( بقلم : حامد جعفر )
كانت الحرب تشتعل نيرانها ويزداد كل يوم اواروها ويستقبل الناس مزيدا من جثث فلذات اكبادهم مقمطة بعلم صدام المرعب .. وكانت الجدران في كل احياء بغداد مكللة باللافتات السوداء لاتكاد ترمقها حتى يظلم الفؤاد وتفيض الاحزان .. اما رجال الامن السريين والعلنيين اضافة للعفالقة المجرمين فانهم كانوا ينتشرون في كل مكان انتشار الذباب والبراغيث يبثون الرعب في الصدور ويحصون انفاس كل ماش او قاعد ممن خرج من داره طلبا لنزهة بريئة او لشراء مايحتاجه هو وعياله من اسواق بغداد الكئيبة .. وفوق ذلك فقد كان العفالقة واكثرهم من الجهلة يتصيدون الناس ويطاردونهم لسوقهم لجيشهم الشعبي البغيض .. لاتاخذخم رافة بمريض او اعتبار للسن والعوق لعجوز او معوق .
وعلى صدر الحضرة الكاظمية وعلى بعد ربما لايتجاوز مئة متر , كان يجثم كيان صدامي غريب مخيف يحيط به حرس غريبة اشكالهم مرعبة ازياؤهم وثابة نفوسهم للقتل والعدوان محاطة رقابهم بخرقة حمراء بلون الدم تجعل فرائص الرجال ترتعد ونفوس اكثر البلهاء تغرق بالاكتئاب ... ولاادري لماذا لم يمح هذا المعسكر لحد هذا اليوم من صدر الكاظمية المقدسة , لتكون مدينة الامام مدينة الامان والسلام خالصة للقداسة والعبادة والصفاء الروحي .
في يوم من تلك الايام القاسية , ايام قادسية صدام اللقيطة كنت اتمشى وحيدا في اسواق الاعظمية اقلب عيني بين محلاتها الجميلة ومطاعمها الشهية تنفيسا عن احزاني واضطراب اشجاني وكان العصر جميلا وضوء الشمس الخافت مع النسيم العليل وعبير دجلة الساحر تضفي على القلب المعتصر الما وحزنا بعضا من الانشراح والخدر ... حملتني اقدامي من حيث لاادري واذا بي اجد نفسي على ضفاف دجلة قريبا من الجسر الذي كان مكتظا بالسيارات الهاربة شمالا ويمينا وكانها طريدة تفر من مفترسها الجبار .
وكان خيالي مفعما بالذكريات الجميلة على هذا الجسر المقدس عندما كنت تلميذا اتنزه مع اصدقائي في هذا المكان ونعبر الجسر بامان وننظر منه على امواج النهر الخالد واعماقه السحيقة .. فحدثتني نفسي ان اعيد ذكرياتي واعبر الجسر ثانية رغم اني لم اجد احدا قط واقفا او ماشيا على رصيف الجسر الموحش . ورغم ترددي وشعوري بالخوف والوجل بيد انني عزمت على العبور وانطلقت اقدامي رغما عني تقطع الرصيف الصامت وعيني تطارد امواج دجلة الرزينة حتى كدت ان ابلغ منتصف الجسر واذا بي اجد فتى كانه شيطان رجيم انشقت عنه الارض قبيح الوجه قاسي الملامح عدواني الطلعة اوقفني بصوت أمر وسالني عما افعله هنا ولما قلت له وبكل براءة بانني اريد العبور الى الكاظمية اجابني باحتقار وتهديد بان هذا ممنوع وانهم سيعفون عني هذه المرة فقط لجهلي بالامر وامرني ان اعبر الى الرصيف المقابل وان اغادر الجسر سريعا مطرقا لا انظر الى شيء والا حاق بي اشد العذاب .
اليوم فتح جسر الائمة وستعود اليه الحياة وسيعبر العابرون ويتنزه عليه المتنزهون ونحن ندعو الله تعالى ان يحفظه من مجرمي البعث وحلفائهم من العربان والافغان المجرمين المنحرفين القتلة ونسال حكومتنا المنتخبة ان تزيل بقايا مخيم البعث الاستخباري الصدامي وتقطع اغلال الخوف ليعود المكان الى سابق عهده الجميل بستانا تشمخ فيه النخيل وتنتشر فيه الازهار وتطير عليه الاطيار على ضفاف النهر قرب ضريح الامام .. وليبق رمزا لوحدة السنة والشيعة العراقيين الى ابد الابدين.
حامد جعفر صوت الحرية
https://telegram.me/buratha