بقلم : أ. د. عبـد السـلام عمر القاهرة – الجيزة – شارع رفاعة
بسم الله الرحمن الرحيماللهم اهدنا صراطك المستقيم، ولا تجعلنا من عبادك الضالين المُضلين، بحرمة شهرك المبارك رمضان آمين يا ربّ العالمين.
وبعد : فقد طالعتنا صحيفة ( المصري اليوم ) في عددها 1549 الصادر بتاريخ 9 / 9 / 2008 الموافق للتاسع من شهر رمضان 1429، ونحن في هذا الشهر الفضيل تصريحات غير مسؤولة للدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعلى صفحتها الثامنة بما يلي: ( الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نصيحتي للرئيس مبارك ... ).
وإنّي مع ما أكنّ له من احترام وتقدير، أودّ أن أُذكّره بالحديث المروي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنّه قال: « صنفان من اُمتي إذا صلحا صلح الناس، هم الاُمراء والعلماء». { رواه ابن عبد البر في الاستذكار 1 : 48} ، وما روي عنه أيضاً أنّه قال: «صنفان من اُمّتي إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمّة، السلطان والعلماء» وبالحديث الذي روي عنه صلّى الله عليه وسلم أنّه قال: « العلماء اُمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان يعين في الظلم، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل، فاحذروهم واعتزلوهم» { رواهما ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1: 184- 185 }. إن مسؤولية الدعاة لكبيرة، وبالخصوص في هذا الشهر الفضيل الذي تتضاعف به الحسنات والسيئات . ومسؤولية العلماء أكبر بحيث إذا صلحوا صلح العالم كلّه، وإذا فسدوا فسد العالم كلّه.
ومن خلال الحوار الذي دار بينه وبين ( رانيا بدوي) اكتشفت حقيقة هذا الدكتور الذي عرفته منذ سنوات طويلة التي طالما كنت انتظر الوصول إليها، وإنّي أتوجه بالنصح له لا كما يدّعي بتقديمه النصح للامراء والملوك، لأنّ النصح لا ينفذ إلى قلب المستمع إلاّ إذا خرج من قلب الناصح لا من لسانه، وعمل به، ولما كان المقصود من العلم العمل , فمن تركه لم ينل إلاّ الخيبة والوجل , والندامة والخجل .. لقد تطرّق في الحوار إلى ما تحمله الشيعة من اُصول عقيدة، والى نفوذهم الكاسح في الأوساط السنيّة، وأوعز هذا النفوذ إلى ابتعاد علمائهم عن الارتباط بالحكومات، وعدم احتياجهم إلى الأموال، وقارن بينهم وبين علماء الأزهر الشريف وباقي علماء أهل السنة في الأقطار الإسلامية، فاتهمهم حفظهم الله أنّهم موظفين في دوائر الدولة ولا يمكن لهم تقديم النصح إلى اُمرائهم، بقوله: ( ... لكن الموظف هنا إذا غضبت الدولة عليه تحجب عنه، وإذا رضيت عنه منحته، فمن شيخ الأزهر مروراً بالمفتي، ورئيس جامعة الأزهر، من أكبر عالم إلى أصغر عالم، كلّهم موظفون لدى الدولة .. ليست لديهم قوة ). فبالوقت الذي نحن بأمس الحاجة إلى بثّ روح الاُخوّة والمحبّة بين الأمة، حاول بثّ روح التفرقة باثارة كلام ونقاش لا يزيد المسلمين إلاّ تنافراً وحقداً وابتعاداً حول مواضيع طال ما ذكرها السلف واجيب عنها.
أيّها الدكتور كيف أصبح الأمر كما ذكرتم وقبل سنوات، أي بعد رجوعكم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي من أوسع المناطق الشيعية في العالم الإسلامي، سمعنا منكم تصريحات تُفنّد مزاعم أعداء الإسلام اتجاه الشيعة الإماميّة، باتهامهم تحريف القرآن الكريم، وبيان صدق عقيدتهم، وأنّهم لا يختلفون مع باقي المسلمين إلاّ ببعض فروع المسائل الفقهية، وهذا أمر حصل ويحصل بين فقهائنا أيضاً، وذلك بعد أن شاهدتم بام عينيكم كلّ ذلك عن قرب، حتى ادعيت بأنك قد اُتهمت في سفرك هذا بانّك أصبحت شيعياً، وتدافع عن التشيع، فما بدا ممّا عدى، وما اكتشفت من أمرٍ غير ذلك.
وعلى كلّ حال لم نكن في ذلك السفر معك والذي طال بك أكثر من اسبوع، ولم تقف على أحوال منطقة دون أُخرى حتى تلمس الأمر، وتتحسس به، بل زرت أكثر المدن السنيّة فيها والشيعية، واطلعت عن كثب على فكر الشيعة وعقيدتهم، وقلت في تصريحاتك التي نُشرت عنك فيما بعد أكثر من مرة وأكثر من مناسبة بانك زرت مدينة قم الشهيرة، وزرت مدارسها، وصلّيت، وأقاموا الصلاة خلفك جماعة. ألا يجب على كلّ مسلم أن يتبع الحقّ، ويستسلم للأمر الواقع؟ فكم من ضلال وباطل قائم ويقوم في الدنيا، فهل يجوز للمسلم أن يتبعه ويتقبله ثم يقول : إنّه أمر واقع، وليس لنا إلاّ أن نستسلم للأمر الواقع ؟ ! فالإسلام دين تحقيق لا دين تقليد، قال سبحانه وتعالى : (... فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ {سورة الزمر /17 - 18}. فهل يجوز للمسلم أن يترك النصوص الجلية والأحاديث النبويّة الشريفة المروية في صحاح الكتب .فهل رأيت أو قرات حديثا في مصنفات الشيعة الاثنى عشرية عن النبي صلّى الله عليه وسلم يقول فيه : عليكم بسنتي وسنة الأئمة الأحد عشر. كما تزعم، فتقول : (نحن نقول إن السنّة سنّة محمد، أمّا هم فلديهم سنّة المعصومين محمد والأئمة الأحد عشر، ويعتبرون سنتهم سنة محمد)، وقد نسيت أم تناسيت الحديث النبوي الشريف : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء من بعدي» .
نعم إنّهم يتمسكون بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما صحّ عن أئمتهم الاثنى عشر الذين يحكون سنّة جدّهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما قال صادقهم جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا : ( حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم ». أليس هذا إن دلّ فإنّه يدلّ على التزامهم بالطرق والأحاديث الصحيحة؟
أمّا حديثك ( أنّهم يقولون : إنّ القرآن الموجود هو كلام الله ولكن ينقصه بعض الأشياء مثل سورة الولاية) فانّ صحّ ما تقول، فهو قول شاذّ عندهم، ولم يأخذ بذلك احد ، وما صنّفوه في ردّ مثل هذه الاتهامات التي وجهت لهم العديد من المصنّفات الشيعية. واذكّرك بما حكاه السيوطي في آخر الجزء السادس من كتابه الدر المنثور{ص 420} بمثل هذه الأقاويل الباطلة عن كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( ذكر ما ورد في سورة الخلع وسورة الحفد) ونحن ننكر ذلك عليهم، ونتبرأ من قولهم هذا، لقوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ){سورة الحجر15/9}.
أمّا حديثك عنهم : ( إنّهم يرون أن الرسول قبل أن يموت أوصى علي بن أبي طالب أن يكون الخليفة من بعده) وقد نسيت أو تناسيت ما روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : « إنّي مُخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا».
فأعلم أيها الأخ الدكتور أنّ مسؤوليتكم خطيرة تجاه الجهلة والعوام، لأنهم يأخذون منكم أنتم المثقفون العلماء، والمرء مخبوء تحت لسانه، وهو المنبئ عن شأنه، فحاله مستور ما لم يتكلّم، ولقد قيل : إذا فسد العالِم فسد العالَم . ونصيحتي للشباب الواعي المثقّف: يجب عليكم أن تقرؤوا صحاحكم، وتاريخكم، ولا تتبعون أسلافكم المتعصبين وأتباعهم، فلا تصدقوا كلّ ما تسمعونه عن الشيعة ؟ علماً أنّ جميع الأخبار التي تتمسك بها الشيعة هي من كتبكم، فراجعوا وأقرأوا بعين الإنصاف لأنّكم مسؤولون غداً أمام الله عن الأدلة، ولا تقل إن أبي وجدي كانوا كذا .
الدين ليس بالوراثة، والدين ليس عادات وتقاليد ورثناها عن آبائنا وأجدادنا فالدين علم، وفكر، ومنطق، واحتجاج، وبيّنة، حتى لو اصطدمت مع أستاذك، أو مع شيخك الذي تصلي خلفه، فعليك اتبّاع البيّنة والحجّة والبرهان والله الموفق إلى سبيل الرشاد.
https://telegram.me/buratha
