بقلم / داود نادر نوشي
وانت تطالع التصريحات اليومية للسياسيين في العراق لاسيما المتصدين للعملية السياسية منهم، تجدهم يستنكرون ويمتعظون من المحاصصة الحزبية والطائفية التي دخلت العملية السياسية وباتت تنخرها ، بل أن البعض شبهها بالسرطان الذي بدأ ينهش في جسد العراق .والكل يريد الحلول لهذا الداء والوباء ، والمواطن العراقي البسيط يصدق احيانا وتأخذه الحيره احيانا أخرى ولسبب بسيط وتساؤل مشروع وهو من وضع المحاصصة ،ومن بدأها ،ومن عمل بها، ودافع عنها .وبقيت معادات المحاصصة على لسان السياسيين لاتعدوا كونها تنظير ونفاق سياسي وفلسفة وشعارات باتت لاتصدق حتى من قائليها ، ولهذا كان الانتماء الى الوطن والحس الوطني بعيدا عن الكثير من هؤلاء الذين أسسوا للمحاصصة من خلال التفكير الضيق والفئوي للوصول الى كراسي الحكم .
وهذا بطبيعة الحال لاينطبق ألا على المفلسين الذين يرون المحاصصة السبيل الوحيد للوصول الى كراسي السلطة ، وألا فأن صناديق الاقتراع والبرامج السياسية هي الفيصل الاكيد في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ولوتركنا الامور للنهج الديمقراطي الطبيعي لكانت الامور كلها في نصابها الطبيعي والكل يأخذ حقه وحسب حجمه ووجوده ولما وصلنا الى مامر به العراق من الاحتقان الطائفي البغيظ ، وأذا كانت المحاصصة السبيل الوحيد للعميلة السياسية في بداية السقوط ، فقد أن الاوان لكي ننتهي منها والى الابد لاسيما وأن الدستور العراقي لاينص على هكذا امور ، وبالتالي فهي مخالفة دستورية لابد من أنهاءها قبل فوات الاوان .ولكي لايكون العراق لبنانا أخر تتجذر به مفاهيم تقسيم السلطة حسب المكونات الطائفية. وكذلك فأن المحاصصة تعني المحسوبية والمنسوبية والولاء التام للحزب أو الطائفة ، وبذلك تكون حجر عثرة امام تقدم وازدهار البلد والذي تكون فيه المعايير الحزبية والطائفية هي المعيار الذي يتبع في عمل الانسان بعيدا عن الكفاءة والنزاهة والوطنية ، وكل هذا يتنافى مع عملية التحول الديمقراطي ومواد الدستور وكذلك أعراف وحقوق الانسان ، ولانعني بذلك ان الانتماء للحزب او الطائفة شي معيب فكلنا نتشرف بأنتمائنا الطائفي والحزبي وحتى العشائري ، والانتماء الاجتماعي والسياسي حق مشروع وقد تكفل به الدستور ، لكن الانتماء الغير مشروع هو مايجعل هذا الانتماء الى تلك الطائفة او هذا الحزب انتماء اعمى ومتعصب ويقود في كثير من الاحيان الى ألغاء الاخر وهذا مالا ينطبق لأي اساس من أسس الديمقراطية والتعددية التي شرعتها الدساتير الالهية او الوضعية وكذلك الدستور العراقي الذي ضمن للجميع نفس الحقوق والواجبات .
وأمام الساسة العراقيين فرصة لأثبات مصداقيتهم في معارضة المحاصصة وهي المنصب الشاغر لرئيس مجلس النواب ، الذي تدور حوله المفاوضات من اجل الترشيح لهذا المنصب ، وهو وفق المحاصصة من حصة جبهة التوافق ، وفي الامس القريب أطل علينا السيد نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وهو من قادة الجبهة ،على استعداده الكامل للتخلي عن منصبه مقابل الخلاص من المحاصصة ، ولأثبات مصداقية السيد الهاشمي في هذا المجال عليه ان يتنازل هو وجبهة التوافق عن حصتهم في منصب رئيس مجلس النواب حتى يثبت للعراقيين حسن نواياه وأمتعاضه من مبدء المحاصصة ، وألا فأن تصريحاته لاتتعدى كونها نفاق سياسي رخيص ودعاية أنتخابية زائفة وهو القائل ان التخلي عن خيار المحاصصة يتطلب التضحية والتغيير .
اننا كعراقيين نعاني حالة من الاحباط واليأس من بعض السياسيين الذين وظفوا العملية الساسية لمكاسب حزبية وطائفية ضيقة ، ضاربين خلفهم المواطن العراقي الذي تحدى الارهاب من خلال ذهابه الى صناديق الاقتراع كنوع من التأييد للعملية السياسية وأظهار تأييدهم الكامل للعراق الجديد الديمقراطي التعددي ، بعد سنوات الظلم والجور والحرمان التي عاشها المواطن تحت سياط الجلاد والمتمثل بالبعث واجهزة النظام البائد القمعية . بل ان المحاصصة والصراع السياسي يجعل أعداء العراق يرقصون فرحا وهم يتربصون ويستغلون الفرص للكيل بنا والمحاصصة هي العدو اللدود لكل مامن شانه ان يضع العملية السياسية على المسار الصحيح، بل أنها تقف حائلا امام جميع التحولات الديمقراطية .
والمواطن العراقي لايمكن له ان يتفرج الى الابد في ظل هذه الصراعات والمحاصصات والنفاق السياسي، لأنه المعني الاول وصاحب القرار الفصل في تغيير هذا الواقع المر الذي يعيشه ، ولايمكن له التنازل بسهوله عن المكتسبات التي تحققت له في العراق الجديد والتي تضمن له ممارسة سلطته الفعلية في أتخاذ القرار من خلال صناديق الاقتراع التي يريد البعض من السياسيين أن يجيرها بصورة غير دستورية تحت عنواين المحاصصة والوحدة والظروف الخاصة، التي يريد لها أن لا تنتهي لكي حتى تتكرس لهم المناصب والى الابد .
أن بناء دولة ديمقراطية تتماشى مع القيم والاهداف التي وضعها الدستور وبعيدا عن المحاصصة والشعارات والنفاق السياسي ، هو هدف تسعى اليه الاكثرية المطلقة من الشعب العراقي وجميع القوى والتيارات الوطنية والاسلامية ، لأن في ذلك تحقيق لأهدافها وطموحاتها التي ناضلت وجاهدت من اجلها على مدار عقود من الزمن أبان حكم الزمرة البعثية ،وفي المقابل هناك قوى ترفض ذلك وهي مازالت تحلم بعودة المعادلة السابقة ، وحكم الاقلية والحزب الواحد والقائد الفرد الذي يصدر القوانين وعلى الجميع السمع والطاعة .
أذن نحن بحاجة الى دولة القانون والدستور ، والذي يحكمون فينا هم الذين يأتون من خلال صناديق الاقتراع مهما كان لونهم الطائفي أو الحزبي ، وبهذا وحده يكون العراق محط أنظار جميع الدول الاقليمية والعربية ومثال يحتذى به من جميع الشعوب التي مازالت تأن تحت ظلم الدكتاتورية ، وهذا ليس ببعيد مازال فينا الكثير من الوطنيين والمناضلين والمجاهدين الذين أفنوا جل حياتهم لتحقيق الحلم الذي بات حقيقة
https://telegram.me/buratha