(مقال منشور في مجلة الاوقات العراقية لوزير التخطيط د.علي غالب بابان)
جاء الإنحدار السريع والكبير في عائدات النفط ليضعنا أمام واقع جديد لم نكن متهيئين له من قبل، فقد تكاثفت الأسئلة حول مصير عملية التنمية في العراق وسبل تمويل المشاريع الجيدة التي بات المواطن في أشد الحاجة إليها، وحاول البعض أن يرسم سيناريوهات عدة عن (عراق بلا نفط... ) يستبين فيه إحتمالات مستقبلية تلوح في الأفق يفقد فيها النفط دوره كسلعة جاذبة للعوائد والإستثمارات، ورغم ماقد يثار ضد هذه السيناريوهات من تهم بالتشاؤم او المبالغة، إلا ان الأمم الواعية الرشيدة لابد ان تتعامل مع كل الإحتمالات بمنتهى الجدية والجاهزية...قد لا يكون غروب شمس النفط وشيكاً ولكن يوماً ما.. طال الزمن أم قصر... بسبب تراجع السعر او تدني الإنتاج، لن تقدر العوائد النفطية أن تلبي إحتياجات التنمية في العراق، وعند ذاك ستبرز مشكلة كبيرة ويطرح سوأل أساسي... ما ألبديل..؟؟... هنا يجب أن نقف لنقول ان الإستثمار في الإنسان هو أجدى و اكثر انواع الإستثمار....
وانه يوم تنضب حقول النفط من العطاء او تتراجع خيراتها لن يبق سوى الإنسان العراقي على هذه الأرض... وكما عاش قروناً قبل إكتشاف النفط وكانت بلاده مضرب الأمثال في الغنى والرخاء فأنه سيعيش قروناً اخرى مديدة على هذه الأرض الزاخرة بالخيرات.. وأول خيراتها وأعظم عطاياها هو الإنسان العراقي أثمن ما على ارض الرافدين.. الإنسان في هذا الوطن هو صانع الخير والتنمية وهو بلا أي شك مفتاح الإزدهار والمستقبل في بلادنا... وهو أغلى الف مرة من سلعة النفط.
الإنسان العراقي.. ثقافة وإنفتاحاً وعلماً وعافية وظروفا معيشية كريمة هو ما يجب ان يكون هدف التنمية في بلادنا وهو الأولوية المطلقة التي لا تتقدم عليها أية أولوية أخرى...هذا الانسان.. الذي تحاصره الأزمات والهموم اليوم.. وتحف به المخاطر والتحديات... يستحق ان يمنح الإمتياز ونحن نحاول ان نعوض تراجع دخل النفط, لأن هذا الإنسان ذو الخصائص الثقافية والصحية والمعاشية الرفيعة هو الذي سوف يشكل رافعة التنمية التي ستنهض بالعراق مرة أخرى وليس بمقدور اية ثروة مادية أن تفعل ذلك مهما عظمت... هذا العراقي الذي علم الإنسانية الحروف والأبجدية وشرع لها اول قانون مازال بمقدوره ان يصنع الأعاجيب لو توفرت له البيئة المناسبة لذلك... ولو حصل على العناية التي صارت اليوم من حقوق الإنسان المعروفة ومن بديهيات الحياة المعاصرة...
إنتهت تجارب الأمم المتحضرة الى انه لا تنمية حقيقية بلا نهوض بالإنسان وخصائصه... والإستثمار في الإنسان محقق الأرباح في أي زمان ومكان..وهو الأعلى ربحية من دون جميع الإستثمارات...وهناك في كوكبنا اليوم أمم تعيش على أرض فقيرة الموارد.. جدباء في خيراتها.. ولكنها ثرية في إنسانها وموطنها الذي حول الفقر في بيئته إلى ثراء حقيقي... لا بديل لنا ان فكرنا في ان نعيد لبلاد مابين النهرين دورها وتألقها.. من ان نفكر بالإنسان وأن نستثمر في الإنسان...
العراقي الذي صار اليوم في العالم أجمع رمزا للمعاناة هو العراقي الذي يمكن ان يصبح في الغد مثالاً للعطاء الحضاري ونموذجاً للإنسان السعيد...دعونا نصوب أعيننا نحو الإنسان.. ونركز على التعليم والتدريب والصحة والتقنية والإبتكار، دعونا نثق بقدرة العراقي في ان يواجه أي تحد جديد تتراجع فيه مدخولات النفط, فحضارة وادي الرافدين لم تبدأ مع النفط ولكنها كانت قبله وسوف تستمر بعده..فلسنا امة بلا جذور كحال الأمم التي هي كالأعشاب الطفيلية التي تكاثرت حول آبار النفط...الإنسان العراقي اولاً.. شعار يجب ان يجد تجسيده في خطط التنمية.. ومشاريع البناء ... ورؤى المستقبل... فهذا هو طريق الأمل والرشد... ولا طريق غيره.
https://telegram.me/buratha