( بقلم : مصطفى كامل الكاظمي )
العبادة لغةً:الطاعة والخضوع. واصطلاحا:الأعمال التي نتقرب بها لله تعالى.وقالوا ايضا:هي الانقياد والتذلل، يُقال طريق مُعبّد أي مُذلل سلس.تعددت الرؤى في لفظتي عباد وعبيد، فجاءت أشهر الاقوال في"عباد" و"عبيد" انهما جمع مفردهما واحد عبد، الا ان العباد جمع عبد الشكر، بينما العبيد جمع عبد القهر، فالانسان[مؤمن، كافر، ملحد، منافق] هو مخلوق لله سبحانه وهو في قبضته بكن فيكون. فالإنسان عموماً مقهور وهو عبد يجمع على عبيد، قال تعالى:﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾فصلت/46. الا ان المطيع المستسلم تماما لارادة الله وأوامره هو عبد الشكر وجمعه عباد:﴿وَعِبَادُ الرَّحْماَنِ اللَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً﴾الفرقان/63.اذن:(عبد القهر) هو مفتقر الى كل شيء. و(عبد الشكر) مفتقر اليه تعالى فقط.تأمل قول الامام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام:" ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ومعه وفيه وبعده " لتفرق بين النوعين!ان كل شيء في الكون قد تعلق وجوده وبقاؤه ونهايته بارادته تعالى، والله تعالى نور كله، وحكيم أوجب على نفسه اللطف، حتى قال الحكماء والعارفون بقاعدة اللطف الواجب على الله تعالى، انما لأجل الحكمة الالهية المطلقة السارية في هذا الكون وموجوداته التي فطرها وأنشأها وخلقها الله تعالى، ومنح الانسان منهم إرادة فليكفر من اراد ويخسأ في دائرة العبيد مقهوراً بكفره، او ليؤمن من شاء فيحلق في فضاء العباد شكورا. وهاك قول الشيطان الرجيم الذي تبينه الآيتان الكريمتان:" قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ "الحجر/39- 40 انظر أنه لم يقل:[إلا عبيدك] بل قال:"إلا عبادك".! وكثيراً ما نسمع ونقرأ في خطاب القادة للأشرار والعاصين: يا عبيد الدنيا، ولا يخاطبوهم بعباد الدنيا.! كما نقرأ في القرآن ايضا خطاب الله ووصفه لعبد الشكر في الايات الشريفة:" فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدُنا علماً" الكهف/65، "إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ" الصافات/81، "واذكر عبادنا ابراهيم واسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار" ص/ 45، "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين"يوسف/24، "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا..." فاطر/32، "ولكن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا.." الشورى/52، "... تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا.." التحريم/10، "تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً"مريم/63
انواع العبادة: السيد الخوئي: في البيان في تفسير القرآن:[روى محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال:" إن العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عز وجل خوفاً، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلباً للثواب، فتلك عبادة الأجراء، وقوم عبدوا الله عزّ وجل حباً له، فتلك عبادة الاحرار، وهي أفضل العبادة". وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ما يقرب من ذلك، وقال عليّ عليه السلام في نهج البلاغة: أن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الاحرار"]انتهى كلام السيد الخوئي.
وقال امير المؤمنين عليه السلام:( إلهي كفى لي عزاً أن أكون لك عبداً، و كفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب، فاجعلني كما تحب) الخصال/ ج2/ص420. وقال عليه السلام ايضاً وهو سيد الموحدين: (الهي، ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ) بحار الانوار:ج67/ص186.
هناك رأي يذهب الى أنه لا فرق بين عباد وعبيد، وأن قوله تعالى"عباداً" انما تطلق على المؤمن والكافر، ويستدلون بقوله تعالى:" إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"المائدة/ 188، والشاهد هنا اطلاق كلمة (عبادك)على الكافرين.وكذلك الآية المباركة: "أَأَنتمْ أَضللتم عِبَادِي هَؤلاء" الفرقان/17، فأطلق كلمة عباد على الضالين هنا. وآية:" يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون"يس/30. وآية "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ"الحجر/42 . وآية " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً".الا ان الراي الغالب يثبت أنها لا تطلق إلا على المؤمنين بدليل قول الله تعالى:[ وَعِبَادُ الرَّحْماَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً" الفرقان/63 فخصتهم بـعباد الرحمان. وقوله تعالى لإبليس عليه اللعنة:" إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ "الحجر/42 وكذلك" قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ" ص:82/83 ].هناك حقيقة ثابتة هي ان كل الموجودات مقهورة في حياتها وهي ما يطلق عليها الفطرة والجبلة والخلقة، ومن هذه المخلوقات الانسان،! لكن الانسان مقهور كباقي الخلق في اسياء كثيرة وله اختيار منحه اياه الخالق تعالى وبهذا المعنى يصبح كل البشر – كافرهم ومؤمنهم- عبيد بلحاظ القهرية،!اذ لا خيار ولا اختيار لهم بذلك. ويدخل في جملة العباد من تسامى وتكامل وارتقى مستسلماً لارادة الله تعالى، ويمكننا اذن اطلاق كلمة العبيد على الجميع دون العباد التي تخص من نال شرف العبودية لله تعالى
https://telegram.me/buratha