( بقلم : الكاتب والمخرج التلفزيوني الاستاذ صباح رحيمة )
حصلت الموافقة بتصوير مشاهد قصر الامبراطور من مسلسل وامعتصماه في بلاتو السينما والمسرح على ديكورات فلم اليرموك الذي كان من المقرر انتاجه من قبل دائر ة السينما و الغي تصويره . كانت فرصة ثمينة استثمرها المرحوم الدكتور محمد الجنابي وذلك لتنفيذها العالي الجودة وكانت قد نصبت غرفة نوم الامبراطور وسط ديكور قاعة الحكم بتقنية عالية عوض لنا بناء الديكورين في الوقت والمال والجهد ومن ثم النوعية التي نفذتها شركة اسبانية متخصصة .
وانتقلنا الى دائرة السينما لتنفيذ تلك المشاهد واصدرت التعليمات بعد الاجتماع ووزعت الجداول على العاملين وكانت مهمتي باعتباري المخرج المنفذ للعمل وكل راح يهيأ وحسب اختصاصه . وكنت الاحق العاملين اسألهم قبل التصوير واحاول اعاونهم في تذليل الصعوبات وتجاوز بعض الهنات دون ان ياخذ المخرج باله وكان العاملون في احسن حال من التعاون والتفاني لانجاز مهمته . وكان اليوم الاول للتصوير قد مر بسلام ويسر دون معوقاتوفي اليوم التالي وبعد انجاز اكثر مشاهد الجدول المتفق عليه جائني احد العمال وهمس في اذني وهو يرتعد خوفا ان الست مسؤولة الاكسسوار دعيت من قبل ضابط امن الدائرة .
سحبته جانبا لكي لا اثير اهتمام الاخرين لكي اعرف ماحدث بالضبط فأخبرني ان الست استدعيت ثم جاءت مفرزة من رجال الامن من خارج الدائرة واخذوها بعد ان استجوبوه وعرفوا انه يتلقى الاوامر منها والقصة هي : كان من المفروض احضار صرة من النقود وحسب اوامر التصوير لحاجتنا لها في احد المشاهد وكانت الست قد نست ان تحضرها فراحت تبحث بين الانقاض الموجودة خارج الاستوديو وداخل بناية السينما وهو ممر فيه اشياء مبعثرة من مواد مختلفة وابواب مخازن السينما والمسرح تطل على هذا الممر فوجدت صرة فيها شيء من القطع تشبه الحصى وجاءت بها مسرعة لتناولها الى الممثل الذي يقوم بتسليم النقود دون ان نتفحص ماهية هذه الصرة على اعتبار ان الاخت مسؤولة الاكسسوار تعرف عملها وسبق ان صورنا مثل هذا المشهد وكانت في الصرة بعض النقود القديمة او مايشبهها .
وعند انتهاء المشهد طلبت الست من هذا العامل ان يحتفظ بهذه الصرة لحاجتنا لها غدا وحسب جدول التصوير لليوم التالي باعتباره راكور ( استمرارية) وعندما دخل العامل الدائرة اخضع للتفتيش فوجدت في جيبه تلك الصرة وعندما سؤل عنها قال ان مسؤولة الاكسسوار هي التي اعطتني اياها لحاجتنا لها في تصوير اليوم فطلب منه استدعائها على الفور وهناك خضعت لسين وجيم والواحد صار اثنان وصاروا اكثر كل يسأل ويريد الاجابة وتتداخلت الاسئلة وبهتت المرأة وهي لاتعلم سبب كل هذا الاهتمام وهذا التحقيق الجدي وتلك الحركة واجراء الاتصالات . فطلبت من العامل ان لايبوح بشيء حتى اعرف الموضوع بالضبط والحيقة ان افكارا عديدة داهمة راسي واسألة كثيرة اصطفت تبحث عن اجابة .
وسألت عن غرفة (الاستاذ ) المسؤول الامني وقبل ان يرد لي السلام باغتني بان اترك الموضوع للتحقيق وعلي ان اتحضر لللادلاء بشهادتي واخذ اقوالي فطلبت منه ان يوضح لي لكي استطيع الاجابة فكيف اجيب على سؤال لم يطرح ؟ فقال بصوت رجل القانون الصارم والسلطة المحنكة : لابد وان هذه المرأة مرتبطة بالعدو الفارسي . ذهلت كانت الحرب في اشدها عام 1986 ولم اتسرح من الخدمة الا قبل اشهر معدودات جراء الاصابة وبعد ان قضيت اكثر من ست سنوات في جبهاتها , فسألته كيف ؟ قال انها تدخل بارود الى الدائرة بغية تفجيرها . كانت هذه الكلمات قد جسدت امامي صورة انفجار مروع من الانفجارات التي عشناها هناك , اصبت بغثيان وارتجفت رجلاي خوفا وهلعا من المفاجئة ولكنني تمالكت نفسي لاساله كيف حدث ذلك ؟ فاجاب وكانه يعرف السؤال مقدما ك: لقد ضبطنا عند احد عمالها كيس من اصابع الديناميت نعتقد انها تدخله بواسطة هذا العامل شيئا فشيئا بحجة التصوير . يا للهول ؟ هذه الفنانة الرقيقة ؟ الفتاة المؤدبة الوديعة ؟ ايعقل هذا ؟ قطع علي افكاري قائلا : فرس.. مجوس .. يخدمون الاجنبي .. عملاء وتوالت النعوت والصفات والشتائم واللعنات عدا ماخرج من بين شفاهه من الكلمات المعروف عنهم .
عدت ادراجي مسرعا وجدت الدكتور محمد يسال عني فاعتذرت وتحججت باني في قضاء حاجة . سارعت الى العامل و جذبته وهمست في اذنه غاضبا : من اين اتيت باصابع الدناميت ؟ كنت اظن انه يعلم الخبر ولكنه نظر في وجهي فاغرا فمه . اي دناميت استاذ؟ هذا الذي ضبط معك ؟ قال : انه قطع بارود مرمية في الممر وبكثرة .
ماذا دهشت من هذه الاجابة وطلبت منه ان يدلني من اين اتى بها فقادني الى الممر وراح يقلب اكياس كبيرة ( كواني ) هذه واخرج بعض منها . وعرفت بعد ذلك انهم يحتفظون بها لاستعمالها في التفجيرات في الافلام الحربية ومتوفرة بكثرة داخل المخزن . ولكن راحت الشابة وقضت من عمرها اكثر من ست سنوات كما عرفت بعد ذلك بين السين والجيم حتى اخلي سبيلها . كان المعتصم الذي خاض حربا من اجل ان( يحرر) معصم امرأة قد قيد مسلسله معصم واحدة من المبدعات الشريفات ولا ادري ما السبب الله اعلم .
كاتب ومخرج تلفزيوني
https://telegram.me/buratha