فهذا الشاعر العربي أبو الحسن التهامي يرثي ابنه في قصيده لم اسمع بأروع منها في الرثاء على مر العصور فبالفعل أن موت ابنه اثر فيه الأثر الواضح في أبياته المبكية التي تقطر دمعاً على فراق ابنه ويقول في قصيدته الرائية:حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قراربينا يُرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبارطُبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدارومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة ناروإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هارفالعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال سارفاقضوا مآربكم عجالاً إنما أعماركم سفر من الأسفاروتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تسترد فإنهن عواريا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذاك عمر كواكب الأسحاروهلال أيام مضى لم يُـستدر بدراً ولم يمهل إلى الأسحارعجل الخسوف إليه قبل أوانه فمحاه قبل مظنة الإبدارواستُـل من أترابه ولداته كالمقلة اسـتُلت من الأشفارفكأن قلبي قبره وكأنه في طيّـه سر من ألأسرارإن الكواكب في علو مكانها لترى صغاراً وهي غير صغارولد المعزى بعضه فإذا مضى بعض الفتى فالكل في الآثارأبكيه ثم أقول معتذراً له وُفّـقتَ حين تركتَ ألأم دارجاورتُ أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري
وهنا أبيات للشاعر أبو العتاهيةوهو يرثي ابنه علي في أبيات تملائها الحكمة والموعظة ويقول فيها باكيا :بكيتك يا بني بدمع عيني فلم يغن البكاءُ عليك شيّاوكانت في حياتك لي عظاتٌ وأنت اليوم أوعظُ منك حيّا
وهذا الشريف الرضي يرثي امه حزنا وبكاءا فيقول:أبكيك لو نقع الغليل بكائي ...وَأقُولُ لَوْ ذَهَبَ المَقالُ بِدائيوَأعُوذُ بالصّبْرِ الجَميلِ تَعَزّياً ...لَوْ كَانَ بالصّبْرِ الجَميلِ عَزائيطوراً تكاثرني الدموع وتارة ...آوي الى اكرومتي وحيائيكم عبرة موهتها باناملي ... وسترتها متجملاً بردائيابدي التجلد للعدو ولو درى ...بتَمَلْمُلي لَقَدِ اشتَفَى أعدائيما كنت اذخر في فداك رغيبة ...لو كان يرجع ميت بفداءِفَارَقْتُ فِيكِ تَماسُكي وَتَجَمّلي ...ونسيت فيك تعززي وإبائيذَخَرَتْ لَنا الذّكرَ الجَميلَ إذا ...انقضَى ما يذخر الآباء للابناءِ
وهنا جزء من قصيدة لبشار بن البرد يرثي بها ابنه محمد ويقول فيها :بني على رغمي وسخطي رزئته وبدل أحجــار وجـال قـلــــــيبوكان كريحان الغصون تخـــالـه ذوي بعد إشارق يسر وطـــيبومانحن الا كالخليط الذى مضى فرائــــس دهر مخطئ ومصيبنؤمــل عيـشا في الـحيـاة ذميمة أضــرت بــأبدان لنــــا وقلوبأصيب بني حيــن أورق غصنـه وألقى علي الهــم كـــل قــريــبعجبـت إســراع المنـيـة نـحـوه ومــا كــان لـــو مليتـه بـعـجـيب
وتلك ابيات من قصيدة لإبراهيم المهدي حيث يرثي ابناً له أصيب به بالبصرة وهو واليها يقول فيها :نأى آخر الأيّام عنك حبيب فللعين سحٌّ دائمٌ وغروبدعته نوىً لا يرتجى أوبةٌ لها فقلبك مسلوبٌ وأنت كئيبيؤوب إلى أوطانه كلّ غائبٍ وأحمد في الغيّاب ليس يــؤوبتبدّل داراً غير داري وجيرةً سواي وأحداث الزّمان تنوبأقام بها مستوطناً غـــير أنّه على طـــول أيّام الــمقام غريبتولّى وأبقى بيننا طيب ذكره كباقي ضياء الشّمس حين تغيبخلا أنّ ذا يفنى ويبلى وذكره بقلبي على طول الزّمان قشيبكأن لم يكن كالدّرّ يلمع نوره بأصدافــــه لمّا تشنه ثقــــــوبوريحان قلبي كان حين أشمّه ومؤنس قصري كان حين أغيب
وهذا ابن الرومي يرثي ابنه محمد بقصيدة يقول في بعضها :بُـنَــيّ َالـــذي أهـدتــهُ كـفَّــاي لـلـثَّـرَىفيا عزَّة َ المهـدى ويـا حسـرةالمهـديألا قــاتــل الــلَّــهُ الـمـنـايـا ورمـيــهــامـن القـومِ حَبّـات القلـوب علـى عَـمـدِومــــا ســرنــي أن بـعــتُــهُ بـثــوابــهولــو أنــه التَّخْلـيـدُ فــي جـنَّـة ِ الخُـلـدِوأولادنــــا مــثــلُ الــجَــوارح أيُّــهـــافـقـدنـاه كـــان الـفـاجـع الـبَـيِّـنَ الـفـقـدِأودُّ إذا مـــا الـمــوتُ أوفـــدَ مَـعـشَــراًإلـى عَسكـر الأمـواتِ أنِّـي مـن الـوفْـدِومــن كــانَ يَستـهـدي حَبِيـبـاً هَـديَّــةً فطيفُ خيـالٍ منـك فـي النـوم أستهـديعـلـيـك ســلامُ الله مــنـي تـحــيَّــة ًومنْ كل غيثٍ صادقِ البـرْقِ والرَّعـدِويحكم انه الحسين عليه الحزن وفاء والدمع من اجله عطاء ..نعم هو الحسين هو روح ثورتنا هو نبض حياتنا وملهم العاشقين والمحبين مدرسة الوفاء .. واي وفاء .. وفاء كلما مر الزمان تجدد.. هو الحسين من يقول " لا أرى الموت الا سعادة و الحياة مع الظالمين برما" هو اذن الحياة .. هو اذن عشق وسعادة .. هو اذن رؤيا متجددة للحياة لايفهم المتحجرون والمتصحرون انسانيا كنه قوتها وعنفونها ومعانيها .. لانهم بعيدون عن تلك المدرسة يمسكون بحجارتهم يرمونها ولايعلمون انهم اضئل من ان يعدو ذوي قيمة ..هي زينب اخت الحسين انموذج الحزن المتحرك مع اخيها و المعبر في اهم المفاصل الانسانية عن السعادة تلك السعادة الممزوجة بدمع الوفاء .. دمع العطاء .. دمع النماء .. هي زينب اخت الحسين والشاهد والشهيد والشهيدة .. هي زينب الباكية من رات اخيها ثقل السماء على الارض وراسه على طشت المتحجر المتصحر يزيد .. وهل ينكر فاقد لاخيه مذبوحا معنى البكاء ؟وهل هناك اقسى وامر من تلك المشاهد الفضيعة تمر على اخت باخيها وامامها مخضب بدمائه الفجيعة ؟؟ قالت تعبر عن معنى السعادة وسط الحزن والبكاء وحدثت التاريخ وهؤلاء الاشباه والحزن يملأ قلبها ودمع العين جف نهره بعد ذرفه وحينما حانت منازلة التحدي والبقاء صرحت زينب عن مكنون وكنه حزنها وحزن الامة والمحبين وقالت لمن تصور ان فعله انما كان مجلبا للحزن والبكاء حينما خاطبها الجلاد المتحجر المتغطرس الطاغية عبيد الله بن زياد وقد أدخلت مجلسه أسيرةً بعد واقعة كربلاء يسالها متشفيا بحزنها وبكائها: كيف رأيتِ صنع الله بأخيك؟ فاطلقت بوجههة وبوجه التاريخ الاسود لما يزل يكرره احفادهم والاشباه المنتهية صلاحيتها الانسانية : مارأيت الا جميلا..اذن هو الجمال وهي السعادة حينما ترى المفجوعة الباكية مشهد الراس مضرجا بدمه المحمدي الانساني الطهور وهو هو ذاته شعور المحبين الاوفياء الباكين لهذه الخسارة والسعداء بالعزة والنصر والنشوة تملأ قلوبهم فخرا انهم من الحسين والحسين منهم انه اذن حزن ممزوج بالفرح والسعادة والحياة ..نقدِّس حرمة النفس البريئة فالحسين جرحٌ سرمديّاوأغلى ذخرنا امرأة قوية لها بأسٌ كزينب في السباياإذا الأنصار نامت بعد لأيٍ وقرّت من شراب الخلد ريّافليس لعين زينب أن تناما تواصل حربهم بأساً و لأياًهي زينب من تعلمت في مدرسة جدها وابيها وامها واخيها واخيها تلك هي المعادلة التي غيرت مجرى تاريخ الانسانية ولوت اعناق الطغاة وارغمت انوف وانوف يابسة وقلوب متصحرة وزرعت في رمضاء الدنيا قلوب تملئها الحمية والغيرة المحمدية وهو ابيها من قال حينا تلقى الضربة الباغية اوردته موارد العز والفوز صارخا حين تلاقاها فزت ورب الكعبة والحسين وزينب يسمعون تلك الصرخة المعبرة عن السعادة وهل بعد الفوز الا سعادة ولكنها كانت سعادة ملطخة بالدماء والحزن والبكاء ليس ضعفا او انهيارا انما بكاء بكبرياء وبكاء بوفاء وبكاء بثورة وعطاء .. لانتقل الى الجزء الاخر والاخير من العبرة المؤيدة لمدرسة الحزن المنتج ثورة وعطاء وكرامة وتغيير واسالوها تلك الكاتبة الانكليزية فريا ستارك والتي عبرت عن حزنها ووجعها وبكائها وهي تقرأ فاجعة كربلاء والتي قالت:مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا استطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء... انها لم تتصحر ولم تتحجر فيما تصحرت انسانية الاعراب وتحجرت فانجبت نشاز الاصوات سيبقى التاريخ يلفظها كلما مر عليها ..وهذا المستشرق الإنجليزي ادوار دبروان يتكلم عن اجبار قصة الفجيعة الحسينية لمن يطلع عليها ان يحزن ويتوجع ويبكي وهو الذي يقول :وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها... ونقول لادوارد نعم هناك ثمة من تصحرت وتحجرت مشاعره فبات يسمي تكرار الحزن عارا او تخلفا او بغباء تعجرفا !!اما المستشرق الهنغاري أجنانس غولد تسيهر يصور المشهد الذي افضى الى بروز عاطفة الوفاء والمحبة بين صفوف الانسانية بسبب تلك الذكرى العظيمة والتي لو كانت لاي امة غيرنا لكفاها فخرا انها تنتمي اليها :قام بين الحسين بن علي والغاصب الأموي نزاع دام، وقد زودت ساحة كربلاء تاريخ الإسلام بعدد كبير من الشهداء.. اكتسب الحداد عليهم حتى اليوم مظهراً عاطفياً...
اما مابقي لي من قول لهذه الاصوات التي نشزت فافرزت مانسمع ونطلع اقول قد تكونوا من غلف القلوب متجلدي المشاعر لم تحصلوا يوما على تلك المشاعر الجياشة و الاخلاق الانسانية التي من الممكن مخاطبتكم من خلالها ولكن اعلموا ان هذا الكم الهائل من الوفاء قد يعبر عنه البعض بما يراه مناسبا كرساله معينة من خلالها عن مكنون دواخله وعبر مستوى ثقافته وتعليمه وبيئته ومنها البكاء والحزن كمشاعر انسانية نبيلة انما كل هذا الجمع يقول للطغاة ان كنتم بالموت ترعبوني فها انا موجود كما تروني وان كنتم تزعمون اننا ننسى عظمائنا فها هو حزننا وبكائنا على فقدهم يرسل برسالته اليكم وهي رسالة متعددة الشُعب مفادها يقول اننا تجاوزناكم ونسيناكم وانتقلنا بمشاعرنا وبقلوبنا وبدموعنا الى الماضي الدامي عبر مآسي تتكرر اليوم وغدا لانستطيع الا ان نكررمعها العهد والاحزان لانها لم تنقطع تلك النكبات التي تسبب بها امثالكم .
احمد مهدي الياسري
https://telegram.me/buratha