( بقلم : السيد عامر الحسني )
حاتم الطائي شخصية عربية وسيد من سادات قبيلة طيء , وهو من أشهر العرب بالكرم والشهامة ويعد مضرب المثل في الجود والكرم , كان رجلاً يكتنفه الشرف وتسمه الشجاعة وعفة النفس وكرم الأخلاق ولم يكن همه إلا إكرام الضيف . سكن وقومه في بلاد الجبلين التي تسمى الآن منطقة حائل ، وتقع شمال شبه الجزيرة العربية . كان حاتم من فرسان العرب ومن أشجع فرسانها وكان حيثما نزل عرف منزله , وكان مظفراً إذا قاتل غلب وإذا سابق سبق وإذا أسر أطلق وكان يقسم بالله أن لا يقتل واحد أمه وكان إذا أهل شهر الأصم، الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية، ينحر كل يوم عشرة من الإبل . التقى ذات يوم بقوم سألوه : هل من قرى ؟ وكانوا يقصدون طلب اللبن , فقال : تسألوني عن قرى، وقد ترون الإبل ؟ فنحر لهم ثلاثة من الإبل التي كان يرعاها وهو يجهل هويتهم . فقالوا : إنما أردنا بالقرى اللبن ، وكانت تكفينا بعير بكر. فقال حاتم: قد عرفت، ولكني أردت أن أحسن إليكم ، فكان لكم الفضل عليّ ، وأنا أعاهد الله أن أضرب عراقيب إبلي عن آخرها، أو تقدموا إليها فتقتسموها.... ففعلوا.مات حاتم الطائي , فأراد اخوه أن يتشبه به , فقالت له أمه :لا تتعب نفسك فلن تبلغ مرادكفقال : وما يمنعني وهو أخي وشقيقي ؟فقالت: إنه كلما أرضعته لا يرضى أن يرضع حتى آتيه بمن يشاركه الثدي الآخر, بينما كنت أنت إذا أرضعتك ودخل رضيع آخر بكيت حتى يخرج......
يحكم شبه الجزيرة العربية أسرة اغتصبت واقتطعت أرضاً وأسست عليها كياناً أسمته جزافاً بـ ( المملكة العربية السعودية ) تحالف رئيس هذه العائلة ومؤسس كيانها (عبد العزيز ابن سعود) قبل العديد من السنين مع الولايات المتحدة الأميركية حيث التقى الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين دي روزفلت في 14 فبراير 1945 على ظهر الطراد الامريكي (كوينسي) في البحيرات المرة الكبرى بقناة السويس .
وقد أوضح ابن سعود في ذلك اللقاء رغبته في صداقة روزفلت ودعمه كما كان يطلب صداقات رؤساء القبائل ليدعم بها تحالفاته معهم. ولقد أعطى روزفلت عهودا شفهية مؤكدة إلى ابن سعود كانت هي بمثابة اللبنات الأولى لتحالف ستراتيجي طويل الأمد بين أقوى دولة في العالم وبين كيان قبلي اغتصب أرضاً بالقوة , واختتم الاجتماع بهدية وعد بها فرانكلين روزفلت ابن سعود عبارة عن طائرة دي سي 3 مع طيارها حال عودته إلى أمريكا.
قبل أكثر من قرنين من الزمان أصدرت بعض الأمم دساتير سياسية نظمت فيها مسير حياتها من أجل أن تعرف شعوبها السلوك الواجب إتباعه في التعامل مع الآخرين .ففي 14 أيار 1784 دعا مجلس الشيوخ الأمريكي إلى عقد مؤتمر لمناقشة أمر الدستور ، وبدأ في مناقشة الدستور الجديد ، وبعد مساجلات عنيفة ما بين المؤتمرين اقر الدستور الأمريكي بافتتاحيته التالية :((نحن ، شعب الولايات المتحدة ، وحتى نشكل وحدة متكاملة ، و يتم العدل و نضمن الأمن القومي ، و نزود حماية عامة ، و نبني مستقبلا جيدا و نؤمن الحرية لأنفسنا نتبنى هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية )) .وكانت الإشارة إلى كلمة دين في الدستور قد استخدمت للتأكيد على عدم التمييز بين المواطنين على أساس عقائدهم ، فالفقرة السادسة من الدستور الأمريكي تنص على أنه ليس من الوارد إجراء اختبار ديني لأي شخص يرغب في شغل أي وظيفة حكومية.
لقد حاول الكيان السعودي الرديف الأول لتحالف (كوينسي) أن يحذو حذو نظيره في التحالف من أجل اللحاق بالركب الحضاري معتقداً وعلى خطأ بأن هذا الركب أشبه بسباق خيول يجري في مضمار سباق الخيل في الملز الذي يشرف عليه رئيس نادي الفروسية عبد الله بن عبد العزيز حيث بإمكان أي أمير أن يشتري أفضل جواد وبسعر خيالي ليفوز بالسباق , ولكن من الذي سوف يمتطي صهوة الجواد ؟
لقد رفض أصحاب الكيان تأسيس دستور مكتوب على غرار دستور حليفهم حتى لا يحرجوا ويقولوا بافتتاحيته عند إقراره : نحن ، شعب شبه الجزيرة العربية نشكل وحدة متكاملة ويتم العدل ونزود حماية عامة ، ونؤمن الحرية ونؤكد على عدم التمييز بين المواطنين على أساس عقائدهم ، ولا نريد إجراء اختبار ديني لأي شخص يرغب في شغل أي وظيفة حكومية. لقد كان أعضاء ذلك الكيان يتلاعبون بالألفاظ عندما يسألون عن الدستور من قبل الصحفيين المندهشين لدولة لا تملك دستوراً , ففي عام 1964 سأل مندوب الإذاعة البريطانية فيصل بن عبد العزيز قائلاً له : سمو الأمير، لكل بلد دستور مكتوب يبين واجبات وحقوق الغير والدولة ، فهل تعتقدون أن الوقت قد حان لوضع دستور المملكة ؟ أم أنكم في تقديم الأهم على المهم ترون أن الوقت لم يحن بعد ؟ أجابه فيصل: أظن أن دستور المملكة أقدم دستور في العالم وقد مضى على كتابته أكثر من 1300 سنة وهو القرآن الكريم. فمن يساعده الحظ أن يكون القرآن دستوره فهل يتطلع إلى أي دستور وضعي آخر؟!! أظن هذا شيء مفروغ منه. نشر هذا التصريح في جريدة أم القرى في 10 أبريل 1964 .كان فيصل يشغل منصب ولي العهد آنذاك وبعد سبعة أشهر من هذا التصريح أصبح (ملكاً) بعد إقصاء أخوه (الملك) سعود من الحكم ، وكان مستلماً لسلطات الملك في مارس من نفس العام بقرار من رجال المؤسسة الوهابية وأفراد عائلة آل سعود .
لقد أنفق الكيان السعودي المليارات من الدولارات لشراء الذمم وشراء العديد من أطنان الحديد والتي سماها بأسلحة لا زالت تقبع في مخازن الجيش لا يمسها إنسان وبحجة الدفاع عن البلاد الذي لم يدخل حرباً خارجية لحد الآن ولم يثبت فيه جنوده بأنهم أهلاً لاستخدام ذلك السلاح , كما لم يمتطي جوادهم فارساً اجتاز المضمار بنجاح , وما التصفيق الذي حدث إلا للجواد كونه أجنبي .
إن الحلف الطويل الأمد بين الكيان السعودي والولايات المتحدة كان بالأصل هو رعاية المصالح الأمريكية مقابل حماية أمريكية للجيش السعودي ومخازن سلاحه من السرقة. ولقد افتخر رئيس الولايات المتحدة (بوش) عندما تم الاعتداء عليه في المؤتمر الصحفي مع رئيس الحكومة العراقية بأنه رئيس لبلد ديمقراطي يتقبل الاعتداء بصدر رحب وذلك وفقاً للتعهد الذي ألزم نفسه به عند توليه لإدارة الدولة بأنه سوف يطبق الدستور حيث إن البند الأول من الدستور قد ضمن وإلى الأبد حرية الكلام والنشر وتنظيم التجمعات وحماية حق المواطنين بالعبادة كما يشاءون وضمن لهم حق الاعتراض على سياسات الحكومة وتغييرها.
أما الطرف الآخر من الحلف فقد استشاط غضباً لخروج مسيرة سلمية قام بها مواطنون عرب من الطائفة الشيعية احتجاجاً على حصار غزة الذي أدى إلى إهلاك مواطنون عرب يدينون بنفس المذهب الإسلامي للكيان السعودي.... فأي مفارقة هذه ؟!لقد كان شيوخ الكيان السعودي يتصورون بأنه من السهل جداً أن يشاركوا في مضمار سباق نادي العالم المتحضر بجواد ثمين في الوقت الذي يجلس الفرسان القرفصاء في انتظار فرصة المشاركة بالسباق .لقد تقبل بوش الاهانة بلطف , لكنه كان يضحك بملأ فمه من رجال يحملون السيف في رقصة فلكلورية تقزز النفس أمام الجمهور , وفي السر يقطعون فيه رقبة رجل خرج ضمن جمهرة بريئة في شوارع القطيف , أو شاب رفض تمييز وقع عليه بسبب دينه .
لقد كان رئيس الكيان السعودي يلح كثيراً للدخول في نادي الدول الكبرى حتى وان كان الثمن أن يشرب معهم وبكؤوسهم ما هو محرم عليه . لقد فات في عضد رئيس ذلك الكيان ان أصحاب ذلك النادي هم رؤوساء لدول متحضرة يقبلون اهانة من صحفي أو من مواطن عادي وقع عليه ظلم , ولا يمكن أن يتسامحوا بوجود كيان مهزوز رئيسه تقبل وفي لحظة ضعف ان يتخلى عن مبادئه ويشرب ما حرمه الله عليه , ويعتقل ويعذب ويعدم من يخرج ويهتف وبسلم منتصراً لمواطنين من أبناء جلدته , أو يحجز في صحراء رفحاء ضيوف عرب من الشيعة استجاروا به . أراد العاهل ان يتشبه بحاتم الطائي الذي عاش في حائل وهو على دين المسيحية , الا ان امه كانت تعرف بأنه لا يمكن أن يكون مثل حاتم من يحمل سيفاً يقطع به رؤوس معارضيه لان هذا من فعل قطاع الطرق وليس من فرسان العرب .
https://telegram.me/buratha