الشيعة و منذ وجودهم العضوي في الجسد الإسلامي من أيامه الأولى أيام النبي الأعظم كانوا دعاة محبة وسلام و ابتعاد عن الشقاق و الوهن لعامة المسلمين وهذا الذي جعلهم يخسرون على مر التاريخ الخسارة تلو الخسارة لأن همهم الأول لم يتركز على مكاسب عابرة أو فئوية بل لزموا نصائح و إرشادات أئمتهم بوجوب مراعاة المصلحة الإسلامية العليا و الحرص على قوة المسلمين و الابتعاد عن أية أفعال أو حركات من شأنها زرع التناحر و الفت في عضد الأمة الإسلامية و من هنا رأينا أن بعض الأئمة عليهم السلام لم يظهروا قبولهم التام بحركات توخت الحل العسكري مع أنها كانت ذات مطالب عادلة بوجه طواغيت و حكام تلك العصور .
أقول إن وداعة الشيعة و حرصهم على المصلحة الإسلامية العليا و لعموم أعضاء الجسد الإسلامي أدى إلى دفعهم لخسارات عديدة لأنهم لم يقتفوا آثار الآخرين و لم يفهموا يوما أن السياسة حانة الشيطان و عليهم أن يتوسلوا بكل الوسائل و الأدوات الشيطانية للوصول إلى الحكم و الصولجان . لم يكن أبناء علي كأبناء معاوية كما لم يكن علي كمعاوية .. الفريق الأول كان له ثوابت و مبادئ و الفريق الثاني كانت له مصالح و أماني . و إذا ما فت في عضد الإمام علي تخاذل من حوله في عسكره و اجتماع أصحاب معاوية على معاويهم فلأن أتّباع الحق مر و السير وراء الباطل حلو و مريح .
و كان لهذه التجارب و منها تجربة العهد العلوي أن تدفع بالشيعة إلى مقاطعة الآخر و نبذه و العمل أو التنظير لإقصائه و تجاهل وجوده كأن لم يكن شيئا . لكنهم لم يفعلوا ذلك و هذا ليس ادعاء بل هو واقع التاريخ و حقائقه كما هي تشخيصات الجغرافيا و حدودها التي جعلت المناطق الشيعية مفتوحة و رحبة أمام أهل النحل و الملل و الديانات الأخرى . الشيعي بطبعه و طبيعته مسالم و إنسان تقوده العاطفة هذه العاطفة الإنسانية التي هي أغلى ثمرات و أهم دروس موقعة الطف الخالدة و ليس كما يفهمها البعض ممن حرم قلبه من نور الإيمان بعدالة و بعد قضية التضحية الحسينية و مغزاها فظن أنها ثورة تعربد في كل ضاحية و هي دعوة مطلقة العنان لإشهار السيف ، هؤلاء لا يريدون فهم حقيقة واضحة أن سيف الإمام الحسين عليه السلام تم إشهاره بغير رغبة الإمام و ما كان ليشهره لولا حلول تلك اللحظة التي لم تترك له خيارا آخر سوى المواجهة التي لو كان هناك فرصة أو نصف فرصة لعمل الإمام على تجنبها .
الفكر و الفهم الشيعي لا يرى في السيف وسيلة لأخذ مكسب أو تحقيق هدف أو تعمير ما هو خرِب لأنه فكر ثاقب ينظر إلى ما وراء الأشياء .. إلى النفوس و القلوب لا إلى الأجساد و السطوح . و لكن لا شك أن يخرج و ينبو عن هذا المسار الإلهي القويم من يرى أن القتل وسيلة لإحياء أهدافه و في التدمير فرصة لبناء مكاسبه و في العبث و الفوضى طريق لتنظيم سلطته . و هؤلاء يصطدمون من الآخرين لأن هؤلاء الآخرين يسيرون و يتوسلون ذات الوسائل الهمجية الأموية . وقد تجلى هذا الأمر فيما حدث في العراق خلال السنوات الماضية من تخريب و تدمير و قتل و فوضى على يد طرفين جعلا الساحة العراقية ساحة للتزاحم على النفوذ و تفريغ شحنات الحقد و الأفكار الضالة فكان جيش المهدي و القاعدة .. الأول عزز من وجهة نظر الطائفيين و العلمانيين الذين نظّروا لنظرية القطيعة الشيعية و أما الثاني فقد دفع و حاول بكل قوة أن ينمي روح القطيعة المتبادلة بين طائفتين مسلمتين كانتا تتعايشان بكل سلام و هدوء .
إن قوام الفكر الصدري و القاعدي قوام متشابه إلى حد مدهش ، كلاهما يتمثل رغبة الإقصاء ولو لمن يعارضه الرؤية من نفس طائفته و مذهبه و كلاهما يؤسس لفهم خاص و منحرف عن أصول كانت متبعة لدى جمهور طائفته و مذهبه .. كلاهما يدعي التجديد و التحديث و محاربة البدع و مقاومة الفكر العلماني و مجاهدة الغزو الاستعماري الأمريكي و الواقع أنهما يخوضان في تحجير العقول و تخليف الأمة و إشاعة الفتن و البدع و إعطاء المبررات لأعداء الإسلام للتشنيع على المسلمين و إبقاء ما يسمونه استعمارا أو احتلالا جاثما على أرض العراق .
فرصة إحداث تحولات فكرية في العقلية الصدرية و القاعدية فرصة غاية في الضآلة و لا أعتقد أن لهذين التنظيمين أية إمكانية في إعادة تشذيب أفكارهما و صياغتها بعقلانية لتنسجم مع أسس الفهم الإسلامي الصحيح و لا تجانب طرق ثابتة ألفتها الأمة منذ عصور سحيقة .. سيبقى الصدريون و القاعديون مثارا لكل شر و طريقا لكل نازلة تنزل بأهل العراق إذا لم يتم احتواؤهما و نبذهما و استئصال المتشبثين من عناصرهما بكل الفكر البالي المتخلف الذي لن يجلب للأمة غير الضرر و الضعة و الهوان و الهلاك .
https://telegram.me/buratha