( بقلم : غسان اكرم )
مراهنات الجبهة السنية على فشل المفاوضات بين الحكومة العراقية وادارة البيت الابيض بخصوص الاتفاقية الامنية جاءت لتخيب الامال لدي زعماء تلك الجبهة وكل الكيانات التابعة لها والتي كانت تأمل فشلها وبالتالي حصول "خلاف شيعي امريكي" يؤدي الى ان تلجأ واشنطن الى الجبهة ومكوناتها لتمرير الاتفاقية باالطرق التي ترتأيها ومنها وقف العملية السياسية والتوسل بالاسلوب التقليدي الذي استذوقه سنة العراق طوال 80 سنة اي الانقلاب العسكري !الا ان الرياح جرت وتجري بما لا تشتهيه سفن "الجبهة السنية" حيث شيعة ما بعد الالفية الثانية ليسوا كشيعة الالفية التي سبقتها فالشيعة واحزابهم وقياداتهم عرفوا اليوم من اين تؤكل الكتف واستوعبوا جدا تجربة ثورة العشرين وتجارب التي تلتها في ظل الاحتلال البريطاني في العشرينات من القرن الماضي ورفضهم توقيع معاهدة "بورث سميت" التي كان رفضها بمثابة المسمار الذي دقه "السنَة" في مسمار "النعش الشيعي" حتى حين! والذي ادى باالتالي الى ان يخسر الشيعة الحكم والسلطة لاكثر من 80 عاما ‘
واليوم قد يعيد التاريخ نفسه ولكن ليس بالاتجاه الذي كان سائدا سابقا حيث الشيعة اليوم هم من يصنع تاريخ العراق الجديد ليكون الجميع سواسية في ادارة شئون البلاد دون ان يستفرد بها طرف دون اخر ‘ ومن هنا ايضا جاء شبه الاجماع الشيعي على قبول الاتفاقية الامنية مع واشنطن بعد ادخال بعض التعديلات المهمة فيها كي تكون مقبولة محليا واقليميا ودوليا ‘ دعك عن رفض التيار الصدري الذي يقوده السيد مقتدى الصدر للاتفاقية جملة وتفصيلا فهذا التيار للاسف قد فقد البوصلة السياسية في المشهد العراقي ولا يدري حتى زعماءه ماذا يريدون ولماذا يعترضون ولماذا اصبحوا "شاذين" في المشهد العراقي حيث بمثل هذه المواقف المتشددة قد خسروا موقعهم اللازم لادارة شئون البلاد وصاروا على هامش العملية السياسية يستغلون تارة من هذا الطرف وتارة من ذلك الطرف لاهداف غير شريفة كان من المفترض ان لايكون كذلك !
الجبهة السنية للتوافق كانت في قرارة نفسها تسعى لكي تكون هي المنقذ للموقف الامريكي في العراق وذلك من خلال دفع بعض الاطراف الشيعية وحتى السنية التي لا قيمة لها في المشهد العراقي كالتيار الصدري و"هيئة الضاري" وبعض البعثيين الانتهازيين لرفض الاتفاقية الامنية لتسجل بذلك نقطة ضد الطرف الشيعي ونجاحا لاجندتها الا ان مصادقة حكومة العراق الوطنية بالاغلبية المطلقة على الاتفاقية الامنية التي يطلق عليها "باتفاقية الانسحاب" احرجت الموقف السني وخربطت كل خططها ومراهناتها ولم تكن تتوقع ان تاتي المصادقة بهذه السرعة وبكل طاقم الحكومة وكانت الوزيرة "السنية" المحسوبة على التوافق هي "الرقم الشاذ" رغم مواقفة البقية الا ان الجميع فهموا الرسالة وعرفوا ما تريده الجبهة السنية لذلك وبعد المصادقة مباشرة وتحويل الملف الى البرلمان شعر "التوافقيون" السنة ان البساط بدأ يسحب من تحت ارجلهم وان الوقت ليس لصالحهم وادركوا ان الشيعة هم اذكى مما كانوا يتصورون فسارعوا بوضع شروط في الوقت الضائع للتوقيع على الاتفاقية لا علاقة لها باصل الموضوع كمحاولة لابتزاز الجانب الشيعي والامريكي على حد سواء !
الجانب السني المتمثل في جبهة التوافق التي تعتبر نفسها الممثل الوحيد له مازال يحلم بعودة المعادلة السابقة ويحلم بان تعود دولة المخابرات والعسكر والسجون وعقود وعهود القتل والسحل لحكم العراق نسوا ان العراق وبزوال نظام الفرد والعشيرة والطائفة وبروز المؤسسات المدنية والتعددية السياسية ونظام الفيدرالي الاتحادي لا يمكن ان يعود الى عهده السابق وما يحمله من كابوس مميت للشعب العراقي ومكوناته المختلفة ‘ ولذلك فان مواقف تلك الجبهة والكيانات السائرة في نهجها قد بنيت ومازالت على التفكير ذاته وتؤسس بعقلية فاقدة للموضوعية والمنطق وهو ما يدفع دائما بقادتها لرفع مطالب غير عقلانية ووضع شروط لها اثر تدميري على الكيان السني العراقي وليس على الاطراف الاخرى التي قبلت باللعبة الديمقراطية ووضعت نفسها قيد نتائج صناديق الانتخابات والتصويت الشعبي الذي يشكل النظام البرلماني احد ابررز معالم الديمقراطية والتعددية السياسية .
ربط قبول الاتفاقية الامنية والتوقيع عليها بمزايا خاصة وكبيرة في الواقع السياسي العراقي متمثلا باعطاء الجانب السني حصة اكبر من حجمه تفوق حجم مكونات الشعب العراقي الاساسية مجتمعة والتهديد برفضها ـ وهو ما لا يحصل ـ يعتبره اغلب المراقبين والمحليين السياسيين بانه عمل غير اخلاقي وابتزاز للواقع القائم ومحاولة عاجزة لفرض قيم الاستبداد والنظام الشمولي ولم يكن موفقا لما يتضمنه من خطاب واصطفاف طائفي ودعوة صريحة وواضحة للمحاصصة الطائفية مشفوعة باطلاق سراح المعتقلين المتورطين في جرائم القتل والارهاب وقضايا امنية خطيرة اطلاقهم يعني العودة الى المربع الاول وضرب الاستقرار الذي بدأ يحظى به الوضع العراقي بفضل فرض النظام والقانون على الجميع .
منذ البداية ومن اليوم الاول لقيام النظام العراقي الجديد بعد سقوط نظام البعث كانت مراهنات الجانب السني فاشلة وستظل فاشلة مادام ان زعاماته لهم اصرار على ان يكون العراق يحكمه مكون واحد دون غيره وربط مصيره باجندة خارجية واشراكها في تقرير مصير العراق وهو ما يفسر سفر المشهداني "رئيس البرلمان" فجأة الى الاردن ولقاءه بشكل سريع الملك الاردني ووضعه في اجواء الاتفاقية الامنية التي لا دخل للعربان ودول الجوار بها خاصة وان لدي كل دولة بحد ذاتها معاهدات واتفاقيات ثنائية مع الدول الكبري وحتى الدول الاقليمية كاسرائيل فهل اشركوا العراقيين في اجواء اتفاقياتهم مع اسرائيل او حتى مع امريكا ؟ فلماذا اذن نشركهم في قاضايانا الداخلية الخاصة بنا ولماذا نسمح لهم بالتدخل في قضايا ونعبد لهم الطريق الى ذلك ؟ فما دخل النظام السوري او القطري او حتى السعودي بما يوقعه العراقيون من اتفاقيات ومعاهدات مع الدول والقوى العالمية ضمن الضوابط التي تحافظ على سيادة العرق ومصالحه ؟
الاتفاقية الامنية التي صادقت عليها الحكومة العراقية تعتبر وسيلة للوصول الى السيادة ولانسحاب القوات الاجنبية من العراق ووضع البلد على السكة السليمة التي تضمن تطوره وازدهاره واستعادة عافيته وهو ما لا يريده العربان ولا المتواطئون مع الارهابيين ولذلك يخشى بعض الانظمة العربية من توقيع الاتفاقية ويعتبرها تهديدا لها وهي لا تشكل تهديد لها بقدر ما انها تساعد العراق لدفع تهديداتهم وتدخلالتهم في الشأن العراقي ودعمهم للارهاب وهو ما دفع بالجانب السعودي كي يعبر عن قلقه من تلك الاتفاقية وان لا تشكل في نظره تهديدا لدول المنطقة ! وهو ما لم يفهمه بعض المراقبين حيث كيف يمكن ان تكون "الاتفاقية" التي هي ليست الاولى من نوعها في المنطقة وتشكل واشنطن طرفا فيها مصدر تهديد للدول الا اذا كان السعوديون يعتبرون ايضا ان الاتفاقيات الامنية القائمة بين دول المنطقة ـ كقطر والبحرين ومصر والاردن ـ وامريكا وحتى اسرائيل مصدرا للتهديد !!
على الطرف السني في المعادلة العراقية ان يفهم ان العراق لن يعود الى قيم النظام السابق ولا الى الحكم الشمولي والطائفي وان التعددية السياسية هي الطريق الاسلم للحافظ على وحدة العراق واستقراره وان شروطهم تلك سوف تكون كارثة عليهم قبل غيرهم وان الخاسر هو الطرف الذي مازال يصر على الباطل ويرفض منطق الحق .
https://telegram.me/buratha