( بقلم : ناهدة التميمي )
رايت لبغداد وجهين في زيارتي الاخيرة لها .. نقيضين لبعضهما .. وجه أمن والناس بدات تخرج من بيوتها وتملا الاسواق والشوارع ضجيجا وحركة وحياة وشوارع فسيحة جميلة وبيوت عامرة لم ار مثلها في كل اللبلدان العربية التي مررت بها او عشت فيها بعض الوقت فمناطقنا فسيحة وجميلة ونظيفة رغم سوء الاوضاع.. الباعة المتجولون واصحاب البسطيات يملأون الاماكن والشوارع وكأن بغداد عادت الى سابق عهدها ومجدها ...
اما الوجه الاخر لبغداد فهو لبغداد مقطعة الاوصال محاطة بالاسوار والاسلاك تخنقها الجدران الكونكريتية والفواصل والحواجز الامنية والشوارع الحيوية المغلقة مما يخنق مدينة السلام ويجعلها تتنفس بصعوبة وتستغيث طالبة الرحمة في فك الخناق عنها .. في هذه البغداد هنالك حرب شوارع حقيقية .. ولااقصد قتلا او ذبحا وانما صراع السيارات على موطيء قدم في الزحام ومحاولاتها اليائسة لاجتياز البقية .. رأيت بنفسي ان الرحلة من بغداد الى مركز المدينة( العلاوي او باب المعظم او باب الشرقي ) باستخدام السيارات الخاصة او ( الكيات ) تستغرق اكثر من ثلاث ساعات من شدة الزحام والاختناقات.. اعان الله الموظف او المراجع على دائرة ما متى يخرج من بيته, ومتى يصل , ومتى ينجز المعاملة ..
الامر الاخر الذي اثار انتباهي هو كثرة المتسولين وكثرة الباعة في الاشارات المرورية وخصوصا من الشبان الذين امتهنوا مهنا بسيطة لكسب العيش في خضم البطالة العارمة بينهم .. اذ اخذ الكثير منهم يبيع الجرائد او المناديل الورقية او المناشف والمفارش او السكائر او اكياس القمامة او بعض المواد البلاستيكية .. كل ذلك يحصل في الاشارات المرورية حتى اني خلت نفسي في مصر او اي من البلدان الفقيرة والتي تكثر فيها هذه الظاهرة ..
رايت ايضا بعض المناطق مسورة باحكام مثل السيدية والعامرية والكرادة والدورة والاعظمية واليرموك والغزالية وبعض المناطق الاخرى.. وفي هذة المناطق وغيرها من مدن الاغنياء والموسرين هنالك اجهزة حديثة لرصد المتفجرات بين البشر والسيارات والتفتيش فيها دقيق علاوة على تسوريها وتطويقها بحواجز امنية وكونكريتية لحمايتها بينما تترك مدن الفقراء مثل بغداد الجديدة والمشتل والثورة والشعلة وكل مدن الفقراء دشر ليدخلها الارهابيون بسلام ..
هناك رأيت الكثير من الشبان يمتهنون التاكسي داخل هذه المناطق الصغيرة والناس تستاجرهم لمسافات قريبة جدا .. وعندما سالت اختي لماذا تستاجرون التاكسي لهذه المسافة القريبة وتستطيعون الوصول مشيا .!! ردت بان الناس اعتادوا ذلك مساعدة لهؤلاء الشبان العاطلين عن العمل والذين لايجدون عملا حكوميا ..طبعا لااريد التحدث عن نقص الخدمات الكارثي فقد اصبح من البديهيات في حياة العراقي مثل انقطاع الكهرباء المتكرر والماء .. حتى ان الكثيرين مثلا يضع الكومبيوتر في بيته ديكورا ولايستعمله .. وعند السؤال عن السبب اجابوا بانهم لايعملون اشتراك شهري لان الكهرباء دائما مقطوعة دائما ولافائدة من الاشتراك ويستعملون الكارتات اي يملآون الرصيد مثل الموبايل وهذا غير عملي لانه ينتهي بسرعة .. كما ان جوابهم كان .. عندما تاتي الكهرباء لدينا الف عمل وعمل لننجزه ويكون الكومبيوتر والانترنت اخر اهتماماتنا .. لذا بقي العراقي متخلفا معلوماتيا في زمن النظام السابق والان ايضا .. وجدت بغداد عندما تنقطع الكهرباء عنها مساء يلفها الظلام والكابة والوحشة والناس ليس لديها اهتمامات بالانترنت ولاحتى التلفزيون لانهم لايستطيعون ان يتابعوا شيء .. وجدت البنايات الجميلة داخل بغداد مدمرة او نصف مهدمة من اثار القتال والاحداث السابقة او انها يخرمها الرصاص من كل واجهة ...
سابدأ رحلتي من سيارة الجي ام سي التي انطلقت بنا بوجل عبر الحدود السورية الى العراق ... ماهي مشاهداتي وانطباعاتي وماذا رأيت في هذه الرحلة البرية من غرائب.... ؟؟ !! سارويها في المرة القادمة
ناهدة التميمي
https://telegram.me/buratha