( بقلم : علاء الموسوي )
اقدم حزب الدعوة (جناح المالكي) الدخول في انتخابات مجالس المحافظات، بعيدا عن التحالفات الستراتيجية مع شركائه الداعمين له في العملية السياسية والحكومة، بذريعة الاعتقاد الراسخ في ذهنية مستشاري الحزب ، ان الاخير يمتلك قاعدة جماهيرية تاريخية لايستهان بها، فضلا عن ضرورة استثمار تسنم الحزب لمقاليد الحكم والسلطة في العراق انتخابيا. ناهيك عن ان مستشاري (ابو اسراء) المقربين له حزبيا اقحموه بالدخول الى المعترك الانتخابي منفردا، وعدم التحالف مع منافسي الحزب (عبر التأريخ الشيعي الحديث)، لاسيما المجلس الاعلى ومنظمة بدر، او المطالبة بالدخول في تحالف احادي الجانب، بان يعطى للمجلس الاعلى والجهات المتحالفة معها، مقاعد انتخابية بـ 25% فقط. والباقي للحزب الاوحد(الدعوة)، وذلك اعتقادا من اعضاء هذا الحزب بالشعبية الكبيرة التي امتلكها بعد صولة الفرسان في البصرة وبغداد وباقي المحافظات. متغافلين بذلك القاعدة الشعبية والجماهيرية الممتزجة بأصالة القبائل العراقية في الجنوب، والارتباط الروحي بالمرجعية الدينية في النجف الاشرف للمجلس الاعلى والجهات التابعة لها. فعلى الرغم من تفهم المالكي لقوة المجلس الاعلى سياسيا، وقدرته على كسب الجماهير العراقية عبر برامجه السياسية المحنكة، الا انه (اي المالكي) انخدع بتلك القراءات الخاطئة للتسابق الانتخابي لمنافسيه على الساحة المحلية. اذ كان يظن وجود عدة عوامل ستضعف الهيمنة السياسية للمجلس الاعلى في العراق، والتي يمكن ان نلخصها بما يلي حسب تلك القراءات التي تم تسريبها اعلاميا:
* ما يشاع من قبل الاعلام المناوىء للاسلاميين سيقتصر تأثيره على المجلس الاعلى فقط، باعتبار ان الحكومات المحلية جميعها ممثلة عن هذا التيار السياسي، لذا فان اي اتهام بالتقصير لتلك الحكومات سيحسب على المجلس الاعلى فقط!!.
* ما تم تحقيقه على الساحة الامنية مؤخرا، هو بفضل القيادة الحكيمة لقائد القوات المسلحة (ابو اسراء) والذي يمثل اليوم الزعامة الحقيقية لحزب الدعوة، وبالتالي لايمكن التفريط بهذا المكسب الانتخابي عبر التحالف مجانا مع المجلس الاعلى، ولعله السبب الرئيس وراء تسمية القائمة (الخاصة بحزب المالكي) بائتلاف دولة القانون!!.
* تطبيق فكرة انشاء مجالس الاسناد في عموم البلاد، سيضعف من المكانة العشائرية للمجلس الاعلى في الجنوب، لاسيما وان حزب المالكي قادر على استقطاب تلك العشائر بالمال والنفوذ المقدم من قبل خزينة الامانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء!!.
*استثمار خصومة المجلس الاعلى مع التيار الصدري، واتهام الاول اعلاميا بالعمالة لايران، بذريعة نشوء المجلس الاعلى ومنظمة بدر في ايران، سيحقق رصيد كبير في الانتخابات لحزب الدعوة (جناح المالكي)، لاسيما وان الاخير عمل على تفعيل تلك الخصومة من خلال تودده مؤخرا مع اقطاب التيار الصدري ومحاولة اقناعهم بان الحملة الامنية التي شنت ضد جيش المهدي كانت بدافع وتحريض من قبل المجلس الاعلى!!.
*قضايا اخرى لايمكن البوح بها خوفا على المصلحة العامة(.... امنيا.....).
كل هذه الاعتبارات وغيرها شجعت حزب الدعوة (جناح المالكي) من الدخول الى المعترك الانتخابي، رافضا التحالف مع اقوى حليف وضامن سياسي لاستمرارية زعامته في الحكومة العراقية الجديدة، والتي ستتضح ملامحها بعد انتخابات مجالس المحافظات، وما ستفرزه من حقائق موضوعية، تبين مقدار وثقل كل حزب وتيار سياسي على الساحة المحلية. لذا فان هذه الاعتبارات المشخصة من قبل سياسيي حزب الدعوة (اذا ثبت صحتها حسب ما هو مشاع اعلاميا)، فانها تفتقر الى ابسط المناخات والمسارات الحقيقية لتلك الفرضيات البعيدة كل البعد عن الحقيقة المطروحة على الساحة، والتي يمكن ان نلخصها ايضا بما يلي:
*كل حملة يتم شنها ضد الاسلاميين، فان حزب الدعوة سيتصدر تلك القائمة، ليس لانه الممثل الحقيقي للاسلام في العراق، بل لانه مثل المسار الخاطىء للمتأسلمين وآثارهم السلبية على الحركة الاسلامية في العراق. والبحث في هذا المضمار بحد ذاته يحتاج الى الكثير من التفاصيل التي لايسع المحل لذكرها، فصفات الدكتاتورية والاستبداد بالقرار المركزي، وحب التمسك بالسلطة والمنصب، اهم مايميز حزب الدعوة عن غيره من الاحزاب الاسلامية الاخرى.
* من الغباء السياسي ان يعتقد حزب الدعوة (جناح المالكي) انه هو صاحب الانجاز الامني على الساحة المحلية مؤخرا، وذلك لان تلك الانجازات الامنية لم تأت من قرار تم اصداره من قبل الاجهزة الامنية وحدها، فالظروف والمناخات السياسية كان لها الدور الفاعل في تقويض الارهاب والجماعات المسلحة في حواضنها والبؤر الخاصة بها. وهذا ما نلمسه حين استطاعت القوى السياسية الاجماع على ضرورة القضاء على كل المظاهر المسلحة، ودعم دولة القانون المتمثلة بحكومة المالكي، كرئيس للوزراء وليس كأمين عام لحزب الدعوة. وبالتالي فان الارادة السياسية كانت هي الفيصل في تحديد تلك المسارات الامنية والانطلاق منها للقضاء على الارهاب، واستتباب الامن في اغلب مناطق البلاد.
ولعل للمجلس الاعلى الدور الكبير في تحديد مكامن الخطر الذي سيهدد امن الدولة وفرضها للقانون، من خلال تنبيهه المستمر لدولة رئيس الوزراء في زمن ابراهيم الجعفري، واخيرا في دولة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، والذي اقنعته المخاطر المحيطة بحزبه الخاص، من خلال شمولية الاعتداء على مقرات الحزب في المحافظات الجنوبية، الى ضرورة شن حملة امنية صارمة للقضاء على تلك الجماعات المسلحة خارج سلطة الدولة، والتي نشأت في مناخات مناسبة لها وفرتها الشفافية المطلقة التي تعامل بها ابراهيم الجعفري مع تلك الجماعات المسلحة. لذا فان الشعب العراقي بما يمتلكه من وعي كبير، وكذلك الكيانات السياسية على اختلاف مشاربها الفكرية وايدلوجيتها السياسية، تعرف جيدا من الذي مد يد العون الى حكومة المالكي (بالاستشارة او بغيرها) الى فرض الامن في ربوع البلاد، ومعالجة القضايا الساخنة بحنكة ودراية عسكرية بارعة، استمدتها من خبرتها الميدانية عبر نظالها التأريخي ضد اعتى نظام استبدادي في العصر الحديث.
* على الرغم من الرفض العشائري القاطع لمجالس الاسناد التابعة لحزب الدعوة في المحافظات، وكذلك استهجان اغلب الكيانات السياسية لتك لمجالس (الانتخابية)، الا ان مستشاري المالكي يؤكدون على ضرورة الاستمرار بتطبيق تلك الفكرة الانتخابية (الرائعة) في شراء الذمم والعقول العشائرية، عبر كسب اصواتهم حصرا بقائمة حزب الدعوة (جناح المالكي) في محافظاتهم ومدنهم . وعدم الاهتمام بمخاطر تلك الفكرة، التي افقدتهم مصداقيتهم السياسية تجاه حلفائهم في العملية السياسية، فضلا عن وقوعهم بمنزلق التسابق العشائري، الذي لايمكن حرزه نهائيا، الا بواسطة الولاء المرجعي الخالص، والذي يفتقر اليه حزب الدعوة جملة وتفصيلا. وبالتالي فان ما يملكه المجلس الاعلى من قوة عشائرية مطلقة ومرتبطة بثوابت دينية وعرفية مترسخة في اذهان العراقيين، منذ مرجعية الامام محسن الحكيم (رض) والى يومنا هذا، لايمتلكه حزب الدعوة المغرور بقاعدته السياسية المفتقرة لابسط الثوابت العرفية في قوتها وجذورها الجماهيرية. وهذا اهم ما سيخسره حزب الدعوة (جناح المالكي) في اقدامه للانتخابات منفردا.
* مازال حزب الدعوة (بشقيه الثلاثي والرباعي و....) غير قادر على اتمام مراهناته السياسية بحق المجلس الاعلى ومنظمة بدر، فاستخدامه للورقة المحروقة (التيار الصدري) لم يكن موفقا الى حد بعيد، اذ مسلسل الولاءات المزيفة والتقرب الدبلوماسي لاقطاب التيار الصدري بين الفينة والاخرى، على حساب اضعاف المجلس الاعلى وتقويضه على الساحة العراقية، لم تجد نفعا، ولم تأخذ اكلها بالشكل الصحيح، واعتقد ان الامثلة قائمة منذ زمن تسنم الجعفري لرئاسة الوزراء، ومحاولاته الطويلة في استثمار النزاع المسلح القائم بين التيار الصدري ومنظمة بدر، وتسيس تلك القضية الساخنة والخطيرة في التاريخ السياسي الشيعي (على اقل تقدير) لمصالحه السياسية، وتحالفاته الحزبية. لهذا فان اول ما سيواجهه حزب الدعوة (جناح المالكي) هو الاستقطاب المميت من قبل غريمه الجعفري في تودده وتحالفاته السرية مع اجنحة التيار الصدري السياسية والعسكرية، وابرام اتفاقات جانبية ستعمل على ازاحة المالكي من الهرم السياسي والسلطوي باسم حزب الدعوة، الذي سيغير اسمه مطلع العامين المقبلين، بعد استفحال ظاهرة الامبيبة السياسية بين مكوناته المتشضية على نفسها.
في الختام ، اود الاشارة الى ان الظروف الانتخابية التي ستوجدها انتخابات مجالس المحافظات لهذا العام، ستحدد بطبيعتها السياسية وايدلوجيتها الانتخابية، خريطة التحالفات السياسية المقبلة لمجلس النواب والحكومة المقبلة، اذ ان التنافر السياسي بين اقوى الحلفاء على الساحة السياسية، سيولد تيارات مستقلة ببرامجها الخاصة وآلياتها الحزبية في اختيار الحلول والمعالجات، والتي سيمكنها من الغاء ظاهرة (التحاصص التحالفي) الذي هو الاخطر من بقية التحاصصات الطائفية والقومية التي شاعت بفضل التوافقية الديمقراطية في عراق التاسع من نيسان، واعتقد ان اول الخاسرين وفق تلك القراءة المستقبلية للعملية السياسية ،هو حزب الدعوة (جناح المالكي) الذي سيكون الملعب المناسب لكرة التحالفات السرية بين المكونات السياسية المتخاصمة معه.
https://telegram.me/buratha