( بقلم : د. سناء الحربي )
أتاحت الانترنت فرصة وافية لجميع ذوي الرغبة في مزاولة فن الكتابة .. و الفن بطبعه مادة للتطفل و جاذب بطلاوته و حلاوته لبعض الحشرات الصغيرة طائرة و زاحفة و متقافزة .. و الكتابة فن لا ترقى إليه الفنون و تتكل عليه كما ليس كاتكاله عليها . و شان أي فن إبداعي لا مناص من توفر صاحبه و مدّعيه على مقومات و أدوات في العرض و التعبير و المقاربة . نعثر بمقالات و كتابات لأسماء تخرج عن العد و الحصر و كلها تدعي و تشهر لافتة شخصية كونها صاحبة قلم و لها أسلوبها و طريقتها في البيان و التعبير . و لكن لأدنى المعنيين بشؤون الكتابة أن يخلصوا بسهولة للتمييز بين الركيك المبتذل و الرصين المبدَع .. ما له فرصة تأكيد معنى أن يكون المرء كاتبا و ما له أن يوطد قناعة التطفل و العبث بشيء لا يعني صاحبه من قريب أو من بعيد .
و بما أننا نكتب باللغة العربية هذه التي لها قواعدها الصارمة التي يصعب التنازل عنها و لها جمالها و أساليبها القومية التي تأبى أن يتلاعب بها المتلاعبون و يعبث بها العابثون فإن من الواجب أن نحترم خصوصية لغتنا و ألا نتجاوز عليها إلى الحد الذي يصيبها يعاهات مستديمة لا سيما أن هذا النوع من العاهات و التشوهات وليدة تواطؤ أصحاب اللغة أنفسهم و سخريتهم بها و تهاونهم بقواعدها و أساليبها . سخر بعض هؤلاء الذين يطعنون بنصالهم يوميا لغتنا الجميلة من مقالات سابقة لي تناولت فيها أخطاء نحوية و لغوية للبعض ممن يدعون أنهم كتاب بل و مبدعون لا يشق لهم غبار .. بالطبع لست في وارد الدعوة إلى الكتابة بلغة الجاهليين و لا العودة إلى اصطحاب المعاجم و القواميس لكتابة مقالة أو قصة أو حتى نص شعري ، بل هي مراعاة لأدنى ما يجب الالتزام به من ضرورات الإعراب و الصيغ السليمة في العربية . أما الأخطاء الشائعة فهي قد أصبحت شيئا سائغا و كما يقال خطأ مستعمل غير من صحيح مهمل . إلا أن ما يكثر من عورات لغوية و نحوية هي من قبيل الفاحش و القاتل مما لا يجدر إتيانه من قبل من يكتب بالعربية عارضا نفسه كاتبا و مزاولا لفن الكتابة بشتى أجناسها .
و مما له علاقة بالموضوع هو أن مقتدى الصدر قبل شهرين أو أكثر نشر بيانا و اعترض عليه أحدهم و بالتحديد على مفردة ( توخوا ) التي وردت في البيان فهب السيد راسم المرواني مستشار الصدر الثقافي لتدبيج مقالته التي أقسم فيها بـ " العباس أبو فاضل " حسب ما جاء هناك أن ما كتبه مقتدى هو " توقوا " و ليس " توخوا " و ذلك بالطبع للتدليل على مقدرة مقتدى و ثقافته اللغوية و سعة علمه و حصانته بل و عصمته من أخطاء كهذه . و ليكون القارئ على بينة واضحة أدعوه قبل الاستمرار بقراءة المقال الانتقال إلى مقال المرواني على الرابط الأتي : http://www.kitabat.com/i40476.htm
ثم العودة لتكملة المقال . إذن لننتقل إلى بيان مقتدى الصدر الأخير و لنرَ أن الرجل الذي يسعى إلى نيل الاجتهاد في غضون خمسة أعوام يجهل أمورا غاية في البساطة لا يجدر بطالب صغير جهلُها فكيف بجهبذ همام سيجترح واحدة من عجائب الدهر حيث الحصول على الاجتهاد و خلال خمسة أعوام و لعلم من لا يعلم فإن مرتبة الاجتهاد هي مرتبة علمية في الحوزة الشيعية تشبه إلى حد ما درجة الدكتوراه .. فيما يلي سقطات فاضحة جاءت في بيان مقتدى أترك الحكم فيها للقارئ ليحكم على سطحية ثقافة الرجل و بالمناسبة فلا مجال هنا للحديث عن أية درجة من التسامح و التهاون لأن عالم الفقه يعتبر عِلْمَي النحو و اللغة من أهم ما يستند إليه في تحليل النصوص التشريعية و الاستدلال على الحكم و استنباطه من مداركه المعلومة . قال مقتدى الصدر : فلندعو من على منابرنا و الصواب حذف الواو و القول : فلندعُ من على منابرنا قال مقتدى أيضا : فلندعو الله بصوت واحد نفس الخطأ و الصواب فلندعُ وقال أيضا : فيعاهد كل عراقي ربه بأن لا يعتدي و الصواب أن لا يعتدي بدون حرف الجر الباء وقال أيضا : و أن يكون دم العراقي و ماله و عرضه محرم عليه و الصواب محرما عليه .. بالنصب لا الرفع خبرا للفعل الناقصوقال أيضا : وحسب فهمي فان العراقي و الصواب ترك الفاء في هذا الموضع . وقال أيضا : بظهور الحق المطلق ليملئ و الصواب ليملأ حيث الهمزة على كرسي الألف لا الياء وقال أيضا : ثم أدعوا الشعب العراقي و الصواب ثم أدعو الشعب بدون الألف لإسناده لضمير المتكلم وهو مفرد . وقال أيضا : وشاءت اعتزال و الصواب و شاءت اعتزالا وقال : وعيش في رفاه و الصواب وعيشا في رفاه كونه معطوفا على سابقه وقال أيضا : ودعوت الرب سرا و ليال و الصواب إثبات ياء ليالي ، فاللفظ المنقوص لا تحذف ياؤه إلا في الرفع و الجر .وقال : واجعل الكل مطيعا و منيب و الصواب : مطيعا و منيبا بالنصب
أما أبياته الأخيرة فأغلب صدورها مختلة في بنائها العروضي بالإضافة إلى أنها نظم سقيم لا أعرف كيف وجد السيد مقتدى الجرأة على نشره .. نترك الحديث عنها كي لا يقال أنها مبالغة في ملاحقة سقطاته و ليس هناك من لا يخطئ و لكن من المؤكد أن ليست كهذه الأخطاء الشنيعة التي نأمل ألا يقول السيد المرواني أنها مجرد أخطاء مطبعية لأنه اعتذار فيه ما فيه مما يعد ستره أهون الشرين .
https://telegram.me/buratha