عندما نكسر هاجس الخوف من القلوب سوف نكسّر قيود الدكتاتورية ولن نساهم في صناعتها ولنسأل أنفسنا هل الدكتاتور طلب منا الترويج له ؟؟؟ هناك إجابتين نعم ولا وكلاهما يدخل ضمن الضعف والخوف فإذا لم يطلب منا ونحن الذين بادرنا بذلك فهذا تملق وأنتهازية في الموضوع ، وأما أذا طلب منا ونفذنا فسنكون جبناء وليس لدينا موقف صلب أمام التحدي.
في بداية نشأت الدكتاتور والدكتاتورية والتي أقسمها الى قسمين من أنواع الدكتاتورية الأولى دكتاتورية ذاتية والثانية دكتاتورية مصطنعة أما القسم الأول من الدكتاتورية والتي ينشأها الدكتاتور نفسه ويفرض سيطرته وسطوته على الجميع من خلال القوة والنفوذ الذي يمتلكها تجاه العامة وهذه الدكتاتورية قد تنشأ في المجتمعات الغربية وليس في المجتمعات العربية .
فالقسم الثاني وهو موضوعنا لهذه المقالة هو الدكتاتورية المصطنعة وهذا النوع من الدكتاتورية يعتمد أعتماد مباشر على الغير في مسيرة الدكتاتور وتطور سطوته وقوته حيث نرى مجتمعاتنا المتخلفة هي التي تساعد على أنشاء دكتاتور . فبداية الأمر ظهور شخصية سواء سياسية أو إجتماعية أو فكرية أو أي شخصية لها ولو مجرد الإشارة بالبنان وما أن تختلط مع المجتمع أو تتمركز على سلطة أو قيادة ما حتى تنهال الى هذه الشخصية بالمدح والثناء والتكبير والترويج وإعلاء الشأن من بعض متخلفي العقول وجهّال العلم والفكر وذلك لأمور منها:
الجهل الذي ينغمس فيه العامة من المروجين لشخصية وبروز دكتاتور جديد.
مصالح تهدف الى سيطرة ثلة معينة على مآرب قد يشترك معها الدكتاتور .
وجود عقدة نفسية من الآخرين ومحاربتهم بهذه الشخصية.
وهذه الأمور والمزايا التي تنفرد بها مجموعات قد تكون السبب الرئيسي لبروز الدكتاتور في عالمنا الذي يقع ضمن دائرة من دوائر الخوف والقمع الفكري ...
بالروح بالدم نفديك يا ....... سر ونحن خلفك...... القائد والمجاهد والبطل الهمام..
أنت الشعب والشعب أنت...... قل ونحن نعمل ..... أنت ربان السفينة... نحن فداءاً لك ياسيدي .
عاش القائد..... أبو .... لبيك وسعديك الشعب كله تحت يديك.... أنت الراعي ونحن الأغنام.
أنت الصح ونحن الخطأ .... لا قول فوق قولك .... قرر وسوف ترى.... أنت شمعة بيتنا.
ضياءك أنار ظلامنا... أنت الهلال..... وما الى ذلك من أقوال ومدائح وثناء الى تلك الشخصية التي برزت أمامنا وما هي إلا أيام حتى يبدأ الحديث عنها والترويج لها وسرد مسيرة الحياة السياسية أو الإجتماعية أو المهنية أو.................. فيصبح حديث الساعة وحديث الشارع ....
عبارات وهتافات يسطع بها الشارع عندما ينوي الترويج أو بلوغ الهدف المنشود الذي يطمح اليه الدكتاتور في عصر الجعل والتخلف فعندما يستمع الى هذه الأهازيج والهتافات والعبارات المنمقة تحدث حالة من الراحة والأطمئنان النفسي لهكذا شخصية حيث كلما علت الأهازيج كلما إزاد شموخاً ورفعة أمام هذه المجاميع التي في طريقها لبناء دكتاتور يقضي علهم ويصفيهم عندما يتمكن منهم........
بطبيعة الحال يستثنى من ذلك الشخصيات الدينية كالأنبياء والأئمة الطاهرين والعلماء والقساوسة والرهبان وغيرهم ممن يمتلك الروح الإنسانية الرحيمة على البشروالذين لايفكرون بمنفعة دنيوية وإنما يفكرون بمصلحة العامة وتقرب العامة الى الخالق العظيم.
ولكن شخصيتنا هي تلك الشخصيات التي تضمر بداخلها المرض وحب النفس فتسعى لنيل مقصودها في الوصول الى مرحلة الدكتاتورية المصطنعة والتي تقام على أكتاف الآخرين سواء كانوا ضعفاء النفوس أو من المغرر بهم أو من الذين أرتبطت مصالحهم مع تلك الشخصية، ولهذا سمعنا ورأينا دكتاتور العصر والزمان صدام وأعوانه كيف كانوا يتملقون له حتى وهم داخل قفص الإتهام ، فصناعة دكتاتور كصدام لم تاتي إعتباطاً وإنما كان هناك من يروج لها ويساعد عليها وقد أشترك غالبية الشعب العراقي بصناعة دكتاتورية صدام حيث لو تولى السلطة في العراق وهو يدعي أو يتمثل بالدكتاتورية فلم يستطع الصمود ولكن العراق هو من صنعه فلم يكن صدام هو الذي يقوم بكتابة التقارير اليومية على تحركات العراقيين ولم يرهب الشعب العراقي شخص صدام ولكن الأجهزة التي تنظمت وإرتضت أن تكون أداة للقمع هي من أبناء العراق ممن باعوا ضمائرهم لرفعة وعلو مجرم كصدام .
وهذا مثال والقائمة تطول لو أبتدأنا بالدول العربية وتمجيدهم وتملقهم للرؤساء العرب وتمكينهم من الشعوب وتسلطهم ولم تقتصر الدكتاتورية على الرؤساء فقط فقد يكون منا من هو دكتاتور عندما يصبح في شأن معين أو في مركز ما أو سلطة فهناك الكثير من الذين يدخلون في دائرته ويصنعونه وهم مايسمى (( بالحاشية )) أو المقربين يدافعون عن خطئه إذا أخطأ ويبررونه بتفسيرات وبراهين بعيدة كل البعد عن الواقع.
أتخطر قصة حدثت معي عندما كنت في سفر الى البلدان العربية عندما ركبت سيارة للإجرة وجرى حديث مع السائق كيف حال البلد فبادرني نحن بخير مازال الرئيس .......... هو موجود فنحن ننعم بظله فأحسست أنه يتملق أو أنه خائف مني فاستدرجته بالكلام فعرف أني ليس من أهل البلد فأطمأن فأنهار على النظام ورأس النظام فقاطعته قائلاً : لماذا بادرتني بالمدح والثناء على الرئيس والقائد ؟ فأنا لم أطلب منك أن تقيّم الرئيس سؤالي كان كيف حال البلد؟ فلماذا الإسراع والترويج الى شخص هو مجرد حاكم عليك ... فكان الجواب دائماً الخوف إذن فهاجس الخوف أيضاً يساهم في صناعة الدكتاتور بطريقة أو أخرى .
فعندما نكسر هاجس الخوف من القلوب سوف نكسّر قيود الدكتاتورية ولن نساهم في صناعتها ولنسأل أنفسنا هل الدكتاتور طلب منا الترويج له ؟؟؟ هناك إجابتين نعم ولا وكلاهما يدخل ضمن الضعف والخوف فإذا لم يطلب منا ونحن الذين بادرنا بذلك فهذا تملق وأنتهازية في الموضوع ، وأما أذا طلب منا ونفذنا فسنكون جبناء وليس لدينا موقف صلب أمام التحدي.
شوقي العيسى
https://telegram.me/buratha