( بقلم : منى البغدادي )
قد يترك التغيير الاخير في التاسع من نيسان 2003 تداعيات خطيرة في مرتكزات الوعي العراقي في المناطق التي كانت تمثل النفوذ الاكبر للسلطة السابقة ورجالاتها وربما يبعث التحول الكبير في العراق رسائل مرعبة لمكونات عراقية كان النظام يوحي برعايتها وعدم استهدافها وهو في الواقع لم يحقق لها أبسط مستلزمات الحياة والعيش الكريم في عراق يعوم على بحيرات النفط والثروات. بعد سقوط النظام العراقي ونهاية سنوات التمييز الطائفي والقومي والديني والمناطقي بدت في الافق العراقي هواجس ومخاوف من ردود فعل مماثلة منفعلة وغير منضبطة ومؤشرات خطيرة من حصول حالات من الانتقام والثأرات كنتيجة طبيعية بعد سقوط أي نظام شمولي اجرامي كنظام صدام.
هذه المخاوف الذي كرسها الاعلام المضاد والفعل الارهابي الخطير في استهداف مكونات محددة وتصاعد صيحات مشبوهة للدفاع عن بعض المكونات من الانتقام وردود فعل العراقيين.ورغم ان قادة العراق الجديد حرصوا تمام الحرص على حفظ وحدة العراق أرضاً وشعباً وإشراك جميع المكونات العراقية في الحكم والقرار والدفاع عن الجميع ونبذ تعميم العقوبة والانتقام والثأرات والوقوف بحزم امام مخططات عصابات القاعدة التكفيرية لاحداث فتنة طائفية الا ان بعض ملامح المخاوف والقطيعة مع العملية السياسية تركزت في وعي البعض مما كان يعيش الخوف من الحاضر والمستقبل.
ورغم اعتقادنا بان العراق الجديد قد وفر لجميع المكونات فضاءات الحرية والاستفادة من الخيرات والثروات العراقية دون تمييز او تفريق لكن هذا الفهم لم يتحقق بشكل واضح على المستوى الميداني.وان التنظير للمصالحة والتعايش الايجابي والسلم الاهلي في العراق كان يستلزم الى خطوات ميدانية وعملية اكثر لكي يبعث برسائل تطمين للجميع لكي لا يضطر الاخرون الى انتقاء خيارات ابعد من متطلبات العملية السياسية واقرب الى مخططات اعدائها. وما قام به سماحة السيد عمار الحكيم في زيارته الميدانية التفقدية لسامراء وبلد وتكريت كان يصب في تجسيد هذا التعايش والعودة الى العراق الجديد ومؤشرات تطمنين لكل المكونات بضرورة العمل لانجاح العملية السياسية والخروج من الازمة العراقية الراهنة.
خصائص الزيارة لصلاح الدين
خصوصية هذه الزيارة وتميزها تكمن في قضيتين اساسيتين الاولى خصوصية الزائر نفسه والثانية طبيعة المزار او الجهة التي تزار فاما خصوصية الزائر فهو سماحة السيد عمار السيد عبد العزيز السيد محسن الحكيم نائب رئيس المجلس الاعلى وقيادي وطني كبير وفقيه من اسرة قدمت التضحيات الكبيرة في طريق انقاذ العراق ومنتمى الى اكبر تشكيل سياسي ضمن اكبر كيان سياسي وائتلاف يقود العملية السياسية في العراق.وخصوصية الجهة المزارة انها كانت متهمة حتى وقت قريب بتأييدها للطاغية صدام وهي اتهامات تبدو باطلة وهزيلة فلا يمكن ان نحمل تكريت واهلها اخطاء صدام القاتلة حتى لو كانت تمثل مسقط رأسه وعلى فرض ان ثمة من يتعاطف مع النظام السابق وطاعية العراق صدام المقبور فليس ذلك يستدعي حكماً تعميمياً على الواقع التكريتي بل ان اسرة صدام وعشيرته البالغة 500 شخصاً تم اعدام 37 منهم على يد نظام صدام نفسه وهو رقم كبير لو قيس بعدد افراد العشيرة.
وزيارة سماحة السيد عمار الحكيم نفضت تراكمات الضياع والقطيعة العفوية عن وجه تكريت وبعثت برسالة طيبة ومعبرة على تفهم قيادات العراق الجديد لكل ابناء ومناطق العراق وان المعادلة الطائفية والمناطقية قد ولت الى الابد دون رجعة. وفوجىء ابناء تكريت بهذه الزيارة الذكية وتعاملوا معها بروح الحفاوة والترحيب والمحبة وبددت في نفس الوقت غيوم ازمة الثقة المتراكمة منذ سقوط النظام وعززت التفاهم الوطني والانسجام بين كل مكونات العراق الاساسية.
وابن تكريت عندما يرى ان هناك من قيادات العراق والمجلس الاعلى تحديداً يحل ضيفاً يتفقد احواله وهمومه واوضاعه الخدمية والعمرانية فان ذلك سيكون محفزاً على ايجاد قناعات جديدة في مواقفه ونفسه ولن يفكر باللجوء الى خيارات اخرى يندفع اليها بسبب الجفاء او القطيعة بينه وبين العراق الجديد. وجاءت هذه الزيارة لمدينة تكريت بعد زيارة وتفقد الاعمار للمرقد الطاهر للامامين العسكريين في سامراء وهو ما يعطي انطباعاً مميزاً وايجابياً بان ما خطط لها الارهابيون سحقه الوعي والحكمة العراقية والاداء الميداني لقادة العراق وعلى رأسهم سماحة السيد عمار الحكيم. وتجاوز سماحة السيد عمار الحكيم الاطر التنظيربة والشعاراتية التي اعتاد عليها الاخرون بل تعامل مع الافكار والتصورات الايجابية بميدانية وواقعية وترجم الشعارات الى شعور والاقوال الى افعال والتطريات الى تطبيقات على الارض.
المصالحة الوطنية ام الوفاق الوطني
طرح سماحة السيد عمار الحكيم مفهوم الوفاق الوطني بدلاً من المصالحة الوطنية مع وجهاء واهالي تكريت معللاً بان المصالحة نما تتم بين المتخاصمين والمتنازعين ونحن ليس كذلك. والمصالحة الوطنية فرع وجود الاختلاف والمنازعة وبدونهما تكون سالبة بانتفاء الموضوع اذ لا موضوع لها ولا مبرر لولا وجود الخصومة والصراع والنزاع فعلى أي شىء نتصالح اذا لم نختلف اساساً.فليس لدينا مع اهالي تكريت مشكلة حقيقية او صراع ماضوي حتى تتم المصالحة بيننا وبينهم وهم لا يتحملون مطلقاً اخطاء غيرهم القاتلة حتى لو كان منتمياً ولادة الى ارضهم وشعارنا المبدئي المستمد من وخي السماء "ولاتزروا وازرة وزر اخرى" فلماذا نحمل قوماً جرائم لم يرتكبوها وذنوباً لم يقترفوها.فتستبطن المصالحة الوطنية ايحاءات غير حسنة بين ابناء الوطن الواحد بل تترك تداعيات خاطئة تكشق عن علاقة غير حسنة بين المتصالحين انفسهم.
واما مصطلح الوفاق الوطني فهي يتم بين الشركاء انفسهم وبين ابناء الوطن الواحد عادة ويستند ويعتمد على ايجاد مشتركات ومتبنيات متقاربة بين القوى السياسية والشرائح الاجتماعية والاتفاق على مبادى عامة لا يمكن فيها الخلاف اساساً.ولقاء سماحته مع وجهاء وكبار عشائر تكريت والاصغاء الى مطالبهم وشكاواهم كشف عن حقيقيتن مركبتين هما اهتمام قيادات العراق بابنائهم من جهة وثقة وجهاء واهالي تكريت بقياداتهم رغم اساليب والاعيب الاعلام المغرض الذي يحاول تشويه العلاقة بين مكونات شعبنا من جهة وبين القواعد الجماهيرية وقياداتها من جهة ثانية.
ان صدقية واخلاقية قيادات المجلس الاعلى الاسلامي العراقي والتزامها بتعهداتها ومواثيقها ستؤشر على نقاط ايجابية على طبيعة العلاقات بين مكونات شعبنا وستحقق القدر الاهم من الثقة المتبادلة والاهتمام المشترك بالعملية السياسية وستبدد القطيعة والتقاطع مع العملية السياسية وستسحق كل محاولات الارهابيين والتكفيريين في تعميق ازمة الثقة بين المكونات العراقية وقادتها.
https://telegram.me/buratha
