المقالات

الحـرب غيـر المعلنـة ... واقتصـاد الحـرب

1278 19:21:00 2008-12-26

فارس حامد عبد الكريم نائب رئيس هيئة النزاهة

ابتداءاً من سنة 2005 دخل العراق في حالة حرب غير معلنة مع تنظيم القاعدة وعدد من دول الجوار التي استقطبت وجندت المقاتلين من جنسيات مختلفة ومن مختلف بقاع الأرض ودربتهم تدريباً عال المستوى بعد ان زودتهم بالأسلحة المتطورة والأجهزة الفنية والإعلامية والمعلومات الاستخبارية ، فضلاً عما رصد لهم من ميزانية مالية ضخمة ، وأرسلتهم الى العراق مع قادة مختارين بعناية هم في الأصل عناصر جهات مخابراتية عربية مستمرين بالخدمة في أجهزة بلادهم ، فكانت ارض العراق ومدنه مسرحاً لهذه الحرب.

وكان خطاب العدو السياسي يتحدث عن شن الحرب على العراقيين الكفار ، كما وأفتى شيوخهم ان كل ما يكسب من هذه المعارك يعد غنائم حرب ، سواء كان من الأشياء او من البشر ، فهي الحرب أذا في حقيقتها ومعناها.

وفي الوقت الذي التزم به العراق بقواعد القتال النظيفة ، كان العدو يعمل بلا أية ضوابط او قواعد حتى تلك التي اشترطتها المواثيق الدولية واتفاقيات جنيف كحد أدنى للاعتراف بشرعية أية جماعة مسلحة. ومنها عدم جواز الاحتماء بالمدنيين وإتباع القواعد الدولية المنظمة لمعاملة الأسرى.

فكان لزاماً على القوات العراقية ان تلتزم بكافة المواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان والدستور والقانون العراقي وهي تقبض على أفراد العدو وان تعامله معاملة ممتازة وان تعرضه على القضاء فوراً.

بينما كان العدو يقيم احتفاليات لذبح عموم العراقيين وأفراد الجيش أو الشرطة علناً ويجبر السكان المحليين على حضورها ، بل انه تفنن في الانتقام حتى ارتكبت أبشع الجرائم بحق عوائل منتسبي القوات المسلحة وعموم أفراد الشعب ، واغتصبت الفتيات بعد ان اعتبرن غنائم حرب بطرق بشعة يندى لها جبين البشرية ، وتلت ذلك مرحلة تفجير الأسواق والمساجد التي تغص بالسكان المدنيين الأبرياء ، ونالت جرائمهم تلك تأييداً من الشارع العربي تدرج بين التصريح العلني او السكوت عن إدانة تلك الجرائم التي ارتكبت بحق شعب غالبيته من العرب والمسلمين وكان له مواقفه الرائدة تجاه القضايا العربية والإسلامية. وعلى هذا النحو كانت المعركة غير متكافئة، والنصر فيها صعب. ولضخامة التهديد الذي مس سلامة العراق وسلامة شعبه ، كان على الحكومة العراقية ان تعمل وفقاً لمعايير اقتصاد الحرب ، والمعلوم ان اقتصاد الحرب ، يقوم على فكرة تكييف النشاط الاقتصادي لتلبية نفقات الاحتياجات العسكرية بشكل كامل بينما تضغط ميزانية النفقات المدنية وتلبى الاحتياجات الأساسية منها فقط.

ومن المنظور الاقتصادي فان النفقات العسكرية لا تعد مجرد اقتطاع من الفعاليات الاقتصادية وإنما أداة تدمير للنشاط الاقتصادي برمته. فالجيش مؤسسة استهلاكية ويتطلب تجهيزها واعداها ورواتب منتسبيها مبالغ طائلة ، وعلى سبيل المثال كلفت الحرب التي شنها التحالف الدولي على العراق سنة 1991 التي استمرت حوالي الشهر اكثر من 150 مليار دولار. بالنسبة لجيوش مهيأة للقتال أصلا.بينما كان على الحكومة العراقية ان تبني جيشاً وقوات أمن بجميع معداتهما من جديد ابتداءً.

ان اقتصاد الحرب يعني في النهاية تقليص الخدمات المدنية والتركيز على الإنفاق العسكري ، لأنه لا يمكن إنفاق الأموال على الخدمات في مقابل احتمال سقوط الدولة. ودعمت هذه الحرب بخطاب إعلامي يستند الى العلم والخبرة هو اعلام حرب. وعلى هذا الحال كانت هزيمة هذا العدو معجزة بحق ، معجزة نصر كبير ساهم في صنعه كل ابناء العراق الشرفاء ، بعد قدموا تضحيات غالية وهم يتحدون العدو بكل جرأة وبسالة.

ففي ظل ظروف مشابهة في دول عديدة، توقفت الحياة توقفاً شبه تام بجميع مظاهرها الرسمية وغير الرسمية ، بينما في ظل أقسى تلك الأيام وأكثرها دموية كانت الأمهات العراقيات والآباء يقودون أبنائهم الى المدارس كل صباح ، وهم اعز خلق الله لديهم ، وكانت الدوائر الرسمية تعمل بلا توقف رغم استهداف حياة مئات الموظفين أوتهديدهم بالقتل او الخطف .

كذلك كانت الأسواق عامرة بالناس وبالبضائع رغم ضخامة عدد العجلات المفخخة والانتحاريين ، التي لم يكن يمر يوم إلا وحدث في احدها انفجار انتحاري ليذهب ضحيته العشرات او المئات من الأبرياء. وتحت أزيز الرصاص ودوي الصواريخ المجهولة والقناصة المجرمين توجه أكثر من 12 مليون عراقي بملء أرادتهم لانتخاب حكومتهم الوطنية، في ظاهرة قل نظيرها بين الشعوب حتى في ظل الظروف الاعتيادية. وكان شباب العراق يتجمهرون للتطوع في الجيش والشرطة بأعداد ضخمة أمام مراكز التطوع بكل إصرار وتحدي ، رغم استهدافهم من العدو عشرات المرات . ولتبدأ بعد النصر المؤزر، معركة من لون وطعم أخر، هي معركة الخدمات والبناء والأعمار، معركة صنع العراق الجديد.هكذا شعب لا يمكن أن يخسر معركة، لأنه يقدر قيمة الحياة.*************بغداد في 25 /12/2008فارس حامد عبد الكريم العجرش الزبيدينائب رئيس هيئة النزاهةماجستير في القانونباحث في فلسفة القانون والثقافة العامة بغداد ـ العراق http://farisalajrish.maktoobblog.com/

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
فارس حامد عبد الكريم
2008-12-27
الاخ الفاضل ابو زهراء المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله وافضل الصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الاطهار وصحبه النجباء وسلم .اما بعد يسعدني دائماً ان اجد تعليقاً من اخواني العراقيين سواء كان بالايجاب فاعرف اني اسير على الطريق الصحيح او بالسلب فأعيد تقويم نفسي،فما اكتب الا خدمة لاهل وطني،متمنياً لهم دائماً السمو والحياة الحرة الكريمة فهم شعب الحضارات العظمى في التاريخ،ولانرجو ان يسبقهم احد.ودمتم بخير وعافية.
أبو ستير
2008-12-27
إستاذنا العزيز ... لك كل التحية المباركة و الدعاء الخالص . أجدني منون جدا لموظف بمركز ذو حساسية مؤثرة في مجتمعي يعرض ما لديه بموقع ذو خدمة عامة مثل براثا . أخي العزيز لدي طلب وحيد و بسيط المتابعة نسبيا من قبل هيأتكم المؤثرة في وزارات الدولة العراقية الفتية و هو : التركيز التركيز الشديد الشديد على وزارة التـربيـــة و التعليم و أداءها الوطني و العلمي و الأخلاقي . لأن هذه الوزارة لها معظم الأثر على نوعية و جودة المواطن مستقبلا و حاليا و لا تتحمل أي فساد . شكرا جزيلا و السلام
ابو زهراء
2008-12-27
الاستاذ الفاضل فارس المحترم السلام عليكم بارك الله فيكم على هذه المقاله ومن خلال منصبك الحالي كنائب رئيس هيئة النزاهة يرجى نشر بعض الحقائق حول الفساد الاداري في بعض الوزارات والاخيرة والتي كانت في وزارة التجارة واكتشاف من قبل مهندس الطحين المسموم وارادت ان تقضي على معظم الناس الابرياء وغيرها من الفساد الاداري في بعض الوزارت واتمنى ان تركزوا على هذا الموضوع لان البلد يمر في فساد اداري لا مثيل له وان تنشروا قدر المستطاع هذه الحقائق واتمنى من هيئة النزاهة ان تفتح بكل وزارة فرع لها وشكرا
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك