( بقلم : باسم العوادي )
قد لايعلم الجميع ان مطالب الساعة الأخيرة التي تقدمت بها جبهة التوافق هي بالأصل مطالب امريكية بحته كانت امريكا قد لعبت عليها كثيرا خلال السنة الأخيرة خصوصا ، وان دور جبهة التوافق فيها لم يكن إلا دور ساعي البريد ، وإلا فكل من يعرف بخفايا ابجديات التدافع السياسي في العراق يعلم جيدا ان جبهة التوافق ليس لديها القدرة على قول كلمة ( لا ) للاتفاقية لأن هذه تعني (لا) لامريكا وهذا يتعارض كليا مع متبنيات جبهة التوافق خلال السنوات الماضية التي كانت هي المطالبة الأولى بعدم انسحاب او خروج القوات الأمريكية من العراق إلا حين اكتمال العملية السياسية ووضوح خطوطها الأخيرة واكتمال نضوج الجيش والاجهزة الأمنية كليا تحت نظر ووصاية القوات الأمريكية ، مقرونا بالموقف الواضح والمساند للاتفاقية الأمنية الذي تبنته جبهة التوافق خلال الأشهر الماضية ، و معلوم كذلك ان الحكومة لم توقع الاتفاقية وتدفعها للبرلمان إلا حينما تأكدت ان هناك شبه اجماع عراقي حكومي برلماني شعبي على تمريرها ، وهذا كله كما هو معلوم قد حدث خلال اليومين الأخيرين من عرض الاتفاقية على البرلمان العراقي.وبما ان امريكا لا تستطيع ان تطالب بمثل هكذا شروط ومن ضمنها الغاء المحكمة الجنائية والعفو العام عن كل الموقوفين ( أبرياء ومتهمين ) و الغاء قانون المساءلة والعدالة ، ودمج كل منتسبي الصحوة في الاجهزة وإعادة صياغة الدستور لان كل هذه المطالب تتعارض مع الدستور ومع المقررات البرلمانية العراقية ، فيكون الحل الوحيد هو ان تدفع مثل هذه المطالبات خلال الساعات الاخيرة من قبل مكون عراقي يتمنى ان تحدث مثل هذه الأمور وطبعا لايوجد غير المكون السني ( جبهة التوافق ) لكي تأخذ هذه المطالب صفة الشرعية والوطنية لكي تكون عنصر ضاعط على الشيعة خصوصا دون غيرهم باعتبار ان هذه الأمور قد لايتأثر بها الكورد بدرجة كبيرة باعتبار ان اقليمهم منعزل ومسيطر عليه ، أما لماذا أرادت امريكا تمرير مثل هذه المطالب بالتحديد ووكيف رد الشيعة على الأمريكان ؟؟؟
أولا : ان هذه المطالب هي بالأصل مطالب بعض الدول العربية التي تعتقد ان مثل هذه الأمور قد تعيد حالة التوازن الى الحالة العراقية لانها تضعف من سيطرة الشيعة وتحد من نفوذهم ، وإنها قد تهيئ مستقبلا لحالة انقلاب عسكري او مخابراتي او مليشياوي يمكن العمل عليه وتجربته فيما لو كانت هناك حاجة ماسة اليه ، أو لان البعض يعتقد ان في مثل هذه الاجراءات حد من النفوذ الأيراني في العراق وبالتالي تحقيق مثل هذه المطالب هي حالة تهدئة لبعض الدول العربية المحيطة بالعراق تحديدا او البعيده عنه مما سينعكس هذا ايجابيا على عدم تدخل تلك الدول في الشؤون العراقية فيما لو انسحبت القوات الامريكية من العراق بعد حين كما تعتقد امريكا بشعور او من دور شعور.
ثانيا : ان مثل المطالب تعطي جبهة التوافق دعما سياسيا حقيقيا وتؤهلها لان تكون الممثل الشرعي الوحيد للحالة السنية العراقية وترفع من اسهم الجبهة ومكوناتها داخل وسط الجماهير السنية على حساب جماعة العنف المسلح الاخرى باعتبارها المطالب الوحيد بالحقوق السنية في العراق مما يؤدي الى فوز شخصياتها في الانتخابات المحلية القادمة تأسيسا لفوزهم في الانتخابات البرلمانية القادمة مع اضافة بعض شيوخ الصحوة ، وهذا ما تريده امريكا بالضبط وما تخطط له قدما .
ثالثا : ان مثل هذه المطالب تؤسس مستقبلا لانشاء اقليم فدرالي سني عراقي، وتضمن قوة وتماسك جماهيري وتفاعل مع العملية السياسية من خلال مشروع الاصلاح و اعاد صياغة الدستور والطرق على اسطوانة تخويف السنة من الشيعة فيما اذا لم يشكلوا اقليما خاصا بهم وهذا الأقليم بحاجة الى حالة تهيئة النفوس من خلال العفو العام ودفع اكبر نسبة ممكنة من المليشيات السنية الى القوات الحكومة لتكون كقوات لحفظ الأقليم مستقبلا والتقليل من صلاحيات رئاسة الوزراء التي بات واضحا بانها ستكون من نصيب الشيعة دائما وتوزيع الصلاحيات بصورة فضفاضة اكثر من الصورة الحالية و تطمين الجماهير السنية من خلال اعطاء مكوناتهم السياسية نفوذ اكبر في الحكومة الاتحادية وهذه وغيرها كلها امور تطمينية للمضي قدما في اقرار المشروع الفدرالي العراقي ، ساكتفي باهذ النقاط لانها تفي بالغرض واغض الطرف عن بقية النقاط منعا للاطالة :
الرد الشيعي العراقي :
عرفت الجهات السياسية المكونة للشيعة في العراق بان هذه المطالب هي بالأصل مطالب امريكية وان جبهة التوافق وان كانت راغبة لكنها تعلم ان مثل هذه الأمور لايمكن تمريرها بتلك السهولة المتوقعة ولاسيما وان اعضاء الجبهة مثلا هم بانفسهم من صوت على قانون المساءلة والعدالة فكيف ينقضون تصويتهم وكذلك فان جبهة التوافق تعلم جيدا ان الضغط بهذه الصورة على المكون الشيعي وفي هذه الضروف سيولد نتائج سلبية ولا سيما وان لدى المكونات الشيعية اوراق ضغط هائلة اذا ارادوا استخدامها سياسيا في مثل هكذا امور وهذه قضية طبيعة فالمأخوذ جبرا مأخوذ غصبا والنفس البشرية اي نفس اذا اعطت جبرا وغصبا فأنها ستكون مستعدة نفسيا مستقبلا لان تسترجعة وانا ادعوا جبهة التوافق للتفكير في مثل هذه القضية ، نعم من حق جبهة التوافق ان تأخذ وتطالب ولكن هناك فرق بين ان يكون العطاء عن رضا نفس واقتناع والأخذ بصورة العطاء بالغصب والقوة والاكراه من الشيعة ، هذا الأسلوب الذي سوف لن يولد عراقا مستقرا حتى وان كان عراقيا فدراليا.
الأول : حالة اصطفاف شيعية واحده لرفض فرض هذه المطالب بالصيغة التي قدمت بها حيث رفض المجلس الأعلى طريقة فرض الرأي الوحد على الأخر بدل سياسية التفاهم والتباحث والتحاور ورفض حزب الدعوة ذلك ايضا بكل قوة ورفضت الحكومة من خلال شخص رئيس الوزراء ذلك ، ورفض التيار الصدري ذلك واصدر السيد مقتدى الصدر بيانا بخصوص هذا الأمر رافضا تلك المطالب ، ورفضت تلك المطالب الأمريكية الكثير من الشخصيات الشيعية المستقلة والليبرالية من اعضاء برلمان وغيرهم ، ولم يشذ عن ذلك إلا حزب الفضيلة بزعامة الشيخ محمد اليعقوبي اليزدي ، هنا بات واضحا للامريكان ان الشيعة يرفضون صورة تلك المطاليب بالنمط الذي قدمت به ولكنهم قد يقبلوها بصورة اخرى.
ثانيا : هدد الشيعة بعدم الطلب بتمديد وجود القوات المتعددة الجنسيات فيما لو فرضت تلك المطالب عليهم اجبارا وهذا ما اكده دولة رئيس الوزراء باسم الإئتلاف العراقي الموحد ومن يقف معه من بقية الشيعة وهذا حدث بالضبط يوم 26 / 11 اي قبل يوم واحد من تمرير الاتفاقية في البرلمان ، وهذا التهديد وضع ضغطا نفسيا شديدا على الجانب الأمريكي ولا سيما وان نفاذ الوقت واقتراب نهاية هذه السنة وانتهاء تفويض الامم المتحده للقوات المتعددة الجنسيات وعدم الطلب بالتمديد سيدخل الولايات المحتده في ازمة كبرى وسيدخل كذلك العراق معها ، ولكن موقف الشيعة كان ( اقتلوني ومالكا ) ، هنا علم كلا من الشيعة والامريكان ان عليهم اللجوء على الحل الوسط خلال ليلة واحده فقط.
ثالثا : التحاور حول المطالب المعروضة ولاسيما وان الشيعة لايعترضون على اصل المطالب الثلاثة اعلاه لان فيها تطمين للدول العربية ودعم لجبهة التوافق كحليف اساسي في العملية السياسية وتأسيس الأقليم السني لاحقا لكنهم يرفضون طريقة لي الذراع والخروج عن اطار الدستور ومقررات البرلمان والتأسيس لسياسة الابتزاز السياسي مستقبلا في المنعطفات السياسية التأريخية التي يمر بها العراق حيث سيعمد كل طرف ومع كل منحنى ستراتيجي عراقي ان يلوح باوراقه مما يوقف بناء الدولة العراقية الحديثة ، ناهيك عن ان مثل هذه الأمور تتطلب تفاهما وطنيا صريحا وواضحا واتفاقا عليها .
الحل التوافقي
ابقاء تسمية الوثيقة باسم وثيقة الاصلاح كعنوان مرضي للسنة ومراجعة بعض قرارات البرلمان السابقة حسب الاطر الدستورية والبرلمانية مع التأكيد على الاستعداد لدراسة كل ما من شأنه ان يولد خلافا مستقبليا يتنافى مع بناء الدولة العراقية ، والتأكيد على الألتزام بالدستور العراقي وحل الخلافات حتى الدستورية بطريقة الرجوع الى الدستور واتباع ما حدده من طرق لذلك ، تطمين الاكراد بعدم تدخل الحكومة الاتحادية بشؤونهم من خلال التأكيد على حصر صلاحيات كلا من الأقاليم والحكومة الاتحادية وهنا يكون الشيعة قد وصلوا لحل وسط مع الامريكان ، رضي من خلاله الأمريكان وجبهة التوافق واظهر الشيعة مقدرة كبيرة على كونهم رجال دولة وساسة بناء واصحاب مشروع حضاري لبناء الدولة العراقية الحديثة وقادة يمكن الوثوق بهم عالميا والاطمئنان لمنهجم في ادارة الدولة العراقية الجديدة على أسس صحيحة.
لقد كان الشيعة هم الطرف الاكثر تفكيرا في المصلحة الوطنية العراقية والاكثر استعداد للتنازل من اجل مسيرة العراق والعبورة الى الضغة الاخرى ، لكن المشكلة لا تنتهي هنا بالتحديد .
الربح والخسارة
وبناءا على حسابات الربح والخسارة حيث ربحت امريكا والسنة والكورد امورا مادية ولكن الشيعة خسروا ماديا ولكنهم ربحوا معنويا ربحوا العراق واستقراره وربحوا المضي قدما في بناء الدولة العراقية ، لقد كسب الشيعة ( استقلال العراق ) ولكن على حساب حقوقهم الوطنية.
هل انتهت المشكلة :
المشكلة لا تنتهي هنا حيث ان المتابع للحالة الشيعية العامة خلال الأيام الماضية يشعر بوجود امتعاض شديد عند الشيعة وأسى بدأ يتجدد كالماضي من طرق الابتزاز السياسي الامريكي والعراقي ضدهم ومحاولة امساكهم من خاصرتهم الضيفة وهي الخاصرة العراقية (مستقبل العراق وشعبة وناسه ) نعم ان الشيعة بناة اوطان عراقيا لكنهم بالنهاية بشر من لحم ودم وزيادة الضغط عليهم بهذه الكيفية قد تجعلهم مستقبلا يخرجون عن حالة العقلائية التي تعاملوا بها خلال السنوات الخمس الماضية ولا سيما وان سياسية القرض لحقوقهم قد اتسعت كثيرا بشكل بدأ فعلا يدعو الى التفكير جديا من اجل وضع حد لها .
https://telegram.me/buratha