المقالات

عرس الحرية

1225 15:11:00 2008-12-30

( بقلم : حسن الهاشمي )

القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب لم يَكُ عمره يتجاوز الرّابعة عشرة يتقدّم إلى عمّه الحسين ليلة عاشوراء، وبعد أن أخبر الإمام أصحابه بالمصير الّذي ينتظرهم صباح عاشوراء، وهو الشّهادة في سبيل الله حيث قال لهم: يا قوم إنّي غداً أُقتل وتقتلون كلّكم معي ولا يبقى منكم احد. فقالوا: الحمد لله الّذي أكرمنا بنصرك وشرَّفنا بالقتل معك.. وهنا تقدّم القاسم لعمّه الحسين(عليه السلام) قائلاً: وأنا فيمن يُقتل؟ وقبل أن يجيبه الإمام سأله: يا بني كيف الموت عندك؟ فأجاب القاسم فوراً: يا عمّ معك أحلى من العسل. (نفس المهموم للشيخ عباس القمي ص230).

كيف يكون الموت أحلى من العسل؟! يكون كذلك إذا كان يؤسس في الأمة الحرية والإنعتاق من طواغيت النفس والشيطان والظالم، والخضوع لجبار السماوات والأرض والانقياد لأحكامه وقوانينه التي فيها خير الدنيا والنجاة في الآخرة، وهكذا لقد جسد القاسم عليه السلام مقولة عمه الإمام الحسين عليه السلام على أرض الواقع وهو القائل: (إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون) نعم لقد جسد هذه المقولة الخالدة خير تجسيد إذ قدم نفسه وهو في ليلة زفافه قربانا للدين والمبدأ والفضيلة، لكي يثبت للشباب أن الذود عن المبادئ هو الذي يعطي للإنسان إنسانيته وهو الذي يضفي على المجتمع هالة الخير والبركة والإيمان.

فالحرية إذا ما ضربت بأطنابها في أعماق الإنسان فإنه ينمو ويتسامى نحو الكمال وكلما عظم الخالق في عين الحر كلما صغر ما دونه أمامه، فالذي يخشى جبار السماوات والأرض لا يهاب ما سواه ويحارب بلا هوادة كل من يقف عائقا لتحقيق مبادئ السماء التي تجلب الحرية والسعادة الحقيقيتين لبني البشر، والموت في هذا الطريق يكون أحلى من العسل لاسيما إذا كان تحت لواء حجة الله على خلقه وسيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول وبضعة البتول الحسين بن علي عليهما السلام. وطالما باتت هواجس رفض الظلم والظالمين تؤرق صفحات حياته التي أبى إلا أن يحفر فيها أخدود الحرية والإباء على مدى الدهور لكي يرتوي منها الوالهون إلى العيش الكريم البعيد عن الغل والذل والإرغام، لذلك قرر القاسم أن يتناول باستشهاده كأس العسل لكي لا يجبرنا أحد على تناول كأس الذل في حياتنا. هذا الشاب اليافع هو من شجرة النبوة الباسقة التي تغنت أبدا بالإباء والحرية ولقنت أعداء الله والرسالات السماوية دروسا لن تنسى أبد الدهر، إنه من مدرسة الحسين، مدرسة الشرف والإباء، مدرسة الحرية والشهادة، تعود لنا في كل عام لتفتح لنا أبوابها مشرعة نستلهم منها المواعظ والعبر والقيم السامية.

فكان لابد للصوت أن ينطلق مدوياً في سماء الحرية، ولابد للضمير أن يهتز أمام الجبروت الجاثم على صدر الأمة، لقد فقد يزيد معنى الإنسانية فهو لا يدرك ولا يعرف للقيم والمبادئ والفضيلة أيُ طريق، هنا ظهر الإمام الحسين ملبياً لنداء السماء من أجل ظهور الحق ورفع راية الإسلام، من أجل حرية المبدأ والفكر، من أجل القيم والمساواة، فالإسلام أعطانا روح القوة بطلب الحرية والعدالة، ولا يكون ذلك إلا بالتضحية.فكان الإمام الحسين رمزاً للتضحية والجهاد فهو الذي ضحى بنفسه وبأهل بيته من أجل أن ينتشل الأمة من جمودها ويحركها للثورة ضد الكيان الأموي الظالم الجاثم على السلطة، فهو يمثل المنقذ للأمة ومحيي تلك الضمائر التي أخرستهم جرائم يزيد وآل زياد، جاء ليغير الواقع الفاسد المنحرف، ولرفع الظلم والاضطهاد عن الأمة الميتة.فلا زال صدى صوت الإمام الشهيد في مسامع كل حر يأبى الضيم والظلم بمقولته (هيهات منا الذلة) يدوي في سماء الحرية التي تهابها الطغاة مدى التاريخ والأزمان.

وقف السبط الشهيد وحيداً كالجبال الراسية بصلابته وشموخه أمام جيش جرار، رغم قلة العدد والعدة، ونرى إن هذه المعركة ضد الباطل كله، وانتصر الدم على السيف، بالرغم من إيماننا التام بأن هذه جريمة كبيرة في حق أهل البيت ولكن اليوم نستلهم منها العبر والدروس لنتعلم معنى الفداء والتضحية الحقيقي.

لقد وصلت رسالة السماء التي خطها أبو عبد الله الحسين للأحرار في العالم بدمه الزكي وعرجت روحه الطاهرة وأرواح شهداء الطف ومنهم القاسم بن الحسن عليهما السلام في سماء الحرية والفضيلة، ولولا تضحيات تلك الثلة الطاهرة لما عرف للإسلام والقيم معنى، وإنما تألقت الحرية أيما تألق وشع نورها في الأكوان ولا تزال البشرية تستضيء بنورها السرمدي الذي لا زوال له ولا انطفاء بتلك التضحيات الجسام التي قدمها سيد الشهداء والثلة المؤمنة التي كانت تحوم ولا زالت حول خلقه ومبادئه وتضحياته الجسام التي لولاها لما استقام الإسلام ولما حضينا اليوم بالعيش تحت ظلاله الوارفة وصدق الشاعر حينما قال عن لسان أبي الأحرار: (إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك