المقالات

صورة رجلٍ مات غريباً


( بقلم : علي كاظم داود )

طريق الضوء نحو كربلاء

يلوح هلال الشهر المحرم بضوئه السيال على الرمل ، يبزغ من غرب الجزيرة موزعا بريقه في الأودية المنشقة عبر صحراء نجد وحتى فرات كربلاء .. ينساب ضوؤه مفعما بغضارة تكاد تجعله يحيا ، كما يحيا البشر والطير ، ويتنفس كما يتنفس الصبح أو يسفر .. يبوح بأسرار إعجازية ، دون أن ينطق كلمة واحدة ، ولولا أن حُبس صوته ليوم معلوم لكان قد نطق ، منذ بزوغه الأول ، وحتى انفطار السماء التي لطالما احتضنت مولده ، مثلما ستحتضن انشقاقه.. قيل أن ضوء القمر يحمل صورة رجل مات غريبا ، لم تزل العجائز تحكي ما جرى عليه ، في مدينتي وفي المدن الأخرى ، والرجال الكهول أيضا يفصّلون في مآثره ، وقصته العجيبة ، ويشبّهون انطباع صورته على صفحة القمر بارتسام القمر على الماء. كان يمنح الليل جسدا مؤرّقا ، وعينين دامعتين ، وقلبا فطره طول الانتظار.. وعندما ألحّت عليه نفسه بالانعتاق ، قال : يا سيوف خذيني!!.سرى به الشوق بقطع من الليل الآهل بالنور ، يعرف بغيته ويحث الخطى نحوها ، القمر سراجه وبوصلته ، والحنين يحمله عبر الفيافي والمفازات ، ويختطّ اليقينُ له الطرق التي تؤدي .. تؤدي .. تؤدي .. لمعقل الضوء ومنتهاه .. حيث ائتزر الصبر وطول الأناة ، وعبّد مسالك النفس ، والأنفس التي اعتصمت بملاذاته القارة خلف حُجُب منيعة ، ليوم عظيم .يوم بات علامة من علامات الزمن الفارقة ، فما إن ترى إصبعا تشير ، أو دمعة تسفح ، أو سوادا يجلل السماء فقل : إنه عاشوراء.لطالما سمعت عن أعظم المقتولين ، فلم أشبع من ذكراه ، كان وجهه الضوء في زمانه ولا شعاع ينبثق من سواه ، والوتد الذي لا تطاول الجبال قامته .. ربيع النفوس ومأنسُها كان ، وكان اليد الناضحة بالعطايا على المعوزين والغبونين ، وهو مع كل هذا تذكار هول الفجيعة التي لن تطفئ مياه العالم كلها جمرة واحدة من جمرها الذي لم يزل وسيضل ملتظيا في قلوب السائرين على طريق الضوء.

جلابيب الريح

بدمٍ توضأ ، كبّر بصوت خرج من المنحر ، وأقام صلاته على رمضاء العطش ، تلا سورة الكهف ، وهبطت نحوه السماء الحمراء ليسجد عليها ، سجدة ستدوم حتى الأبد.ولما كان القمر في وضح الألق مفترقاً للأنجم أو مجتمعا لها ، وشهر محرم منصرف الناس من الحج إلى الحزن ، تلهج الألسن بترديد سجعٍ مقدس ، تحفظه الخواص والعوام ، وتسفح من أجله دماً ثجاجا في مسارب الدمع ، لتروي ظمأ رجل عظيم مات عطشانا.إذا ما عسعس الليل أو تلبّس ، أو اختلف بالنهار أو سَكَن ، ففيه من تقوم عنده القيامة قبل أوان الصيحة والحشر الاكبر ، قد امتاح في بقعة من ظل الأعين محرابا ، واجترح في القلوب النقية مقاما .. يتخذ الأفق خيطا والغيوم خرزا لمسبحته .. سجى به الليل سبحا وناشئة وتهجدا ، ساربا به في طرقه المستخفية ، يتكور عليه الكون ملفعا إياه بجلابيب من ريح ، تصحبه قباب من نور ، يكاد خطوها الخفي الحافل بأشعة الوهج يمزق كل أردية الكون الظلماء .. أما العتاة فقد اتخذوا الليل مكرا سرمدا فما انسلخ عنهم الا وألبسهم سرابيل من قطران وخسران ، وقد وسق عليهم فضائع ما اجترحوا وكبائر ما دبروا ، كما لو أن قطعا ظلماء من ليل غدرهم قد غشيت قلوبهم فأمست وجوههم بأقنعة مرعبة ، لا يراها أحد الا حَمَد وحوقل واسترجع .. مستذئبون ، بمخالب لا تعرف للقداسة معنى .. مجرمون ، دنّسوا صدرا ينهمر بفيوضات الوحي ، وقطعوا كفاً تسلب عن البحر غزارته .. همج رعاع ناعقون ، حبسوا أنفسهم خلف فادح استهتارهم ، واسترسلوا خلف مهلكات أطماعهم ، لم يرعوا أو يراعوا أبسط ما يمكن ان يتوقف عنده العقلاء ، فغدت أعاظم الاقترافات أمام أعينهم مباحات ، وباتت أحرج المهالك عندهم مستسهلات .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
hameed ridha
2009-01-15
بسمه تعالى يا علي ان من كظمت الدموع والاهات والعبرات الملتهبة عليه سطر في سويعات من الزمن أعظم اسطورات الدنيا فصار وسبعينه اسطورة كل شريف بحب لا يجد له متنفسا سوى سيول الدمع وبراكين الاهات عبر كل الزمكان حب ليس من صنع البشر بل من سماء خلقته ليخلد دنيا واخره وما كان لغيره ذلك فهل من حرقة على أب أو أم أو أعز عزيز تقرب من تلك الحرقه وأغرب ما في الاسطورة من راح يريد حرماننا من الجزع عليه؟ وأغرب من ذلك وقد طهره القران تطهيرا فخسأ من قال قتل بسيف جده لخروجه على امامهم وأمير مؤمنيهم اليزيد؟؟
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك