بقلم : علي الملا
ان العمى هو عدم القدرة على الأبصار ويصيب العيون لأسباب مختلفة وقد عرفه الأنسان منذ الأزل وتعايش معه حتى اصبح الأعمى يعيش حياة طبيعية في المجتمع ويتعاطف الناس معه , وتأثيرات عمى البصر محدودة بالزمان والمكان والشخص المصاب به وليست هناك اعراض جانبيه على الاعمى نفسه او على المجتمع الذي يعيش فيه.
ومع تطور الأنسان في بداياته الأولى واستعماره الأرض وتطور الحياة فيها ظهر نوع آخر من العمى وهو (عمى البصيرة) الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (( لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)) مشيرا الى خطورته وتأثيره السلبي على المجتمع عموما وعدم حصر عواقبه السيئة بالشخص المصاب , بل انه ينعكس على عقل الأنسان وتصرفاته المنافية للدين والمنطق وبالتالي يتحول الى عنصر مفسد في قومه وقدوة سيئة لأصحاب العقول المحدودة والنفوس الصغيرة والأفق الضيق الذي لا يتسع للمعرفة ولا يقتنع بالدليل ولا يرتدع بالبرهان وقد عانى الأنبياء والمصلحون في دعواتهم عبر التاريخ من هذا النوع من العمى الذي كان من أشد ما واجهوه شراسة وايذاءا لهم من اي شيء آخر , وقد بقي هذا الداء مستفحلا في المجتمعات عموما وفي مجتمعنا العربي خصوصا لما كان للحكام والسلاطين المتعاقبين على حكم هذه البقعة من العالم من دور في نشر وتعميق هذا الوباء في النفوس لأبقاء الشعوب مستعبدة تحت سياط حكمهم وسلطتهم اللاشرعية ولأن الوعي الجماهيري يعني تصدع عروشهم وانهيار سلطانهم .
أما المجتمع العراقي فأنه لم يسلم من هذا الوباء رغم الثقافة العالية وكثرة علماءه ومفكريه ولكن ما جعل تأثيرات هذا النوع من العمى تزداد سوءا هو اصابة العديد من قادته السياسيين بهذا الداء العضال , ولو وقف الأمر عند هذا الحد لنحرنا الذبائح واقمنا الولائم شكرا وحمدا لله ولأتخذنا منه عيدا لأولنا وآخرنا . ولكن الذي حصل ان نوعا آخرا من العمى ظهر في بلادنا اسمه (عمى الحروف) حتى اصبح من أخطر ما يهدد مستقبل العراق وفاقت خطورته خطورة الأرهاب بكل ما اقترف من جرائم كبرى لا تنسى ولا تغتفر .
ان اعراض هذا المرض تتلخص بأن المصاب به عندما ينظر الى حرف (القاف) يقرأه (ضاد) ولهذا نرى ان مفهوم (الديمقراطية) قد مورس بالشكل المغلوط لأنهم قرؤا الكلمة بقاف محورة الى ضاد !!! وشتان بين القراءة الأصلية والقراءة المحرفة في اللفظ والمضمون .
ولم تقف الأمور عند هذا الحد فمصيبة المصائب ان بعض الكتل السياسية قد اصيبت برمتها بهذا المرض اللعين , فعندما طلب منها ترشيح وزراء ( تكنوقراط ) لشغل الورزارات التي كانت من حصتهم جاؤا لنا بوزراء يحملون كل مواصفات ( التكنوقراط ) ولكن بقلب ( القاف ) الى ( ضاد ) فأصبحت العديد من وزاراتنا العتيدة اسما على مسمى حسب قراءة الكتل السياسية المصابة بعمى الحروف واما انا وانت فنحن من ندفع ثمن اخطاء من يظنون انهم يملكون عيون زرقاء اليمامة , واذا توقف الامر عند هذا الحد فانها نعمة كبيرة أيضا, ولكن ما نخشاه ان يتطور هذا الداء الخطير فتتحول (القاف) الى (كاف) وعندها سنرى بلدنا يتحول من (عراق) الى (عراك) والله الساتر !!!
https://telegram.me/buratha