( بقلم : بشرى الخزرجي )
لم يكن قبول الإمام علي بن موسى الرضا (ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام) تسلم ولاية العهد من الخليفة العباسي المأمون (سابع الخلفاء العباسيين) حبا بالجاه والمنصب، فهو سليل العترة الطاهرة من آل بيت الوحي ومعدن العلم المحمدي الذين ضربوا الأمثال تلو الأخرى في الحكمة والزهد في الدنيا وزينتها وبهرجها، ولم يكن عرض المأمون أمر الولاية على الامام الرضا (ع)، بطبيعة الحال، من باب الاعتراف بالشرعية أو رد الجميل والإحسان للبيت العلوي، وإنما كان يرى في التقرب من الإمام (ع) فائدة ومصلحة جمة له ولبلاطة العباسي.. فالثورات الكثيرة وما كان يحاك ضد عرش الخلافة ليست بالشيء الهين، فقد أراد المأمون أن يثبت لخصومه أنه مع الحق وتثبيت دعائم العدل في فترة حكمة التي يشار الى ازدهار العلم والحكمة فيها.
أما إمامنا الرضا (ع) فكان يؤمن بأن الحكم وتداول السلطة يجب أن يكون عن طريق كسب رضا الناس وبسبل سلمية خالية من العنف وأساليبه القمعية، وأن الناس هم من يقع على عاتقهم مهمة القبول بالحاكم أو السلطان (مع وجود النص على خلافة وإمامة المعصومين من أهل بيت النبوة)، فلم يكن نهجه (ع) مخالفا لنهج جده أمير المؤمنين علي (ع) الذي لخص طريق الوصول الى سدة الحكم بقوله: (عهد إليَّ رسول الله (ص) عهداً حين قال لي يا بن أبي طالب لك ولاء أمتي فأن ولّوك أمرهم في عافية وأجمعوا على الرضا عليك فقم بشؤونهم، وإن أعرضوا عنك دعهم وما اختاروا لأنفسهم).
وبعد أن تسلم الرضا (ع) ولاية العهد التي بايعه الناس عليها بكل حب وترحيب، أعطى للناس وهمومهم الأولوية فكان يجالسهم ويستمع لآرائهم ويوجههم ولا يفرق بينهم حتى اذا وضعت المائدة بين يديه دعا الخدم والموالين وأجلسهم معه و قيل له رضوان الله عليه يوما لمِ لا تفرد لهم مائدة تخصهم أي الخدم والحاشية؟ قال ولماذا أفرد لهم مائدة؟ أوليس الرب واحداً، والأب واحداً، وإلام واحدة! فلا فضل عندنا لعربي على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى.
لعلنا نجد ضالتنا في هذه الجوانب النيرة من حياة سيدنا الامام الرضا (ع) والتي تبين دور المجتمع في اختيار الأصلح في إدارة شؤونه السياسية والحياتية، فلا فواصل تفصل الحاكم عند المحكوم ولا فوارق شاسعة تقف أمام حجب مشاكل وهموم الناس لأن تصل لولاة الأمور، فسيرة أئمتنا الكرام مليئة بالمواعظ والحكم التي تؤسس لمجتمع صالح مبني على الاحترام والتراحم والتواصل المستمر بين الحاكم والرعية وبين أفراد المجتمع الواحد، وقد كانوا بفخر أئمة هدى وقادة وسادة للأمة الاسلامية والبشرية جمعاء بعلمهم ونهجهم الذي هو امتداد لنهج الرسالة السماوية الخالدة.
https://telegram.me/buratha