بقلم: أحمد مجبل العراقي
نلعب جولة لو صار الطكـ نلعب .. نلعب .. نلعب ..نلعب نلعب جولة صدرية أحنه لو صار الطكـ انطكـ كلنه و يييين .. ها ها ها و ين يروح المطلوب ألنه و الله أنجيبه لو طار الحكـ هذا المقطع من أغنية حماسية كمئات غيرها يقول البعض إنها تعكس رغبة كامنة في النفسية العراقية خاصة لدى الصدريين للتواصل مع ثقافة نظام البعث الصدامي الذي جعل من الأغنية سلاحا في زرع الروح العسكرية و ليس الوطنية مع أن تلك الأغاني كانت تسمى بالأغاني الوطنية زورا و بهتانا فهي تتغنى بأحد شيئين أو كليهما معا رأس النظام باعتباره الرمز و الضرورة التاريخية التي حبا الله بها العراق و أهله فكان التمجيد للصنم و إعادة خلقه مرات عدة في نفس المواطن لا سيما المراهقين و الشباب الذي نحج النظام في أن يجعله منهمكا في البحث عن عضلات ذراعه على حساب عضلات عقله و الثاني عسكرة المجتمع و زرع المفاهيم و القيم التي توطد من فلسفة العنف و التدمير للآخر باعتبارها الطريقة الوحيدة التي تسترد بها الحقوق . كانت أغاني صدام تصف العراقي بأنه " يلعب جولة " على الدوام وهو الشخص الوحيد في العالم المنذور لشهادة مقدسة ، من أجل تراب لأرض مسلوبة السيادة و الثروات و التاريخ لصالح الثلة الحاكمة .
ما زلت اذكر و أنا صغير أجواء الحرب العراقية الإيرانية و كيف كنا نحن الصغار و بعض المراهقين إلى جنبنا نتغنى بأغاني الوطنية تلك ، بذلك الزيف و الهراء ، الله وكبر للنصر خطواتنه ... راياتنه فوكـ النجم راياتنه .. منصورة دارك يا شعبنه الغالي .. بجفوف صدام و عزم قواتنه .. كان أثر تلك الأغاني التحميسية التعنيفية أثرا هائلا لعله بحاجة لدراسة على مستويات عديدة بغية الوقوف على حقيقة ما كانت تفعله بنفسية المراهقين و الشباب و كيف أفلحت لصالح النظام بالطبع في جعل الذهاب إلى جبهات الموت مما يمكن التباهي به لا سيما أن أغلب هؤلاء يسمعون و لا يرون و " ما راء كمن سمعا " كما يقول الشاعر العربي الذي ذهب شطر بيته هذا مثلا .
كانت الأغاني التي تمجد مقتدى الصدر و تصفه بأوصاف مطابقة لما كانت الأغنية الصدامية تصف بها قائد الضرورة الأول تثير فيّ حماسة غير طبيعية ، جسدي يرتعش و يتملكني انفعال غير طبيعي بالمرة حين اسمع إننا " أنجيب الحكـ لو طار ...." كنت أتوهّج و احترق فروسية غامضة و يتراءى لي أنني سوبر مان يستطيع أن يلتهم من يريد بل يخرق الجدران و يدخل على ضحاياه و يمزّقهم إربا إربا دون شفقة أو رحمة و لماذا الشفقة و الرحمة ! و أنا لا افعل سوى إنني أجيب الحكـ لو طار .. إذاً فانا أطير وراء الحق لأعيده و لم أخرج باغيا و لا أشرا و لا بطرا كالحسين عليه السلام دون فرق يذكر ! أما السيد القائد المهيب العمامة مقتدى الصدر فهو رجل معصوم لست غبيا لأصدق أنه الإمام المهدي و لكن كنتُ أؤمن بأنه معصوم بالعصمة المكتسبة وهي واحدة من إبداعات و تخريجات السيد الشهيد الصدر الذي قسم العصمة إلى قسمين واحدة لمقتدى و الأخرى وهي الأصل للأنبياء و الأئمة ، هكذا يبدو الأمر في نتائجه على الأرض ليس إلا .
تذكرت قضية ألأغاني حين خطر في بالي الحديث عن إحدى المهام التي كلفت بها المجموعة التي أنتمي إليها بقيادة أبو أحمد . حيث كنت أستمع أنا و بعض الأصدقاء إلى تلك الأغاني و نتمايل على وقعها مأخوذين بحماسة مدوية عجيبة و غريبة . كنا نستمع لتلك الأغاني عبر جهاز السي دي حين اتصل بنا أحد الشيوخ و دعانا للتأهب مساء للقيام بواجب و قال على كل واحد منكم أن يصلي للإمام المهدي ركعتين حتى يكتب النجاح لمهمتنا القادمة و فعلنا ذلك بكل حماسة و همة و لعل منا من ذرف دموعه و هو يتأهب للذهاب إلى قتل من لا يعرفه .
العملية استهدفت أحد ضباط الجيش العراقي ممن قيل لي أنه مشترك بجريمة محاربة جيش المهدي في محافظة الديوانية وقد تم رصد حركاته وهو الآن يقضي إجازته في بيت عائلته في بغداد و علينا الذهاب للاقتصاص منه . في الطريق أضيفت حكايات أخرى وصوّر لي أحد عناصر الجيش وكأنه أخطر مجرم عرفته البشرية بعد صدام لقد أعدم أفراد من الجيش " جيش المهدي " و رمى بجثثهم في النهر و قيل على رواية أخرى أنه قام بإحراقها .
كان المنزل يقع قريبا من إحدى الحسينيات في منطقة المشتل و كان الضابط المستهدف يقيم هناك مع زوجته و طفل صغير له لا يتعدى الأربعة أعوام . عند اقترابنا من المكان كدنا نصطدم من إحدى نقاط التفتيش الذي رفض أحد عناصرها السماح لنا بالمرور إلا بعد أخذ الإذن من ضابط السيطرة ، و كم كان هذا الشخص غشيما حيث كان وجهه معروفا لأكثر من واحدٍ منا بل و عرفوه بالاسم و مباشرة قيل أنه كان رفيقا سابقا في حزب البعث و أعتقد أنه الآن في العالم الآخر تحرقه نار الندم قبل نار الذنوب . اقتحمنا المنزل و دخلنا البيت و انتشرنا من فوقه و تحته و يمينه و يساره و بقيت بعض العناصر في رأس الشارع تراقب المكان بمجمله خشية أن يهرب أو تأتي قوات من الأمريكان أو الجيش العراقي تحديدا ليتم مشاغلتها في حال الضرورة إلى أن يتم قنص الهدف و القضاء عليه .
كنت واحدا ممن دخل المنزل و وقفت في وسط الصالة فيما قام أبو أحمد و أحد العناصر و يدعى قيس بملأ رأس الضابط برزقه من الرصاص ثم أمضى أبو أحمد قائد المجموعة وقتا في البحث في غرف البيت بحجة إمكانية العثور على قوائم أو أوراق مهمة فيها أسماء الذين قتلهم أو أي شيء مفيد آخر .. الشيء المفيد في النهاية كما سرّب لي أحد الأخوة هو مبلغ ألف و مائة دولار أمريكي و أقراط ذهبية كانت في صندوق صغير في غرفة النوم .
الشيء الذي يستدعي الإشارة إليه إنني وجدت جهاز سيدي و بضعة أقراص ليزر و أظهرت هنا تقمصي لدور أبو احمد في التحقيق فقلت لصاحبي الذي كان واقفا معي في المكان دعنا نشغل الجهاز لعل فيه شيء مهم و أعجبته الفكرة .. و بسرعة قمنا بتشغيله مع أنني كنت حذرا من مغبة أن يعنفنا أبو أحمد حين ينتهي من جمع ما يبحث عنه . كان القرص يحتوي على فيلم الرجل العنكبوت .
https://telegram.me/buratha