله امامه قاده الى الجنة ومن جعله خلفه ساقه الى النار وهو الدليل على خير سبيل ،فقراءة القران هنا ليس للتجارة بل بحسن النوايا وجعلها لله خاصة نضمن عواقب الخير والنجاة، ففي احدى الليالي التي يتجول بها الامام علي عليه السلام ومالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه وقف مالك عن باب احد الذين يقرأون القران بصوت رائع فقال له الامام علي عليه السلام لا يغرنك صوته ، وفي معركة الجمل وهم يُقلبون القتلى نادى عليه السلام على مالك تعال وانظر الى هذا القتيل فوجده الذي كان يقرأ القران كان ضمن جيش الجمل ،واما الذي قال عنه في حديث سيد الانام ـ ومن جعله خلفه ـ قصد به الذي يضعه على الرفوف من غير قراءة وكذلك الذي يقرأه من غير تفقه وكذلك الذي يقرأه للرياء فكلهم صنف واحد جعلوه خلفهم .
https://telegram.me/buratha
