( بقلم : احمد عبد الرحمن )
يقول المطلعون على واقع المؤسسة العسكرية والامنية في العراق ان هناك الان خمس عشرة فرقة عسكرية وتتجه النية الى جعل العدد يصل الى ثلاثين فرقة خلال فترة العامين المقبلين!. ولاشك ان رقما مثل هذا الرقم لابد ان يبعث على قدر من القلق وعدم الارتياح، واستذكار تجربة الماضي القريب بكل مأسيها وويلاتها، حينما صنع صدام جيشا اصبح في يوم من الايام من اكبر واكثر الجيوش في العالم عدة وعددا، وكان لايترك مناسبة الا ويفاخر بذلك بطريقة عنجهية.
والامر البديهي انه لايوجد دولة في العالم تفتقر الى وجود جيش ومؤسسات امنية واستخباراتية متعددة، وكل ذلك يخضع في سياقات تشكيله الى ضرورات ومقتضيات الواقع.ونحن في العراق حينما استفحل الارهاب في كل –او معظم-انحاء العراق، كنا نفرح كثيرا عندما نرى قطعات الجيش والشرطة منتشرة في الشوارع والازقة وعلى الطرق الخارجية، وكان فرحنا يزداد كلما ازدادت اعداد الجيش والشرطة امام اعيننا، ولكن هل ياترى سيبقى الامر بعد انحسار الارهاب والقضاء عليه بصورة كاملة على حاله؟.
من دون شك ستكون الامور معكوسة، ففي الوقت الذي تغيب السيارات المفخخة والعبوات الناسفة وعمليات التهجير والنزوح القسري والخطف والقتل والتسليب، سيتطلع الناس الى العيش في ظل اجواء وظروف ومناخات تغيب عنها مظاهر العسكرة، مثل قوات الجيش والشرطة، والدبابات والمدرعات، وتختفي الحواجز الكونكريتية، وتنتهي مواكب الفزع والرعب التي تطلق اصوات التنبيه المقززة.ان استتباب الامن في كل مفاصل الحياة لايتحقق بزيادة اعداد الجيش ونشرها في المدن والشوارع، واشاعة مظاهر العسكرة والتسلح، وانما ببناء اجهزة امنية واستخباراتية تعمل بحرفية ومهنية عالية وبهدوء بعيدا عن الاستفزاز والازعاج والرعب والفزع، وهذا ما معمول به ومتعارف عليه في كل المجتمعات والدول المستقرة والمتحضرة.
وليس غريبا ان يتحسر العراقي عندما يسافر الى اي بلد على مظاهر المدنية واختفاء مظاهر واجواء العسكر هناك، حيث لاوجود للدوريات والمواكب العسكرية التي تجوب الشوارع ليلا ونهارا، ولاوجود للحواجز الكونكريتية ، ولاوجود لنقاط التفتيش التي ينفق العراقيون نصف وقتهم او اكثر فيها.على المعنيين بزمام الامور ان يستحضروا تجربة ومنهج نظام صدام في عسكرة المجتمع، تلك التجربة التي قادت الى كوارث وماسي مازلنا ندفع ثمنها غاليا من انفسنا ودمائنا وثرواتنا. فعسكرة المجتمع لاتلتقي ولاتتوافق مع دولة القانون والمؤسسسات ودولة الدستور، ولاتنسجم مع مباديء الحرية، لانها ستفتح ابوابا واسعة لهيمنة الجيش، عن طريقة سطوة السلاح، وستفتح الابواب ايضا للانقلابات العسكرية، لتكون بديلا سيئا للغاية عن مبدأ تداول السلطة السلمي عبر صناديق الاقتراع الذي اقره الدستور. ولانعتقد ان هناك من هو مخلص للعراق يريد ان يعيد عجلة التأريخ الى الوراء.
https://telegram.me/buratha