( بقلم : د. سامـر نديــم )
يختلـف العـرب عن كل أقـوام الأرض بتمجيـدهـم للمؤذي وإستحقارهـم للمفيــد !! فهـم يتفاخـرون بأسمـاء الذئب والأسـد والضبـع والنمـر وكل المفترسـات التي تفتـك بهـم وبأغنامهــم وإبلهــم ويربطونهـا بأسمائهـم !! بينمـا يستحقـرون كل مفيــد لهـم !! فالعربـي يأبـى أن يـُكنـى بفـلان الكلـب بينمـا يفتخـر حين يـُطلـق عليـه تسميـه فـلان النمـر أو فـلان الأسـد ؟ مع إن الكلـب والله أشــد وفـــاءا وأكـثر فائــدة من النمــرو الأســد ، كذلك الأمـر بالنسبـة للخـروف والحمـار و.......الحــذاء !؟؟ فنحن العـرب نستكـبرها من مفـردة إن وردت فـي مجالسنــا أو تعاملاتنــا ، مع إن الحـذاء ذو فائــدة كـبيرة لنــا أكـثر بكـثير من بعـض البشـر ومن (بعـض) الـنواب !! فالحـذاء لا يـؤذي ولا يقتــل ، بـل يقــي ويفيــد !! لهــذا ولكل ماتقــدم لــم يهتــم لأمـر ضـرب الرئيـس الأمريكـي " بـوش " بالحــذاء سـوانـا نحن العـرب ، حين أعــاد لنــا حـذاء الزيــدي كرامتنــا المفقــودة وشموخنـا المهــدور . هــذه هـي حياتنــا تناقضـات فـي تناقضـات ، فالمُستحقــَر لدينــا يـُعيــد لنــا كرامـة !! وذو الفائــدة يهـين لنـا الكرامـة ؟!!! .
حـزب البعـث سـئ الصيـت لا يَفـِرق شيئــا فـي تمسكـه بتـلك المتضادات عن أمـة العـرب ، فهـو إبن بيئتــه كمـا قال عنـه عضـو ٌسابـق ٌ فـي أحـد الفـروع المنبثقــة من شـارع 52 ، فلقــد لعـب الحــذاء دورا هامـا في تأريـخ هــذا الحـزب المناضل (حـد العظـم ) حين أحتـذت قاعدتـه بسـيرة قياداتهــا وسـارت مرفوعـة الرأس شامخـة الهامـة وهـي تلبـس الأحذيـة والقنـادر رافضـة ً لبـس كل ما هـو معيـب لسمعـة الحـزب والثـورة كالصنادل والشحاطـات والنعـلان ، التي ترمـز الى التخـاذل المرحلـي أمـام الهجمة الشرسـة للإستعمـار والأمبرياليـة العالمية ، من هنــا قـال القائــد الحفـري الذي إذا شخــر َشخـر َ العـراق : كنتـم حفـاة ً ينـام العقـرب فـي فطـور أقدامكـم حتى ألبسناكــم الأحذيـة !! وتحديــدا ً الأحذيــة أم القيطــان علامـة زبلــوق !! .... ثــم أستدرك قائـلا : إلا الرفيـق عــزت فهـو يلبـس قبغلــي ( أي بدون قيطـان ) لأنـه لا يحـل ولا يربــط ! وأردفهـا بضحكتـه المعروفـة هـيهيهـي هــا .
بعــد تـلك الأقـوال التي دخلـت التأريخ من أوسـع فتحاتــه حاولـت جاهــدا أن أفهـم المغـزى الذي يجعل البعثيون مهتمين بموضـوع الأحذيـة دون سواهـا من الملبوسـات ، وهـل كـان آباؤنــا وأجدادنــا حفــاة فعــلا ؟؟ وهـل كـان أبو القاسـم الطنبـوري بعثيــا بدرجـة عضـو شعبــة – ب – كـي يتخلـص من حذاءه الإمبريالـي علامـة " باتــا " ليلبـس حـذاءا بعثيــا صنـع " جلــود ولشهـداء البعـث المجـد والخلـود " ؟؟ وفي هـذا الصـدد أذكــرأننـي وفي بدايـة التسعينيـات وقفــت مطولا أمـام صـورة فوتوغرافيـة لبغــداد أيـام ثـورة العشـرين كـان يعرضهـا للنــاس كالـيري الكـرادة ، كـانـت الصـورة لشاعـر تـلك الثـورة محمـد مهـدي البصـير وهـو يخطـب بالجماهـير التي تجمعـت حولــه ، أثـارت وضعيتـي إنتبـاه صاحـب المحـل فجـاء يسألنـي عن سـبب هــذا الإمعــان الغريـب في هـذه الصـورة بالـذات دون سواهــا من الصـور المعروضـة ، فقلـت لـه أرجـوك أن تفتـش معـي عن أي رجـل حافـي الـقـدمـين يظهـر في هـذا التجمـع ؟! إستغـرب الرجـل ووقـف حائـرا فقلـت له يا أخـي لا تحتـار.... فصـدام يقـول إنكـم كنتـم حفــاة ونحـن من ألبسكـم الأحذيـة وأريـد أن أعـرف هل كان أجدادنـا فعـلا حفـاة !! ... لا أزال أذكـر صوت الضحكـة التي أطلقهـا الرجـل وهـو يسمـع قولـي هــذا !! .
وبهـذه المناسبــة لا يفوتنـي أن أذكـر لكـم نكتــة طريفـة تداولهــا أهالـي بغــداد أثنـاء الحملـة الكـبرى التي أطلقتهــا قيــادة ( الحـزب والثـورة ) لكسـب فلاحـي الجـنوب هــذا نصهــا :
في إجتمـاع حزبـي لمجموعـة من الفلاحـين جلــس المسـؤول البعثـي والى جانبـه مسؤول الجمعيـات الفلاحيـة ، وما إن بــدأ المسؤول كلامـه حتى قاطعـه أحـد الفلاحين : رفيغـي ...رفيغــي ؟ ولمـّا لـم يتـرك له مجـالا للكـلام صـاح بـه : شتريــد؟ متكلـي إشبيـك ؟ فقـال الفـلاح المسكـين : رفيغـي ، أشـو العـام وزعتولنــا هديمـات وغنـادر ( أي قنادر) وهالسنـة وزعتولنــا لهديمـات والغنــادر كليتوهــا علينــا ( أي أكلتوهـا علينــا ) فما كـان من مسؤول الجمعيات الفلاحيـة إلا أن صـرخ بوجـه الفـلاح المسكـين : أسكـت ولك ..خلي المسعـول ياكــل خـ... ( أجلكـم الله ) .
فـي مذكـرات الكاتـب حسـن العلـوي يذكـر إن صدامـا وفـي سفـرتـه الى فرنسـا عـام 1975 أراد أن يشــتري هديـة لأحمـد حسن البكـر رئيس الجمهوريـة الأسبـق ، تـرك صـدام كل شـئ وأشـترى حــذاءا بمبلـغ مئتـي دولار( ؟؟ ) وطلـب من الجميـع أن لا يذكـروا المبلـغ الحقيقـي للحـذاء أمـام البكـر ، وإذا مـا أصـر على ذلك فقولــوا عشـرين دولارا فقــط ! يقـول العلـوي إن البكـر حين سمـع بالمبلـغ المتفـق عليـه (أي العشرون دولار) صـرخ قائـلا لصـدام : يا أخـي شـنو هالتبذيـر ؟ جـان جبتللـي قنــدرة من "جلـود ولشهدائنــا المجـد والخلـود " وفضيتهــا ؟ . هــذا الحـادث وغـيره يثبــت إن للأحذيــة حـيزا كـبيرا فـي عقليــة الكـادر القيــادي لحـزب البعـث ، فبعــد هزيمـة صـدام حسـين عـام 1991 أصـدر أمـرا للرسامـة ليلـى العطـار برسـم صـورة للرئيـس الأمريكـي جورج بــوش الأب توضـع على أرضيـة مدخـل فنــدق الرشيــد كـي يـدوس عليهــا من يـروم الدخـول الى الفنـدق وخاصة فـرق التفتيـش الدوليــة ، فرفضت تلك الفـرق المكـوث بالفنـدق المذكـور وأستبدلتــه بفنـدق القنــاة .
لــم تنتهـي جعبــة البعـث من الأمثلـة فهـي مليئــة دائمـا بالأحذيـة ، وإليكـم بعضـا منهــا :
- أثناء مؤتمـر صحفــي لعدنـان خـير الله طلفـاح صهـر صـدام والذي كان حينهـا وزيـرا للدفـاع سألـه أحـد الصحفيين عن ردة فعـل القيــادة إذا ما هوجمـت من قبـل جهـات معاديـة فأجـاب : نضربهـم بالقنــا..... وسكـت .... قاصدا ً ( بالقنـادر ) ثـم أردف ..... بالقنـابـل لخاطركـم .
- علي حسن المجيــد المعـروف بـ ( علـي كيميـاوي ) أجـاب عن سـؤال مشابـه قائـلا : نسحـك ( نسحـق ) راسـو بالـبوت إل حَمـَر ( أي الجزمـة الحمـراء ) .
- أمـا صـدام حسـين وفـي لقــاء مـع شــيوخ عشائـر أحـدى المحافظـات : ( كنــا حفــاة ، وإذا إشترى أحدنــا حـذاءا جديــدا لا يلبسـه إلا على الطريـق العــام ، لأنـه مبلــط وخالـي من الطـين والـتراب ، فكنــا نعلــق فردتـي الحـذاء على رقابنــا بعـد أن نعقــد قيطان الفـردتـين .....نتحمـل وخـز الشـوك وألمـه كـي لا يبلـى الحـذاء ) . ولــم يســع البعثـيون أن تمـر ذكـرى إلقـاء القبـض على أشهـر جـرد في التأريـخ دون بصمـة حـذائيــة ، فدفعــوا بأخـرق كي يستخـدم حـذاءيـه خدمـة للنضـال القومـي للحـزب . ويبــدو إن هـؤلاء لا يعرفـون للقانـون معنـى ً ؟ يستكـثرون علينـا أن نكـون شعبــا متمدنــا يحـترم القانـون ويحاسـب الخارجـين عنـه ؟ وإلا لماذا يريـدون منـا مباركـة خـرق القانــون ؟؟ .والى لقــاء قــادم .......
https://telegram.me/buratha