المقالات

اضواء على النظريات الاسلامية في فلسفة الحكم 3 - 5


( بقلم : سليم سوزه )

ها قد وصلنا الى النظرية الثالثة من نظريات المنظور الشيعي في فلسفة الحكم، حيث انفرد بها الشهيد محمد باقر الحكيم ليكون بذلك اول من حاول اقلمة العقلية الشيعية على الوسطية والتوافق بين النظريتين الأخريين واللتين تطرقنا لهما في الحلقتين السابقتين، هذه النظرية تؤمن بلا ولاية انسان على انسان ولا ولاية لاحد على آخر اياً كان ، بمعنى آخر ولاية الامة على نفسها، وعماد هذا القول الآية الكريمة (لا اكراه في الدين).

يبدو ان هناك مسحة من العصرنة والحداثة في هذه النظرية التي تحاول التوفيق بين الولايتين العامة والخاصة وفك شفرة التناقض بين ما هو ديني وما هو دنيوي كي تعطي انموذجاً لنظام سياسي اسلامي، لا يبتعد كثيراً عن مفاهيم الانظمة العالمية المعاصرة ولا يختلف جوهراً عنها، فمثلا ً هي نظرية ديمقراطية في فقه السياسة العلمانية لانها تؤمن بان الامة هي ولي نفسها وهذا لا يتحقق يقيناً، الاّ عن الطريق الانتخاب الشعبي، في حين ترى بوجوب تصدي رجل الدين الى الحياة السياسية بصورة يجعله منافساً للآخر في نفس الوقت .. وبهذا فقد وافقت على شروط اللعبة الديمقراطية ودخلت في مسرح التنافس الانتخابي اي انها لو قدّر ان حصلت على الحكم بهذه الطريقة فستتركه بنفس الاسلوب، فيما اذا غيّرت الامة رأيها ولم تقبل بها مجدداً وهو بالتأكيد تطوّر رائع وملحوظ في ادلجة الاحزاب الاسلامية ذات الطابع الشمولي، حيث انها بدأت تقبل بالاختلاف وتؤمن بالتنوع، في حين كثير من التيارات العلمانية مازالت ترفض ذلك حتى الآن، كالاحزاب القومية وبعض القوى الاشتراكية .

يجب الاشارة الى نقطة مهمة جداً في هذا الصدد، وهي ان هذه النظرية تؤمن بالديمقراطية والانتخاب كعقيدة وليست وسيلة يوصلها الى الهدف (الحكم والسلطة) .. وهذا ما يميّزها عن الكثير من الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية على حد سواء والتي قبلت بالديمقراطية لمجرد كونها وسيلة لايصالها الى الحكم بعد ان تيقنت جيداً بانها تمتلك القاعدة الشعبية الاقوى مقارنة بالاحزاب الاخرى وتستطيع ان تصل من خلال الآليات الديمقراطية الى هدفها، ففي العراق مثلا ً ومن خلال المقارنة بين فصيلين اسلاميين كبيرين هما المجلس الاعلى الاسلامي (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية سابقاً) وحزب الدعوة الاسلامية بشقيه المركزي والعراقي، سنجد بان الاول يؤمن بالديمقراطية فكراً وتطبيقاً كعقيدة غير منفصلة عن الاسلام حسب نظرية مرجعه الشهيد الحكيم والتي نحن بصددها الآن، اما الثاني فيؤمن بالديمقراطية وسيلة من وسائل الوصول للحكم ولا علاقة لها بالاسلام اي ليست شرطاً اساسياً من شروط ايمانه وهذا ما صرّح به الدكتور علي الاديب احد قيادات الدعوة في لقاء شهير له على قناة الحرة، حينما استعرض ايديولوجية الحزب ومرتكزاته آنذاك .. حيث قال بان الحزب يحتكم الى الآليات الديمقراطية بأعتبارها وسيلة وليست غاية في كسب الشرعية السياسية لحكم البلاد.

لا يعني هذا الكلام بان حزب الدعوة غير ملتزم بالاسس الديمقراطية وهو اليوم احد مؤسسي النظام السياسي الجديد في العراق او يختلف عن المجلس الاعلى وبقية الاحزاب الوطنية في قبوله النظام الديمقراطي كخيار سياسي وحيد لا بديل عنه في العراق، لكننا نتكلم من وجهة نظر عقيدية فيما اذا كانت الديمقراطية تتفق او تتقاطع مع الاسلام حسب تنظيراتها الايديولوجية .. فسواء آمنت بها كوسيلة او كغاية فهي دخلت بالتأكيد في العملية الديمقراطية وقبلت بنتائجها وهذا هو المهم يقيناً.

ان من المهم القول ايضاً، بان هذه النظرية السياسية تختلف عن نظرية ولاية الفقيه العامة جملة ً وتفصيلا ً لان الاخيرة ترى بأن الامة ترتكب المعصية اذا لم توال وليّها الفقيه وتأتمر بامره فهو اولى بها من نفسها في حين يرى الحكيم بان الامة لا تكون كذلك في حال لم تطع فقيهها بل تكون آثمة وعاصية اذا ما خالفت اجماعها لانها ولي نفسها ولا طاعة لغيرها، الاّ لنفسها، وهذا ما أكّده الدكتور همام باقر حمودي احد قيادات المجلس الاعلى الاسلامي وواحد من منظريه في معرض شرحه لتصورات المجلس حول طريقة الحكم، حيث بيّن ان المجلس اعتماداً على رأي قائده الراحل يؤمن بولاية الفرد على نفسه ومنها ينطلق نحو ولاية الاسرة على نفسها والمحلة على نفسها ثم المدينة وهكذا حتى تكون الامة كذلك وهو ما يفسر تمسك المجلس بالخيار اللامركزي او الفيدرالي بمعنى ادق، اي ان الفيدرالية على ما يبدو خيار عقيدي عند المجلسيين وليست سياسة خاضعة لتجاذبات المناخ المتغير.وهنا نستطيع القول بان هذه النظرية تنطلق سياستها الاسلامية بشكل هرم تصاعدي مقلوب حيث تكون قمته في الاسفل وتمثل الفرد البسيط وقاعدته العريضة للاعلى كرمز للمجتمع برمته اي تؤمن هذه النظرية بأسلمة السياسة صعوداً بدءاً من الفرد وانتهاءاً بالمجتمع مروراً بالمحلة والمدينة، وهي عكس تماماً النظرية الثانية (الولاية العامة) حيث كانت تطرح سياستها من الاعلى الى الاسفل ليكون هرمها السياسي في الوضعية الطبيعية، القمة للفقيه والقاعدة للمجتمع، فالفقيه يجب عليه السيطرة على قمة السلطة، اذا ما اراد تهذيب المجتمع وترويضه على ادبيات الاسلام ومفاهيمه.

اعتقد اننا نستطيع القول بان ولاية الفقيه العامة (النظرية الثانية) هي حكم نازل من السلطة الى المجتمع، بينما نظريتنا هنا (نظرية الحكيم) تفلسف للحكم الصاعد من المجتمع الى السلطة والقيادة انطلاقاً من مبدأ الانسان ولي نفسه، ولا ولاية لاحد عليه .. وهذا هو الفرق بينهما حسب فهمي المتواضع.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك