( بقلم : كريم النوري )
يقال ان رساماً كبيراً اختفى وراء لوحته ليصغي لاراء ونقد وملاحظات الزائرين لمعرضه الشخصي فنظر اسكافي الى هذه اللوحة فوجد ان ثمة خطأ فيها يتعلق برسم الحذاء فالتفت اليه الرسام وشكره على ملاحظته القيمة واعاد رسم الحذاء وصحح الخطأ، ولكن هذه الاستجابة جرأت وشجعت الاسكافي كثيراً فجاء في اليوم الثاني وانتقد رسم ربطة العنق فقال له الرسام انك احسنت فيما تعرف فهم فلا تسيء الى مالا تعرف!
ومن هنا فارجو ان نستفيد من هذه الحكاية وان يعرف كل منا حجمه وقدره وان لا نتطاول على اختصاصات غيرنا او نتطفل على ما لا نعرفه. والتمدد النقدي على مساحات خارجة عن الاختصاص او التخصص يضع الناقدين امام واقع فضولي ومستنقع مخجل يسيىء الى النقد والتقييم. ويبدو ان اغلب مشاكلنا في العراق الجديد هي التمدد على اختصاصات الاخرين واستعارة ادوارهم ووضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب او بالعكس وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب وان تحولت هذه القاعدة باستمرار الزمن الى " الرجل النسيب في المكان المناسب"
في واقعنا الشرقي اصبح التمدد وتقمص الادوار وانتحال الصفات قضية مستساغة وسائدة وهذا السبب اننا مازلنا متاخرين ومتخلفين لاننا نضع الاشياء في غير مواضعها. ومن تداعيات ونتائج هذا الوقع تاكد لنا نموذجان متضادان الاول يمتلك طموحات وتمددات بلا قدرات وكفاءات والاخر يمتلك قدرات ولكنه بلا طموحات فالاول قفز على الواقع التخصصي وتحول طموحه الى جموح والثاني انعزل عن دوره الاساسي وتقزم طموحه ونأى بنفسه عن الدور المرسوم له. وتأسيساً على هذا فاننا نلاحظ هذه الايام بروز هذه النتوءات بشكل سافر فاخذت تتقمص ادواراً وتنتحل صفات بكل وقاحة وجرأة.
لا يمكن ان تتداخل الادوار ونتحول كلنا الى ناقدين ومصححين للمسار الفكري والسياسي والاجتماعي في العراق وقد يكون من المعيب ان انتقد شاعراً او قاصاً في قضية خارجة عن اختصاصنا وليس من الصحيح ان ينتقد واعظ رساماً تشكيلياً او ينتقد جنرال عسكري قصيدة شعر او يوجه شاعر اللوم لقائد عسكري ويقدح بخطته الامنية.فهذه القضية تعبر عن فوضوية نقدية وارباك في كل المستويات ولن نحصد بعد ذلك الا ولادات مشوهة وحشوداً مضللة وندفع الثمن جميعاً لاننا كمن يعطي قيادة السفينة لفيلسوف ويترك ربانها يناقش الفلاسفة.
والاخطر في هذا السياق العابر هو ان هناك من يتدخل في خصوصيات وتخصص المرجعية الدينية العليا ويتصور انه قادر على الخوض في شؤون المرجعية الدينية ومعرفة تفاصيل الاستنباط وتعقيدات فقه الاصول وعلم الرجال واسانيدهم وقواعد النحو وفقه الرواية والكثير من الامور التي هي من خصائص الفقيه وحده وتدخل الاخرين من غير ذوي التخصص يعتبر اساءة بالغة للفكر والوعي والتخصص. لابد ان نحترم انفسنا والتخصص ولا نقحم انفسنا في مساحات لا تهمنا وتضعنا في مواضع لا تليق بنا وميادين لا تجوز لنا.
رحم الله امرءً عرف قدر نفسه واحسن استثمار مواهبه واتقن توظيف قدراته فقد نشاهد اليوم الكثير من يحاول التطفل على المرجعية الدينية بغير علم ويقحم نفسه في مواطن اقل ما يقال عنه انه امي بها ولا يفقه بها حديثاً.لا نتدخل في شؤون ذوي الاختصاص الا ضمن ما يهمنا من معرفة اجمالية تؤهلنا بالخوض في مجالات فهمنا وادراكنا والا فهذا يعني اننا نتعمد التطفل والتدخل في غير مجالات تخصصنا.
المرجعية الدينية ومساحات تخصصها الفقهي والتعقيد الاجتهادي في عملية الاستنباط يجعلها في موقع فكري لا يرقى الى الدغدغة او التجريح بقدراتها الا ذوي الاختصاص من المجتهدين الفقهاء من الذين يستنبطون الحكم الشرعي ويدركون عناصره الاولية المؤثرة في عملية الاستنباط. ما يثير دهشتي ويدعوني للضحك هو ما اقرأه في مقالات ناقدة للمرجعية الدينية وتتوغل في ميادين فكرية معمقة بافكار سطحية مهزوزة لا تمت للوعي الفقاهتي بادنى صلة.
والاغرب من ذلك كله هو ان بعض اشباه السياسيين وانصاف المثقفين هم الذين يرسمون للمرجعية الدينية دورها ووظائفها وهم الذين يحددون المساحات التي يمكن ان يكون للمرجعية فيها دور او رأي بل هم الذين يوجهون المرجع الديني ويسمحون له بالافتاء في بعض القضايا ويحظرون عليها التدخل في شؤون المجتمع والسياسة والحياة ويحصرون دوره في المساجد والمراقد بينما يطلقون العنان لاسيادهم من التدخل في كل مناحي الحياة.ولذلك فان هذه الانتقائية في التعامل مع موضوعة المرجعية وقع فيها بعض ما هو محسوب على الاسلاميين فعندما كان يرفع شعار تأييد المرجعية الدينية لقائمته فوجىء ان المرجعية تطالب النواب بعدم تسنم المواقع الوزارية واخلاء البرلمان من رجالاته فرفض هذه المطالبة بقوله اني لا اقلد السيد السيستاني فتسلم وزارة الامن الوطني قبل مجىء شروان الوائلي لها.
https://telegram.me/buratha