( بقلم : كمال ناجي )
أطلق مقتدى الصدر برنامجا تثقيفيا لم يفصح عن ماهيته و كيفيته اسماه " ممهدون " شاملا عناصر ما يسمى بجيش المهدي ، و هذا الـ " تمهيد " جاء فيما يبدو ليقطع نوعا ما الطريق على الدعوات الشعبية و الرسمية المطالبة بحل هذه المليشيا وسط إصرار منقطع النظير من قبل مقتدى الصدر على إبقائها و تحت حجج واهية و غير مقنعة . ففي الوقت الذي كانت الذريعة هي وجود القوات الأمريكية و ضرورة مقاومتها و أنه من الممكن حل جيش المهدي في حال تم وضع جدول زمني فإن الأمور تغيرت الآن مع ما لاح في الأفق من إمكانية جدولة الانسحاب الذي كان مطلب الصدر بل و شرطه الأساسي لحل جيشه ، و لا أقل من تعيين سقف زمني مقنع للحكومة العراقية .. هذه التطورات رد عليها التيار الصدري بتكتيكات من قبيل التمهيد الثقافي لتمييع المطالبة بالحل ، و قد ظهرت نبرة جديدة في خطاب الصدريين تشير إلى أن القضية لا تتعلق بجدولة انسحاب القوات الأجنبية بل بخروج آخر جندي منها و هو ما يعد تحولا جديدا و مألوفا في سياق التحولات الدراماتيكية للصدر لمواجهة وضع لا يرغب في الوصول إليه وهو حل المليشيات بشكل رسمي و نهائي . و لا ننسى هنا أن الجهات الخارجية لها مصلحة كبرى في إبقاء هذه المليشيا و دفع مقتدى للتعنت أكثر حيال قضية حلها .
تبدو فكرة التهميد الثقافي جميلة و مغرية في ظاهرها ، و لكن بوقفة متأنية تجعلنا على قناعة بعبثيتها فضلا عما تقصده من أهداف بعيدة كل البعد عن المضمون الفكرة التي تعني إنشاء شخصية عقائدية مثقفة و على مقدار من الوعي و حسن التعامل و اتخاذ المواقف و الظفر بدرجة من التكامل المعنوي .. . إن من المعلوم للعراقيين لا سيما في المناطق التي يوجد فيها للصدر أتباع و تتوفر على وجود عناصر جيش المهدي يعلمون تماما أن تحقيق المضمون السابق لفكرة التمهيد هو من المستحيلات و الممتنعات لما عليه وضع مجاميع من المراهقين الأميين و ذوي السير الدكناء من حالة ميؤوسة الإصلاح و لا يمكن إعادة خلق هؤلاء مع الاحتفاظ بمركزية أفكارهم السابقة . لقد تطبع هؤلاء المراهقون على نمط من السلوك و أسلوب من التفكير و النظر إلى الحياة بشكل يتقاطع تماما مع قضايا الوعي و الثقافة و التكامل ، نتساءل كيف يمكن أن تثقف قاتلا سفك الدماء دون رحمة و لم يفكر لحظة وهو يطلق صواريخه و قذائفه بمن ستسقط عليه من ألأبرياء و ليس في عقله و تفكيره سوى نلك الفكرة المظلمة التي ابتدعها مقتدى من كون الخسائر بالأرواح و الممتلكات نتيجة ذلك هي ضريبة الجهاد الذي لا نعلم من أفتى به و من أين جاء بمفهوم الضريبة التي تشبه إلى حد كبير فكرة " الترس " الزرقاوية .. لم أستغرب مطلقا ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية في لقاء لأحد مراسليها مع عناصر من جيش المهدي حيث أظهر هؤلاء أنهم يرغبون باستمرار القتال لأنهم ببساطة لا يعرفون شيئا آخر غيره .. و جاء في تقرير الوكالة ما يلي :
أعلن مئات من عناصر جيش المهدي أمس أنهم يفضلون القتال ضد القوات الأمريكية رغم أوامر مقتدى الصدر بتجميد الجيش إلى أجل غير مسمى . وقال عدنان حبيب 22 عاماً أحد المشاركين في صلاة الجمعة عند مكتب الصدر في مدينة الصدر : غم إنني أفضل القتال لكنني سأطيع أوامر مقتدى الصدر . لكن الفتيان الصدريين لا يرون أي أهمية لدورهم في حال توقف نشاطهم كمقاتلين ضد قوات التحالف. وأكد محمد موسى 18 عاماً أفضل المقاومة باستخدام السلاح فهو الشيء الوحيد الذي أستطيع القيام به .
لقد كان معلوما للجميع أن هذه العصابات لا تفقه شيئا غير لغة القتل و الخراب ، و هذه الاعترافات لها من أهميتها من جانب كونها نقلت عن طريق وكالة خبرية عالمية معروفة بحيادها التام لكي لا يقول البعض أن وصف عناصر مليشيا جيش المهدي بالجهل المطبق و بالدموية المتأصلة في نفوسهم إن هو إلا بدوافع العداء أو الخصومة معهم .. الحقيقة لا يمكن أن تخفيها غرابيل الأقوال و الادعاءات ..
و هنا نتساءل ما هي الثمرة المتوقعة من برنامج مقتدى الذي اسماه التمهيد من نماذج كهذه تصرح بشكل واضح أنها لا ترغب في هذا التمهيد فأية ثقافة و أية هلوسات يريدها الصدر الناس لا يتقنون سوى القتل و التدمير ! هذا مع أننا مسبقا نعرف نوعية الثقافة التي يريد مقتدى أن يمهد أتباعه من خلالها و هي في الواقع ذات الأفكار و الاجترار للمواقف و الشعارات التي احتضنا هؤلاء القتلة الجهلة و تم تأهيل البعض الآخر عن طريقها إلى مراتب أكثر دموية و جهالة مما كان عليه الحال ..
https://telegram.me/buratha