( بقلم : صباح رحيمة كاتب ومخرج تلفزيوني )
عند بداية الشارع الذي يقع فيه بيت الفنان حسن حسني في مدينة الحرية الاولى كان هنالك محل حدادة وكان هذا الحداد كلما نمر من امام دكانه وقبل ان نسلم عليه احيانا يباغتنا بطرفة او حرشة وهو يحمل واحدة من ادوات عمله صائحا : يابة شوكت ؟ وهذه صارت مثل ( لبوكة )لازمة اعتدنا سماعها ونعرف معناها ونحن نجيبه : ما ظل شي ؟ التي يعرفها قبل ان يسمعها فيضحك ونضحك ونستمر في طريقنا الذي غالبا ما يسده علينا طالبا ضيافتنا بحسه الشعبي ولو باستكان شاي حتى في ايام القيظ الشديد وهذه ( الحرشة) الاعتراضة المستمرة هي انه يريد ان يطلع بالتلفزيون ولو بطل الفلم الذي تعشقه الفتيات ويركضن وراءه – حسب تعبيره – وفي مسلسل المشروع الكبير الذي يخرجه الفنان نبيل يوسف واقوم انا بمساعته ذكرني الاخ حسن بالحداد ( ابو علي على ما اتذكر ) ونحن نهيأ لتصوير مشاهد الملهى الليلي الذي يتواجد فيه التجار لعقد صفقاتهم وسهراتهم الليلية وطلبت منه اخباره بان يحضر في اليوم الفلاني الساعة كذا حسب ( الاوردر ) اوامر التصوير بعد ان يأتيني باسمه الكامل بغية ادراجه مع اسماء الكادر الخارجي ليتسنى له الدخول ولا ينسى ان يلبس ملابسة تدل على انه تاجر او ميسور .
وكان يوم التصوير وحضر العديد من ( الكمبارس ) الناس الذين طلبنا حضورهم من رجال ونساء وعلي توزيعهم على الموائد وتوجيههم بما نريد منهم موضحا لهم بعض مايتاجون من توضيح في اسلوب عملنا وما يتوجب عليهم فعله وانا انظر الى الوجوه وكان واحد منها يظهر لي ابتسامة زائدة ويهز برأسه حين اتكلم موحيا لي بأنه يعرف هذه الاشياء او انه سيكون حريصا على تطبيقها وهو سريع الفهم وهوما جلب انتباهي ولكن انشغالي في هذا الحشد وكيفية السيطرة عليه من اجل ان تسير عملية التصوير وفق ما نريد نسيت ذلك الوجه حتى انتهى التصوير وغادر كل الى داره منهكا استعدادا لتصوير مشاهد اليوم التالي .
وبعد ايام ونحن نجلس جلسة حوار واسترخاء في احد المطاعم قدم الفنان حسن شكره على حسن استقبال ابو علي والاهتمام به وهو يبلغني شكره وتقديره وانه على استعداد لعمل اي شيء فيه حداده وبلا مقابل . فسألته عن اي شيء يتحدث فقص لي حسن كيف انني اجلسته في مكان وكيف اجلس قبالته فتاة جميلة وكيف انني فعلت ذلك وكأنني لا اعرفه وحتى لايأخذ الاخرون بالهم مضيفا عن صاحبنا ابو شوكت وقد صارت وبعد ما يكولها فضحكت من اعماقي لامرين الاول انني لم اعرف انني حققت له ذلك والثانية القيام بشيء فيه حدادة وانا لا املك شيء احتاج فيه الى حدادة او نجارة او غير ذلك .
وعندها سألته اذا كان فرحا بهذا الدور فماذا لو اسند له دور البطولة ؟ فاردف حسن ملك مثلا او قل امبراطور ضحكنا من الاعماق . -الحقيقة انني لم اعرفه اطلاقا خصوصا وانا متعود ان اراه بملابس العمل ومن المؤكد انه اهتم بهندامه وغير شكله - .
في اليوم التالي التقينا في جلسة ضمت المرحوم المخرج عدنان ابراهيم واذا بحسن يفتح اوراقا ويقول اسمع : الامبراطور... تأليف حسن حسني ... المشهد الاول... وراح يقرأ لي وعدنان يستمع بامعان ولا يعرف عن الموضوع شيء حتى انتهى حسن . فسال عدنان عن هذه المشاهد الكوميدية فقال حسن انها تمثيلية تلفزيونية جديدة اقوم بكتابتها فقال عدنان ولكنك لم تذكر اسم المخرج نظر حسن الي ونظر عدنان الينا متسائلا فقال حسن على الفورومن ترشح فسارع عدنان المخرج عدنان ابراهيم وهو ينظر الي كأنه يعتذر مني فاجبته بابتسامة رضا فهمها على الفور وكان ( رحمه الله ) خجلا حساسا وذكيا استطاع ان يستغل الفرصة مثل غيرها من الفرص ليحصل على نص سوف يكتب بمقاسات يتدخل بها اثناء الكتابة بل ومشهد بعد اخر كما حدث فعلا فاتفقنا على ان نلتقي في اليوم الاخر وقد كتبت اكثر مشاهد التمثيلية والتي اخذت وقتها بالنقاش والتصحيح مثل غيرها من الاعمال التلفزيونية التي كنا ننفذها فهي لاتخرج للنور الا بعد ولادة عسيرة ونقاش مستفيض من قبل كل الاطراف حتى تصل احيانا للزعل او الاعتذار عن المواصلة ( ماذا يقولون صناع الدراما اليوم ومن الذين لايستلمون من النص غير حواراتهم في احسن الاحوال ) وهكذا استمرت لقاءاتنا في نقاش وجدل ينفض بين ضحك وتندر او عركة وزعل ليكتمل بالتالي نص متفق عليه بالنضوج وينتج من قبل تلفزيون العراق تحت نفس الاسم ( الامبراطور ) والذي قام ببطولته الفنان الراحل راسم الجميلي وكان امبراطورا في الاداء مثلما كان الكاتب امبراطور في صياغته وكذلك عدنان ابراهيم . ليضيف هذا العمل حجرا جديدا لجبل الابداع العراقي لانه ولد من صدق وعشق ومعاناة .والى عشق آخر رسخ في الذاكرة
كاتب ومخرج تلفزيوني
https://telegram.me/buratha