( بقلم : اكرم البخاتي )
لست من انصار او مقربي المجلس الاعلى ولم اكن متعاطفاً سابقاً معه بل كانت لي وجهات نظر على طبيعة خطابه وادائه بعضها كان قاسياً وكنت متحسساً من كل فصيل سياسي تأسس خارج الوطن لاعتقادي ان ضريبة التأسيس وأجندة الدول الراعية والداعمة للقوى السياسية ستؤثر بشكل اكيد على طبيعة برامج تلك الاحزاب والقوى السياسية. كتبت مقالات عديدة هاجمت فيها المجلس الاعلى وكل القوى السياسية التي جاءت بعد سقوط صدام حسين في التاسع من نيسان 2003.
وكنت متأثراً كثيراً في في الاعلام العراقي السابق رغم كراهيتي لصدام حسين وحزبه فقد تصورت ان كل القوى والشخصيات السياسية العراقية المعارضة هي متعاونة او عملية لجهات اجنبية. وكنت لا اخفي حساسيتي وكراهيتي من كل قيادات الخارج وأتألم كثيراً من ضمور قيادات الداخل لتعويلي الشديد على اهمية ان يقاد العراق من قبل ابنائه الذين عاشوا في داخله يعانون قسوة النظام وظروف الحياة الصعبة وهم في الخارج منعمون ومترفون. كنت لا اتحقق او ادقق في كل ما يمس المجلس الاعلى من اخبار واقاويل بل لا اتردد في تصديق كل ما اثير ويثار ضد المجلس الاعلى لتناغمه مع قناعاتي وتصوراتي.
وقد تفاعلت كثيراً وتفاءلت بوجود التيار الصدري والسيد مقتدى الصدر باعتبارهما قوى وقيادة انبثقت من داخل العراق ولا شك في انتمائها ولا غبار على اصالتها. وكان لدى رغبة جامحة بان يوجد التيار الصدري معادل موضوعي وفق نظرية الضد النوعي حتى يحد من حضور وقوة المجلس الاعلى. كانت هواجسي كبيرة من هيمنة المجلس الاعلى ومنظمة بدر على وجدان ومشاعر الجماهير العراقية بسبب خطابهم المؤثر والذكي وخوفي الشديد من تراجع التيار الصدري وتخبط قياداته المبتدئة الشابة في خطاباتها وقراراتها المنفعلة والمستعجلة.
وحاولت ان اتغافل كثيراً واتجاهل خطابات الشهيد محمد باقر الحكيم في النجف الاشرف رغم انه كان يصعق قناعاتي ويصدم تصوراتي بوعيه الكبير ورؤيته الاستشرافية واكثر من هزني هو خطابه حول المشاركة لكل مكونات العراق واهمية رأي الشعب العراقي وضرورة الاحتكام الى الدستور.
وفي قبال ذلك حاول ان اغض النظر عن اية مقارنة قهرية بينه وبين القيادات الاخرى التي تمتلك خطابات هشة وركيكة وتصورات سطحية بل ان ما اثار دهشتي هو القيادات الصدرية التي حضرت بقوة في الميدان العراقي ولكنها كانت تفتقد الرؤية المتبصرة المعاصرة لتطورات العراق الجديد بل اخذوا يرددون ما كان يؤكده السيد الشهيد محمد الصدر رغم اختلاف الظروف وتفاوت المناسبات بل وصل اكثر الى حد مخجل ومذهل فاخذوا يقلدون الشهيد السعيد محمد الصدر بكلامه ومشيته وحركته حتى في كلمات لا ينفرد بها الا هو مثل ( ها.. حبيبي.. ان صح التعبير .. نعم نعم للمذهب) والاغرب من ذلك كله كنت قد حضرت احدى صلوات الجمعة المشتركة بين السنة والشيعة في بغداد كرسالة للمحتل والدول العربية تؤكد على الوحدة الوطنية والاسلامية في العراق فقام احد علماء السنة فهتف بصوت عال "عراق سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه" وهتف بعده امام الجمعة من التيار الصدري بصوت عال" نعم نعم للاسلام" فردد معه الجميع من الحاضرين سنة وشيعة ثم صرخ " نعم نعم للمذهب" في صلاة وحدوية بين السنة والشيعة.
ثم حاولت ان التمس له العذر فقلت ربما كانت هفوة ولكنه طالب الحاضرين بالصلاة التعجيلية المعروفة فهتف انصاره"وعجل فرجهم واهلك عدوهم واحفظ ولدهم مقتدى مقتدى مقتدى". وكنت اعول كثيراً على السيد مقتدى الصدر وفاجئني بخطابه البسيط ولا انكر صدقه ومصداقيته وطيبة قلبه فكان اكثر الاحيان لا يدرك ما يقوله ولا يقول ما يدركه وقادنا الى حافات خطيرة كادت ان تهلكنا لولا تدخل السيد السيستاني.
ثم بدأنا نمارس نفس الدور الذي انتقدنا غيرنا عليه وارتكبنا كل ما كنا نراه عيوباً واخطاء نلصقها في المجلس الاعلى.. فكنا نعيب على المجلس الاعلى انطلاقته من الجارة ايران وتلقيه الدعم اللوجستي والمالي في زمن المعارضة واليوم وفي زمن الدولة وسقوط النظام نقع بنفس ما اعتبرناه اخطاء ولكن الفارق هو ان المجلس الاعلى اعتمد على ايران في مواجهة ابشع طاغية واسوء نظام بوليسي بينما نحن اعتمدنا عليها في مواجهة اول حكومة منتخبة وشيعية منذ مئات السنين!
ثم كنت لا اتفاعل ابدا مع عمار الحكيم الذي كان يتصرف بطموح يشبه الجموح وكان لبقاً وحذقاً وهو ما زاد خشيتي اكثر لاعتقادي انه سيغطي بخطابه وتأثيره على قيادات التيار الصدر كمنافس قوي ومؤثر وتاملت في سفراته الاخيرة كثيراً فوجدته صوتاً معبراً ومؤثراً عبر لقاءاته الرؤوساء والوزراء والزعماء في اوربا والخليج وتركيا وخطابه في احد الكنائس التي اكتظت بالحاضرين المعجبين بفتى اسلامي عربي شيعي يتكلم بلغة معاصرة وقد وقف له الحاضرين يصفقون لاكثر من عشر دقائق اعجاباً به.
واتمنى ان يستفيد التيار الصدري من حذاقة ولباقة عمار الحكيم لكي يكون صورة معبرة عن منهج السيد محمد الصدر وقد اعطوا تصوراً سلبياً في زياراتهم الاخيرة برئاسة الشيخ صلاح العبيدي الى المملكة العربية السعودية وسوريا ومصر ارجو ان يتعلموا من غيرهم الخطاب المعتدل والكلام الموزون والاتكيت المتحضر.
https://telegram.me/buratha