( بقلم : احمد عبد الرحمن )
لم يعد يفصلنا عن موعد انتخابات مجالس المحافظات سوى عشرون يوما لاغير، وهي فترة زمنية قصيرة وفق الحسابات والمعايير السياسية، بعبارة اخرى بدأ العد التنازلي للانتخابات. ويوما بعد اخر تزداد حمى الدعاية الانتخابية للعدد الكبير من الكيانات السياسية المختلفة، ولاشك ان هذا العدد الكبير يعكس احد معطيات ومظاهر ودلالات التجربة السياسية في العراق الجديد، تلك التجربة القائمة على اسس وسياقات ديمقراطية، في اطار الدستور، والتي خطت حتى الان خطوات مهمة للغاية نحو الامام، من قبيل الانتخابات البرلمانية الاولى، والاستفتاء على الدستور، والانتخابات البرلمانية الثانية، مترافقة معها انتخابات مجالس المحافظات الاولى مطلع عام 2005.ولعل تعدد التيارات والكيانات المتنافسة، وتنوع البرامج والاطروحات الانتخابية، والكم الكبير جدا لمظاهر الدعاية الانتخابية، يؤشر–رغم ما يعتريه من اخطاء وتجاوزات وسلبيات-الى الافق الواسع والرحب للممارسة الديمقراطية الحقيقية التي يندر ان نعثر على مصاديق حقيقية لها في منظومة بلدان العالم الثالث.
ولكن مايتمم ويكمل المعطيات والمصاديق الحقيقية لذلك هو حجم المشاركة الجماهيرية في انتخابات مجالس المحافظات القادمة، فضعف الاقبال على صناديق الاقتراع، يعني فيما يعنيه انعدام او اهتزاز ثقة المواطن العراقي بالتجربة السياسية الجديدة وما اثمرت-او ما ستثمر عنه- من نتائج، ويعني تراجعا الى الخلف، ويعني ايضا وجود هوة كبيرة وواسعة بين النخب والكيانات والتيارات السياسية، وبين المواطنين، الذين يمثلون في أي مجتمع ديمقراطي احد ابرز ادوات الحراك السياسي الايجابي والمنتج.
وفي مقابل ذلك فأن تزايد معدلات الاقبال على صناديق الاقتراع يعكس في واقع الامر مؤشرا مهما للغاية على نجاح التجربة السياسية في العراق الجديد، واكثر من ذلك فأن النجاح الاكبر والاوضح حينما تكون المشاركة الواسعة مقترنة بخيارات صحيحة وصائبة مبنية على قراءة موضوعية لما هو مطروح، وفهم وادراك لمجريات الامور ، تفضي الى منح الثقة باناس صالحين وكفوئين ونزيهين يكونون اهلا للثقة واهلا لتحمل المسؤولية، بعيدا عن الحسابات والمصالح الضيقة المرتكزة على ولاءات عشائرية او سياسية او مادية.
والثقة بأبناء الشعب العراقي كبيرة جدا، فالعمر القصير للتجربة السياسية العراقية اثبت ان هناك قدرا كبير من الوعي والفهم والقدرة على التمحيص والتمييز لاتخاذ القرار المناسب والصحيح، وتشخيص الافضل والاكفأ والاكثر صدقا واخلاصا والاشد حرصا على العراق والعراقيين.
https://telegram.me/buratha