( بقلم : سليم سوزه )
المُظلم في المشهد التراجيدي الذي حدث اثناء المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس الامريكي بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بغداد، حيث رمى فيه الصحفي منتظر الزيدي بحذائه صوب الرئيس الامريكي، هو كونه مشهداً تمثيلياً مرتباً اساء فيه المذكور وللاسف الشديد الى الصحافة والى القواعد الخلقية التي ينبغي ان يتمتع بها الصحفي خلال العمل.اما المُضيء في هذا، فلا احد ينكره، عدواً كان ام صديقاً، من ان هذا (الحذاء) قد اثبت للعالم ولدول الشرق الاوسط بالخصوص، حجم الديمقراطية التي يمتلكها العراقيون في عراقهم الجديد، لانه باختصار شديد، لو حصل هذا في اي بلد عربي اليوم لاستنفرت كل صنوف الامن والاستخبارات وفيالق الجيش، ولوُضعت فوهات المدافع والهاونات فضلاً عن البنادق على اهبة الاستعداد بوجه الصحفي وعائلته واصدقائه واقاربه حتى الدرجة العاشرة.
لا يهمني الزيدي ولا فعلته التي اجزم بانها حصلت من اجل الشهرة والبروز ولاني مؤمن كذلك بان ما حققه الزيدي في حركته هذه، والتي استمرت بضع ثواني فحسب، لم يكن يحققه في روتين عمله الصحفي حتى على الخمسين سنة المنظورة...لكن ما يهمني فعلاً هو ردة فعل الفضائيات العربية وبعض العراقية على هذا الامر.
ما زلت اتذكر وجه مذيعة قناة الجزيرة وهي تذيع الخبر بكل نشوة وحلاوة وكيف انها كانت تتقطع بانفاسها كما لو كانت في وضع لا يمكن ذكره هنا .. فقد صنعت من (قندرة) الزيدي رمزاً للمقاومة وربطت بينها وبين (قندرة) خروشوف في خطوة علّها تسد النقص التي تشعر به وبقية كادر الجزيرة في موضوعة الكرامة، ولا ادري لماذا لم يستخدموا (قنادرهم) بوجه (اصدقائهم) في قاعدة (سيليا) التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات فقط عن مقر القناة او على الاقل بوجه ليفني وهي تتجول في اسواق قطر.
اعتقد اننا نشهد ولادة بطل قومي جديد ستحتفل به الامة العربية كلما وجدت (حذاءاً) قديماً يحتاج الى المزيد من التلميع، كما هو ديدنها في تلميع صور الفاشلين بدءاً من عبد الناصر وانتهاءاً بصدام، وستستعيره كجزء من تاريخها المجيد كلما اقتضت الضرورة لذلك ... وليس هذا فحسب بل ربما سيتبرع القذافي مجدداً ليصنع تمثالاً جديداً للبطل الجديد، ويضعه بجانب تمثال الدكتاتور النافق صدام وسط العاصمة الليبية .. والله العالم ما سيكون بعد في المستقبل القريب.
ابرز ما لفت انتباهي هو العاجل الذي ظهر بعد ساعات فقط من الحادثة على شاشة قناة البابلية العراقية للسيد صالح المطلق (الذي يُقال بانه يملك اسهماً فيها) وهو يستنكر فيها الطريقة التي عومل بها الصحفي بعد ان قام بفعلته تلك، وكأنه يريد من رجال الامن تركه يسرح ويمرح ويضرب مَن يشاء .. بالله عليكم تخيّلوا لو ان المطلق هو من كان موجوداً بجوار بوش كرئيس وزراء وليس المالكي.. ماذا يمكن ان يحدث في حال حصول مثل هذه الحادثة!
لقد ايقظ الزيدي الشعور القومي المهزوم وهيج المشاعر العروبية التي كنا نظن بانها زالت من مخيلة العربان بعد النكبات التي مُنيوا بها، كما استنفرت فضائيات عربية وعراقية باناشيدها الوطنية والحربية لحد الآن، وكأننا في معركة جديدة من معارك قائد الضرورة الخاكية .. ليس لانها على موعد قريب من منازلة اكيدة ضد (الاعداء)، بل لانها اكتشفت صنديداً جديداً يمكن له ان يصون البوابة الشرقية للوطن العربي، بعد ان (صانها) بطل التحرير القومي النافق من قبل.
اخيراً، رغم ادانة نقابة الصحفيين العراقيين ومرصد الحريات الصحفية ونقابة صحفيي كردستان وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، فعلة الزيدي واعتبروها خارجة عن اخلاق المهنة، الاّ اني اضم صوتي الى صوتهم في مطالبة الحكومة بالافراج عنه والاكتفاء بعقوبات تأديبية، كمنعه من مزاولة عمله في المؤسسات الرسمية ان اقتضى الامر، كي تبرهن له بان الديمقراطية التي رماها بحذائه، هي وحدها الكفيلة بحمايته، ولولاها لما استطاع ان يكون بطلاً قومياً عند بعضهم.
هنيئاً للزيدي بطلاً قومياً جديداً، وتباً لامة ٍ تصنع (القنادر) ابطالها.
https://telegram.me/buratha