مقال لوزير التخطيط العراقي الدكتور علي بابان
يصعب القول إن عاماً واحداً يكفي لإحداث تحول إيجابي في الإقتصاد العراقي فمشاكلنا من التعدد والعمق والإتساع بحيث لا يكفي عام لمعالجتها فنحن إزاء إهمال عقود طويلة وأمام سياسات لا يمكن وصفها إلا أنها (مدمرة) وفي مواجهة أختلالات هيكلية متعددة الأشكال وليس أمام إختلال هيكلي واحد... إلا انه وعلى الرغم من ذلك فأن عام 2009 يمكن أن يصبح بالفعل عاماً للتعافي الإقتصادي في العراق إذا توافرت شروط معينة... علينا أن نستعين بمثال المريض بعلة معينة إذ انه بمجرد أن يشخص له الطبيب مرضه بصورة دقيقة، ويقتنع هو بأنه عثر على التشخيص السليم والوصفة الشافية ثم يبدأ بأخذ العلاج فانه يشعر بالعافية بدأت تدب في أوصاله، فلم تعد حالته سوى قضية وقت ليس إلا... وهكذا حال الإقتصاد العراقي ما أن نضع أقدامنا على الطريق الصحيح ونشرع في السير فيه حتى ندرك بأننا بتنا قريبين من الهدف فمن سار على الدرب وصل ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة...!!
المريض يحتاج التشخيص السليم ونحن بحاجة للشيء ذاته... والعليل يشفيه الدواء حتى لو كان مراً علقماً ونحن أيضاً بحاجة لذلك... إذن التشخيص والقرار والصبر على الدواء ومرارته التي لن تكون سوى مؤقتة هو كل ما نحتاجة؛ ليصبح بعدها عام 2009 نقطة فاصلة في التاريخ الإقتصادي العراقي...علينا أن نتذكر بأن أي علاج يحتوي شيئاً من الألم ولو لثوان.... وإن أي ولادة جديدة تترافق بآلام المخاض... وفي كلتا الحالتين إن كان للألم مسكن فإن العلاج أيضا يمكن أن يستخدم له بعض المسكن، والمسكن الذي نقترحه لتخفيف نتائج وصفة علاج الإقتصاد العراقي هو حزمة من السياسات والإجراءات تعكس مفعول القرارات المؤلمة أو تخفف من تأثيرها حتى يكتمل العلاج وتبدأ الثمار بالظهور ويتم التعافي.... بداية المبتدأ علينا أن نقر بأن هناك أختلالاً هيكلياً في القطاعات الإقتصادية.. ومثله في العمالة... ونظيره في الأجور... وشبيهه في العرض والطلب... وقبيل ذلك ما بين القطاع الخاص والحكومي.... وعلاج هذه الإختلالات لن يأتي بوصفات ثورية... وجراحات مستعجلة.. ولكن الولوج إليه يأتي من خلال سياقات متدرجة مدروسة وناضجة تقلص الألم بأكبر قدر ممكن...
القرار... والإرادة السياسية التي تقف وراءَه مهمان للغاية، فعندما تتخذ قراراً ينعكس على الإقتصاد فإنك قد تصطدم بشبكات مصالح تدافع عن النموذج القديم، وعندما تعتمد سياسة ذات تأثير على شعبية السياسي وقبوله فإن المرء عليه أن يتوقع الكثير من التردد والتوجس قبل إتخاذ القرار، لكن السياسي الواعي وصاحب القضية هو الذي يجرؤ على إتخاذ القرارات الكبيرة وهو الذي يحوز ثمراتها ومكاسبها في آخر المطاف، وقد يجد الكثير من النقد في البداية ولكنه سيفوز بالعظيم من الثناء في أخر المطاف، ومن المؤسف أن معظم الساسة في العراق يفضلون المكاسب الآنية والقريبة على النجاحات الكبيرة والبعيدة المدى، وهذا ضرب من قصر النظر وضعف التجربة السياسية.
الرأي العام العراقي له دور كبير ويستطيع أن يضغط في الإتجاه الصحيح ولكنه مع الأسف يفضل - هو الآخر - المكاسب الظرفية على المصالح المستقبلية بالإضافة إلى محدودية الإطلاع على المسائل الإقتصادية بأبعادها المختلفة، لكن هذا الوضع يجب إعتباره تحدياً وليس أمراً واقعاً ولا بد من التصدي لمهمة إستنهاض الوعي بالمسائل الإقتصادية لدى الجمهور العراقي وتعريفهم بالحقائق الموضوعية المتعلقة بالإقتصاد العراقي...عام 2009 يمكن أن يصبح علامة فارقة في مسيرة الإقتصاد العراقي... ولكن لنبدأ بالتشخيص والتوعية.. والدفع باتجاه القرار السليم... وحشد الرأي العام وتوعيته.. وهذا ما نحاول أن نعمله ونعتبره نحن ( قضيتنا الإساسية ) في (الأوقات العراقية)...
علي بابان وزير التخطيط العراقي - نشر في مجلة الاوقات العراقية
https://telegram.me/buratha