( بقلم : علاء الموسوي )
بالامس قرأت مقالا اعجبني للكاتب خيري منصور والذي نشره في جريدة الدستور الاردنية، يتكلم فيه عن الاقصاء الفكري الذي يتوارث عن طريق اشاعة ثقافة الاغتيال الفكري والجسدي. ووجدت ما تكلم عنه الكاتب قريب جدا للواقع اليومي الذي نعيشه في العراق على كافة الصعد السياسية والامنية وحتى الاقتصادية. اذ تجد فتاوى التكفير واتهام الاخر بالعمالة والتخريب وغيرها من المعاني والالفاظ التي تبيح للاخر استهداف امة بأكملها، مستهلكة في اعلامنا اليومي واساليبنا السياسية ومعطياتنا الفكرية، التي اصبحت تراثا لا يجيز لنا مصادرته او التخلص منه يوما من الايام. الكل يعلم ان عناوين الاغتيال لاتتجاوز الاستهداف الجسدي او الفكري على اكثر الاحتمالات، ولكن ما لايعلمه الغالبية العظمى من قرائنا ومثقفينا هو الاغتيال الرمزي والمعنوي والذي يأخذ احيانا بعدا معرفيا وايديولوجيا في الوقت ذاته.
هذا الاغتيال الابيض (كما يسميه بعض) يحدث على مدار الساعة ، ولا ينجو منه أحد ، لان ثقافة الادانة والتجريم المتبادل تتحول بمرور الوقت الى مناخ فاسد مُؤكسد بكل السموم التي تنفثها كائنات ترى بأن لقمتها في فم الاخر ومهدها في قبره وسريرها في تابوته، حيث تتعدد الاغتيالات والمصير واحد، وهو اصابة أمة بالشلل الدماغي لأنها تنشغل فقط بادامة الحياة في حدودها الدنيا وفي المستوى الغريزي أو الزواحفي فقط. ويصبح الهاجس لمن يتعاطون الكلمة المنطوقة أو المكتوبة هو النجاة بجلودهم ، ما دام التأويل قد بلغ مرحلة التقويل في ثقافة الاستعداء والنميمة. ما طرحه بالامس النائب (المرفوع الحصانة) مثال الالوسي من مبررات لزيارته الى اسرائيل، عبر اتهام اعضاء مجلس النواب بالعمالة لامريكا وللمخابرات الايرانية، كما فعلها غيره من امثال العليان والمطلك والدليمي والفلوجي والدايني ... تكشف لنا حقيقة ثقافة الاغتيال المروج لها داخل الجسد السياسي في العراق الجديد، اذ اتهام احد بالعمالة للفرس والصليبيين، ذريعة كبرى لدى الاخر المتطرف في اجرامه وايغاله في فكره الارهابي والاقصائي للانسان والانسانية برمتها، فجرة قلم وزلة لسان تبيح للاخر استهداف الملايين من ابناء الشعب بحجة عمالتهم واتباعهم لمكون اخر لاتربطه ادنى صلة غير الاتهامات والتأويلات الباطلة والمزيفة. وذلك لاننا مازلنا لم نحرق المراحل سوى تلك المتعلقة بتحويل الاغتيال على اختلاف انماطه الى ثقافة سائدة في مجتمعاتنا وثقافتنا المستوردة من الطرف الاخر. بمجرد ما نسمعه من لغة الاتهام والعمالة التي تطلق حينها جزافا من افواه السياسيين، حتى نسمع بعدها بساعات انفجارات مدوية واغتيالات بالجملة هنا وهناك، وكأن صفارة الانذار تبدأ من لفظة الاتهام المحرضة للعنف والاقصاء.
ما حصل بالامس في الجادرية من تفجيرات ارهابية وقبلها في الكرادة وبعدها باستهداف كادر الشرقية والعشرات من المواطنين الابرياء في كافة قطاعاتهم الرسمية والثقافية والاجتماعية، عبر اسلحة كاتم الصوت وغيرها من اساليب القمع والاجرام.... هي نتيجة تلك الثقافة (ثقافة الاغتيال) المروج لها في وسطنا السياسي قبل غيره من الاوساط الاخرى في العراق الجديد. الامر الذي يستلزم استحداث قوانين صارمة بحق المتقولين والمحرضين على الاقصاء والاتهام بالعمالة، لانه مجرد التفكير بتهميش الاخر وابعاده عن الجسد المنتمي اليه ،هي جريمة بحق ذاتها لايمكن السكوت عنها، اذا اردنا فعلا عراقا موحدا بقومياته ومذاهبه، ومتمسكا بثوابته وقيمه الدينية والوطنية.
https://telegram.me/buratha