( بقلم : أحمد مجبل العراقي )
صباح من أرق .. نعم صباح من أرق . لأن الليل كان صاليا و جحيميا و من أفلت من قسوته و بطشه و حرمت عيناه النوم للحظة في مدينة عاصفة مائجة لن تهدأ لحظة واحدة يفكر صباحا بان يتذوق شيئا من النوم .. كان دخول القوات العسكرية لسبب و سبب أراه الآن و الآن فقط وجيها جدا حيث قامت سرية من جيش المهدي بقيادة ضابط سابق في الجيش الصدامي يلقب بالعمدة اشتقاقا من اسمه وهو خبير في القنص بقتل ثلاثة جنود عراقيين كانوا يقفون بمحاذاة الشارع المؤدي إلى ساحة خمسة و خمسين . و أعقب ذلك اشتباك مع دورية أمريكية .. كان على أثرها أن اندلعت معارك ضارية الحقيقة و للتوضيح أن مصطلح معارك ضارية ليس دقيقا جدا كما تناقلته وسائل الإعلام فالقضية كانت تجري على الشكل الآتي .. الطائرات و الدبابات الأمريكية و الجنود الذين كانوا أمريكان و عراقيين يضربون و يقصفون بمختلف الأسلحة على مناطق تواجدنا لكننا لم نكن نثبت في مكان واحد .. كنا نتنقل بين منازل المواطنين بل و نقفز من فوق الاسيجة الخارجية للاحتماء في داخل البيوت مع أننا نعلم أنه في حال رصدنا فسوف يتعرض البيت بمن فيه للخطر الحقيقي . سألت ذات يوم و بشكل بريء جدا عن مشروعية الاحتماء في البيوت دون إذن أصحابها .. قال واحد من الموجودين و كان يصلح أن يكون مضرب مثل في الغباء :
بالفحوى .. و يبدو أن المسكين لا يعرف معنى الفحوى أصلا . فمن الثابت أن الناس لم تكن توافق على هذا الأمر و تعرض حياة أبنائها و أطفالها للخطر .. الجواب جاءني من السيد أبو نبيل أحد قيادي السرايا الخاصة و الخاصة جدا و الذي هرب إلى إيران ولم يعد على حد علمي .. حيث قال إن السيد القائد يرى رأي أبيه المولى المقدس إن للجهاد و المقاومة ضريبة و هذا جزء من الضريبة التي على المسلم و الموالي دفعها .. و استشهد لي بروايات لا أدري مبلغ صحتها كذلك لا أدري إن كان أصلا للسيد الشهيد رأي في القضية فأنا لم أسمع به يوما ما ؟ .. نفس الجواب كرره حين سألته يوما و بعد تدمير دبابة أمريكية بعبوة ناسفة قيل إنها كانت من جزأين قنينة أوكسجين و مادة سي فور و على أثرها قامت مروحية أمريكية بإطلاق صواريخها فجاءت على منزلين لمواطنين أبرياء قتلت منهم عشرة و جرحت عدد آخر .. فقد استوقفني الأمر و فكرت في هل يستحق تدمير دبابة أمريكية لن تؤثر على القوات الأمريكية بشيء مهم أن يتسبب ذلك بقتل كل هؤلاء الناس الذين لا علاقة لهم بما يحدث و الأصل كما يقال هو حفظ دم المسلم بل الإنسان أيا كان دينه و هذا ما أعرفه عن الدين الإسلامي و سيرة أهل البيت عليهم السلام ؟ في بيتي و أنا لي عائلة من أب و أم و ثلاثة أخوات و أخوين كان الوضع مأساويا .. هذه الكلمة قد لا تعبر حقا عما شعرت به و أنا اسمع من والدي كلمات تدعو عليّ و على جيش المهدي .. أشد ما بقي عالقا في ذهني و المنظر الذي أثار فيّ مشاعر الكآبة و الحزن هو منظر والدتي التي عصبت رأسها بعصابة بيضاء و كان الشحوب واضحا على وجهها وهي تقول لي بلهجة أهدا من لهجة أبي لكنها مؤلمة و موجعة : ليش يمه .. خايب و الله مو ذبحتني .. كلبي وياك الليل كله .. و ما غمضت عيني ما تكلي شنو الرايدينه ؟ بس الصواريخ و الطيارات فوكـ روسنا .. هو السيد خاتل هناك و أحنه متقلين اهنا ؟؟ و لك انعل الشيطان يمه حمودي ..
لم أسمع كلامها و ذهبت أصلي الصبح قضاء و دعوت الله أن يغفر لي لأنني أتسبب لها بكل هذا العذاب و الألم و خطر في ذهني تلك اللحظة : كم أمّ يرجف قلبها على ولدها و من أصوات الإنفجارات و الصواريخ و الطائرات ؟ و هل حققنا شيئا أم أنه عبث و مضيعة للوقت و حرق و خراب و قطع أرزاق لا أكثر و لا اقل ؟ مباشرة انتقضت كمن تذكر شيئا مهما جدا و رحت ابحث في مكتبة أخي عن كتاب منهج الصالحين للسيد الصدر .. كان هدفي البحث عن فتواه بشأن قضية منع الوالدين لولدهما من الجهاد .. و السؤال في ذهني هو : هل يجوز الخروج إلى الجهاد إذا منع الوالدين من ذلك ؟ ماذا وجدت في الكتاب المذكور باب الجهاد و في الصفحة 319 و على وجه التحديد المسألة 935 ؟ ما وجدته هو الآتي :
إذا منع الأبوان ولدهما من الخروج إلى الجهاد فإذا كان وجوبه عينيا وجب خروجه ولا اثر لمنعهما و إن لم يكن عينيا لم يجز الخروج إليه إذا كان خروجه موجبا لإيذائهما و احتقارهما . و معلوم أن الوجوب العيني يتحقق بأمر الإمام المعصوم أو نائبه الخاص أو في حالة ما إذا كان عدد المجاهدين قليلا و تتوقف الحاجة عليه في الخروج .. ( المسالة 933 نفس الصفحة ) . و بما أنني أعرف تماما أن موضوع الجهاد نفسه مثار جدل و إشكال فقد تغاضيت عن ذلك فالأهم كيف أفهم الفتوتين السابقتين .. الأولى تقول إن الجهاد إذا لم يكن عينيا و رفض الوالدان خروج ولدهما لم يجز له الخروج و الجهاد الذي نتصور القيام به هو غير تعييني قطعا لو صح التعبير لأنه ليس بأمر الإمام ولا بأمر نائبه الخاص . بقيت قضية توقف الجهاد على العدد و الحاجة إلى خروجي أنا تحديدا و لا علاقة لي بالآخرين وتساءلت هنا من يقدّر ذلك يا ترى ؟ ثم هذا يعني أنه لا بد أن يتحقق الجهاد أولا و يكون شرعيا و واجبا قبل أن يكون تعينا أو كفاية ؟؟ بشكل مبدأي اجزم ألا حاجة لخروجي و لا يتوقف على هذا الخروج هزيمة أو انتصار بل لا يتوقف على خروج ثلاثة أرباع جيش المهدي لأن العمليات التي تجري هي كر وفر فنحن مجموعات صغيرة تضرب صاروخا أو قذيفة و بعدها نختبئ لتبدأ ردة الفعل الأمريكية و القوات الحكومية و يستمر هذا أحيانا ساعات طويلة نكون خلالها مختبئين في مكان واحد عادة .. إذن سواء كنا ثلاثة أو أربعة أو ثلاثمائة أو أربعمائة فلا يقدم و لا يؤخر من الموضوع شيئا يذكر .
شعرت بالصداع و أنا أفكر في شيء لا أدري هل فهمته صح أم خطأ و أخيرا حملت تساؤلاتي في اليوم التالي وذهبت بها إلى الشيخ مهند عضو في ( ... ) لأرى ماذا تعني الفتوى التي قرأتها و كيف يوجهونها في الوقت الحاضر ؟؟ سأحدثكم بالتفصيل عن جواب الشيخ و لكن في مقالة قادمة إن شاء الله ..
https://telegram.me/buratha