( بقلم : فلاح الموسوي )
إن الذي دفعني لكتابة هذه المقالة هو حرقتي على مدينة الإمام الحسين عليه السلام، ولا تدفعني أية دوافع حزبية أو شخصية في ذلك، والمعلومات التي في هذا المقال تثبت أنني مستقل لا أنتمي إلى أية جهة إلا الدفاع عن مصلحة المواطن والمحافظات في الوسط والجنوب التي مازالت تعاني من الإهمال بعد مرور ست سنوات على عملية التغيير، وبحق يعتريني الخجل والحياء من سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين ومن زواره الكرام من أن هذه الجوقة المتشرذمة التي تبوأت قيادة مجلس المحافظة باسم قائمة (320) قد خيبت الآمال بأدائهم المشين وولائهم لأحزابهم ومصالحهم الشخصية، والحق أن ولائهم لكل شيء سوى الوطن والمواطن والمحافظة، وأنهم عرقلوا الإعمار في محافظة كربلاء لأنانيتهم وخلوهم من كل نزعات الغيرة والحمية على مدينة مقدسة يقصدها القاصي والداني، ومن المفترض أن تكون كربلاء المقدسة أجمل محافظة في العالم بمبانيها وشوارعها ومشاريعها وشموخها العمراني والثقافي، لا أن تتحول إلى كومات من الأتربة وبقع من المياه الآسنة تلفها التجاذبات الحزبية والسياسية، وهي أبعد ما تكون عن مقومات النهوض الحضاري التي هي مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى ونحن نعيش زمن الحرية والديمقراطية التي أعطت صلاحيات لا بأس بها للأقاليم والمحافظات في ظل النظام الاتحادي اللامركزي الذي نعيشه، فقط نحن بحاجة في الإنتخابات المقبلة أن ننتخب الأكفأ والأنزه والغيور على مدينته والذي يكون ولاءه فقط وفقط لخدمة المواطن وتطوير المحافظة خدمة لأطهر بقعة على وجه الأرض ولزائريها ولقاطنيها وهم أهل للخدمة والتطوير.
ماذا قدم عقيل الخزعلي لمدينة الإمام الحسين عليه السلام؟! في آخر تصريح له مبررا إخفاقات وتلكؤ الإعمار في كربلاء المقدسة أنه ذكر في جريدته إعمار كربلاء (من أن أكثر من 70% من مشاريع الإعمار في المحافظة تعاني من التحايل والفساد المالي ونحن مازلنا غير قادرين من تحجيم هذه المأساة التي تنبأ في حالة استمرارها كوارث في حركة الإعمار) حقا أنه تبرير أقبح من الفعل، ونحن نستغرب من أن هذا الحديث يبدر من أعلى سلطة تنفيذية في المحافظة؟!
أليس هذا هو إعلان الفشل بشكل واضح وصريح، يعترف ويقر بالتحايل والفساد والإغارة على بيت المال وعلى مدى ثلاث سنوات وهو غير قادر على وضع حل لهذه المهزلة؟! وعجيب أمر هذا الرجل فبعد فوز قائمة (320) في انتخابات مجالس المحافظات وتبوأه منصب المحافظ خاطب القوات الأمريكية بالقوات الصديقة وبعد أن اشتد عود التيار الصدري في كربلاء وأخذ يبطش بالقريب والبعيد فإنه غيّر النغمة ووصفها بالقوات المحتلة، وكان يقف إزاء مقتدى الصدر عند زيارته إلى كربلاء كوقوف العبد في رحاب سيده بالرغم أن لباقته وفهمه أوسع بكثير من مقتدى والكثير من أتباعه، وكلنا يتذكر كيف أن الخزعلي كان يردد عبارات مقارعة المحتل والتلويح بالمقاومة ضد القوات الغازية تماشيا مع مطالبات التيار الصدري الذي كلف الكربلائيين الشيء الكثير، وأخيرا وبعدما تم القضاء على زمر الإجرام الصدري فإنه قام بمغازلة القوات الأمريكية لكسب ودها، هذا التلون من هذا المتلون قد ترك بصماته سلبيا على المشاريع العمرانية في كربلاء لاسيما الإستراتيجية منها، والعلاقة واضحة فإن مجلس المحافظة إذا كان متشرذما ولا يتمترس بمواقف ثابتة وليس عنده فكرة واضحة هل أنه يماطل في الأروقة السياسية لاكتساب الصلاحيات لاعمار البلاد؟! أم أنه يلوح بالجهاد ومقارعة المحتل وهو داخل العملية السياسية؟! رجل في السياسة ورجل في الإرهاب هذا هو النفاق بعينه!!
ونذكر قصة وقعت على خلفية اعتقال (عقيل فاهم الزبيدي) رئيس مجلس محافظة كربلاء السابق على خلفية اتهامه بدعم العمليات الإرهابية، فإنه عقد اجتماعا ضم رؤساء واعضاء مجالس محافظات الوسط والجنوب للتضامن مع محافظة كربلاء، وخرج المؤتمر بثمان توصيات أولها مقاطعة قوات الاحتلال الأمريكي، فانبرى ممثل محافظة النجف الأشرف رافضا الموافقة على هذا البند بالذات معللا بأن لديه مشاريع إستراتيجية مع القوات الأمريكية وانه غير مستعد للتضحية بتلك المنجزات التي تخدم المحافظة والمواطن النجفي لمجرد إدانة ورقية؟!
وبعض المندفعين الثوريين من أعضاء مجالس المحافظات أخذ يضغط على ممثل محافظة النجف لتغيير موقفه والتصويت للبند المذكور بيد أن الممثل النجفي ظل ثابتا على موقفه واعترض على بند المقاطعة وتحمل الكثير من النعوت من قبيل المتواطئ مع القوات المحتلة والعميل مبررا موقفه إنني وفي سبيل اعمار محافظتي والترفيه عن شعبي لا أبالي ما يقال عني وأن هذه المواقف جميعها سياسية وليست مبدأية لأن الذين يتكلمون هذا الكلام هم من صميم العملية السياسية، والكل توصل بعد حين إلى صوابية الموقف النجفي حيث الإعمار والمشاريع الإستراتيجية والبنى التحتية قائمة على قدم وساق هناك، والخراب والتخلف والفساد يلف المحافظات التي تمترست ولوحت بالمقاومة واحرقت الأخضر واليابس ما جعل محافظاتها عرضة للتخلف والفساد والإفساد.
حقا أن الغيرة على اعمار محافظة النجف الأشرف كانت تجيش في صدور النجفيين وهي مفقودة عند أعضاء مجلس محافظة كربلاء فإن التشرذم والنفاق والخلاف كان يدب في أوساطهم، علاوة على أن خلافات واحتدام الصراع السياسي بين المجلس الأعلى وحزب الدعوة قد وقعت بظلالها على عمليات الإستثمار في كربلاء، حيث أن معاملات تخصيص الأراضي للمستثمرين الأجانب كانت تقبر في دهاليز وزارة البلديات فقط تلك المختصة بكربلاء وأما المختصة بالنجف والمحافظات التي يشكل فيها المجلس الأعلى أغلبية فإنها كانت تأتي الموافقة بشأنها أسرع من البرق، وأن كربلائية وزير البلديات رياض غريب ما كانت تتشفع لأهل جلدته حيث أن الولاء الحزبي عنده أشد من الولاء الجغرافي، وبعد ثلاث سنوات من العرقلة أقر مجلس المحافظة صلاحيات إعطاء الأراضي للمحافظ الخزعلي وهذا ما تم رفضه جملة وتفصيلا من قبل وزارة البلديات مؤخرا بذريعة مخالفته لتصاميم المحافظات العمرانية في البلاد.
ونرجع إلى تلك الحقبة الصدرية العصيبة التي مرت على كربلاء فإن المحافظ الخزعلي كان يرفض استلام مخصصات القوات الأمريكية للمحافظات معللا أنها مقترنة بشروط استفزازية!! ولا أدري هل أنه موقف استفزازي لكربلاء فقط أم أنه مزاج شخصي لا يحق للمحافظ وغيره اتخاذه على حساب المصلحة العامة التي هي فوق كل شيء، فهي حقوق المواطن والوطن لا يمكن التفريط بها بحال من الأحوال، وأنها غالبا ما تأتي من خيرات ونفط العراق ولكن بعناوين مختلفة، وأن محافظة النجف الحريصة على خدمة المواطن كانت تستلم تلك المخصصات وتطالب بمخصصات المحافظات الزاهدة فيها، هذا غيض من فيض معطيات النهوض العمراني في بعض المحافظات والتخلف الحضاري في البعض الآخر، فإنها مستندة في الأولى بالغيرة والحمية والإنسجام والتواصل مع مصادر القرار في الداخل والخارج، أما الثانية فإنها بعيدة كل البعد عن كل تلك المعطيات.
ولا من منجي لتك الحالة الكارثية التي تنتظر الإعمار والتي أنبأ عنها عقيل الخزعلي إلا بإحداث هزة عنيفة في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة تجتاح كل مفاصل دوائر المحافظات المتلكئة بالإعمار، وتجلب على سدة الحكم أناس وطنيون همهم الأول والأخير خدمة المواطن لا الحزب وتعمير الوطن لا الجيب وبذل الغالي والنفيس من أجل تثبيت موقف مشرف حيال المشاركة الفاعلة في التغيير الحضاري الذي يحافظ على كرامة الإنسان وعقيدته وثوابته وتطلعه نحو الخير والرفاه والتقدم عملا وعلى أرض الواقع وليس بالشعارات البراقة التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
https://telegram.me/buratha